نجلس في دائرة مغلقة ويتوسطنا هو، نحاول الحديث عنه وكأنه صديق قريب من الجميع. صديق خضنا معه معارك دموية، حتى أصبح بيننا اتفاق ضمني بالهدنة لمدة ساعتين، ساعتين لجلسة علاج جماعي.
تحاول المعالجة التي تدير المجموعة حث الجميع على الحديث عن أكثر المشاعر والأفكار الموجودة، وتهدف المشاركات إلى التفريغ العاطفي، وكذلك فهم الأفكار التي تحركها، سواء كانت أفكارًا عن الذات أو عن الآخرين، وكذلك عن العالم المحيط بهن. فتسأل: “مين حابب يشارك المجموعة بمشاعره الفترة الأخيرة؟”.
تجلس كل منهن تحكي كيف تعيش مع هذا الصديق بشكل يومي، وكيف تواجه به الحياة. تقول إحداهن: “بحس كأن الدنيا فاضية جوايا، كل الأحداث اللي بتحصل حواليا في عالم وأنا في عالم تاني، بحس إني بضحك وبخرج وبكلم الناس بشخص تاني غيري”.
ترد الأخرى: “أنا مش عارفة حتى أتعامل من برة بس، بحس إن السرير مكاني المفضل، المكان الوحيد اللي بحس فيه بالأمان، عشان النوم بيوفر عليَّ كلام كتير مش عايزة أسمعه، وكلام كتير مش لاقية حد يفهمه ويحسه. أنا بحس إني عايزة أفضل نايمة، نايمة وبس”.
يعم الصمت المكان وتنظر المشاركات إليها شاردات، ثم تخرج تلك السيدة الثلاثينية قائلة: “النوم ده بالنسبالي حلم، بشحته من نفسي كل ليلة، دماغي وقتها بتكون أكبر عدو ليَّ، شريط حياتى بيتعرض في فيلم متواصل من غير فواصل، كل مرة فشلت فيها وكل مرة حسيت فيها بقلة حيلة وقهرة. أنا نفسي أرتاح.. نفسي أنام”.
وأخرى تقول: “أنا نفسي أبقى مبسوطة بس مش عارفة، كل ما حد بيقولي تعالي اخرجي معانا بحس تقل على صدري، مش قادرة أحس إن جوايا أي رغبة أعمل أي حاجة مهما كانت بسيطة، كل الناس اللي حواليَّ شايفين إن أنا اللي نكدية، وكأن اللي بيحصل ده أنا عايزاه يحصل، مفيش حد فاهم إني مش عارفة.. أنا بجد مش عارفة ومش قادرة”.
تتدخل المعالجة وتسأل تلك الفتاة التي تجلس دومًا صامتة ولا تشارك إلا بالقليل جدًا: الكلام اللي بتسمعيه دلوقتي من الناس، مش محسسك بحاجة عايزة تشاركي بيها؟
تقول الفتاة: شايفة نفسي حتى عاجزة إني أشارك معاكم. أنا جيت هنا وأنا مش عارفة عايزة إيه، مش حاسة حتى إني عايزة من العلاج حاجة.
تسألها المعالجة: تفتكري ده مخليكى تشوفي نفسك إزاي؟
ترد قائلة: إني فاشلة.
المعالجة: وإيه اللى يخليكي شايفة نفسك ناجحة؟
ترد: عشان أحس إني ناجحة لازم أعمل كل الحاجات صح، وكمان أوصل لكل أحلامي وأحققها.
المعالجة: إحنا اتعلمنا قبل كده أخطاء التفكير وإزاي نكشفها، وده خطأ تفكير اسمه “كل شيء أو لا شيء”. طيب دلوقتي التفكير ده خلاكي تعملي إيه؟
تقول: خلاني مش عايزة أعمل حاجة، وكده بقيت أفشل أكتر.
المعالجة: تفتكري لو بدلتي الفكرة دي بفكرة “أنا ممكن أفشل وممكن أنجح”، هيحصل إيه؟
ترد: على الأقل هيبقى عندي أمل في التغيير وهحس نفسي أحسن.
وبذلك تستمر تلك الجلسة لمدة ساعتين، ما بين تفريغ المشاعر والأفكار التي تأتي منها، والكشف عن السلوكيات الناتجة.
تعتمد المجموعات العلاجية في هذا النوع على نقطتين:
1- المشاركات مع المجموعة التي تعاني من نفس الاضطراب، والذي ينتج عنه شعور بالقبول لمعاناة كل منهم، كما أن تأثيره في العلاج يكون أكثر فاعلية من العلاج الفردي.
2- كل مشاركة فردية تصب في مصلحة المجموعة، فعندما يقوم المعالج بكشف فكرة ما لدى أحد المشاركين، ثم يبدلها بفكرة أخرى أكثر إيجابية وفاعلية، فيعود هذا على كل الأفراد.
كما ينوِّع المعالج بقدر مهارته في المدارس العلاجية المتبعة داخل المجموعة، وأكثر المدارس المتبعة حاليًا هي:
1- مدرسة العلاج المعرفي السلوكي، وهي ما عرضتها في النموذج السابق، وتقوم على التركيز على المشاعر والأفكار، وأيضًا السلوكيات التي يقوم بها مريض الاكتئاب كنوع من النمط السلوكي التابع لهذا الاضطراب. ومن خلال التفريغ العاطفي للمشاركين يكشف المعالج الأفكار المحركة لتلك المشاعر، كفكرة “انا فاشلة”، والتي يتبعها سلوك انسحابي من المشاركة في أي تفاعل لتفادي الشعور بالألم. ثم يعالج تلك الفكرة ويغيرها، مثل “أنا ممكن أنجح في حاجات وأفشل في حاجات”.
2- مدرسة العلاج الديناميكي، وتعمل تلك المدرسة على كيفية فهم المشاعر لدى المجموعة، والتعبير عنها وعن الاحتياجات النفسية التي تنقصهم، وتأكيد حقهم في تلك المشاعر، وأيضًا المطالبة بها.
وتعد المجموعات العلاجية جزءًا مهمًا في رحلة العلاج من الاكتئاب، لما يعود على المريض من فائدة كبيرة:
– ككسب مهارات جديدة في التفاعل الاجتماعي، ومشاركة الخبرات الحياتية لتفادي الإحساس بالعزلة.
– مساعدة المجموعة بعضهم لبعض، مما يؤثر بشكل إيجابي في احترام الفرد لذاته، وزيادة التكيف الاجتماعي.
– يؤثر أي تطور في حالة واحدة ضمن المجموعة على بقية الأفراد، ويحثهم على الاستمرار.
– يساعد التفاعل داخل المجموعة على فهم أكثر للمرض من خبرات واقعية للآخرين.
– يوفر بيئة آمنة وصحية ومجموعة دعم نفسي لكل فرد داخل المجموعة.
– مشاركات الآخرين وتدخُّل المعالِج في تصحيح المفاهيم والأفكار يؤدي إلى عملية نمذجة وتقليد تساهم في تطوير عام في طرق تفكير الآخرين.
– شعور كل فرد بالانتماء إلى المجموعة له دور مهم في العلاج.
– من أهم النقاط هو أن مرحلة التفريغ العاطفي وسط مجموعة داعمة ومتقبلة، يساهم في إزالة الشعور بالعار وجلد الذات.
وقد انتشرت تلك المجموعات في الفترة الأخيرة، مما يدل على زيادة الوعي بأهميتها، وأيضًا زيادة الاحتياج لهذا النوع من التفاعل الصحي العلاجي، وأيضًا لوجود أثر فعال وإيجابي لها سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.