العنف اللفظي: أشكاله وطرق مقاومته

3958

العنف اللفظي، هو ذاك العنف الذي لا يترك في جسدك علامات يُمكنك أن تُريها للآخرين لتُثير تعاطفهم وتضامنهم معك، هو ذاك العنف الذي ترك تأثيره جليًّا على روحك ونفسك، لا يترك علامات فقط، بل يترك جروحًا وندبات غائرة، ولكن الآخرين كل الآخرين بمن فيهم صاحب العنف يملكون عليها ردودًا جاهزة مُعلّبة، ردود من قبيل: “كان فقط غاضبًا فلا تؤاخذيه”، “لم تكن في وعيها ولم تكن تدري ماذا تقول”.. وهكذا آلاف من التبريرات التي يضعها البعض كعلاج قاطع ونهائي للألم الذي سببه لك العنف اللفظي، وإذا لم تقتنع بهذا العلاج ولم تُقم له وزنًا فستكون أنت مُبالِغًا وحساسًا أكثر مما ينبغي، وغيرها من الاتهامات الجاهزة أيضًا.

“هكذا أنا.. حينما تُثيري غيظي سأختار أكثر ما يؤلمك وأقوله لكِ. لا تُعاتبيني على ما يبدر مني وقت ضيقي منكِ، ولا تعتبري أن ما أقوله حينها هو حُكمي النهائي على شخصك، أو هو رأيي الحقيقي فيكِ، لا تُحمّلي الأمر أكثر مما يحتمل يا عزيزتي، ولا تُثيري غضبي ثانيةً حتى لا أؤلمكِ”. هكذا كان يقول لها زوجها بعد تهدئة خلافاتهما وموجة غضبه العارمة.

حينما كان يحدث أي خلاف بين “منى”، (اسم مُستعار)، المرأة الثلاثينية وزوجها، كان الزوج يُسمعها ما لا يخطر لها على بال، آراؤه الصادمة فيها وفي مواقف مرّت بينهما منذ سنوات، تهديدات ضمنية وأخرى واضحة صريحة، كانت تُكذب أذنيها حينًا وتتمكن منها الصدمة أحيانًا، وحينما كانت تعود لمُعاتبته ومُحاولة السماع منه أكثر لاستجلاء ما يعنيه بوضوح، وهل كان يعي ما يقوله حقًا، كان يرد عليها بالكلمات السابقة.

تعريف العنف اللفظي

العنف اللفظي له تأثير سلبي، ويمكن أن يتصاعد أحيانًا وتحدث إساءة جسدية أيضًا، ويجب أن تعرف أن العنف اللفظي ليس أمرًا طبيعيًا، وهناك بعض العلامات التي بإمكانها أن تُخبرك أن ما تتعرض له هو عنف لفظي وليس خلافًا عاديًا

وفقًا لموقع healthline تأتي الإساءة بأشكال عديدة، ليست كلها جسدية. عندما يستخدم شخص ما الكلمات بشكل متكرر لتحقير شخص ما أو تخويفه أو التحكم فيه، فإن ذلك يعتبر إساءة لفظية/ عنفًا لفظيًا. من المحتمل أن يحدث العنف اللفظي في سياق علاقة رومانسية أو علاقة بين الوالدين والطفل. ولكن يمكن أن يحدث أيضًا في العلاقات الأسرية الأخرى، أو العلاقات الاجتماعية بين الأصدقاء، أو أثناء العمل.

علامات تُخبرك بأن ما تتعرض له عنف لفظي وليس خلافًا عاديًا

العنف اللفظي له تأثير سلبي، ويمكن أن يتصاعد أحيانًا وتحدث إساءة جسدية أيضًا، ويجب أن تعرف أن العنف اللفظي ليس أمرًا طبيعيًا، ووفقًأ لموقع healthline هناك بعض العلامات التي بإمكانها أن تُخبرك أن ما تتعرض له هو عنف لفظي وليس خلافًا عاديًا، ومنها:

  • الخلافات العادية لا تتحول إلى الشتائم أو الهجمات الشخصية.
  • تدور الخلافات حول قضية أو موضوع أساسي، وهي لا تهدف إلى اغتيالك معنويًا أو تدميرك.
  • في الخلافات العادية قد يصيح أحدكما أو يقول شيئًا فظيعًا حقًا بدافع الغضب والإحباط، لكن يبقى هذا حدث غير عادي وتعملان معًا على الفهم والإصلاح.
  • في الخلافات العادية، حتى لو لم تتمكن من الاتفاق مع الطرف الآخر بشكل كامل، يمكنك التنازل أو المضي قدمًا دون عقوبات أو تهديدات.
  • خلال العنف اللفظي فإن الطرف الآخر يقوم بإهانتك ويحاول إذلالك، ثم يتهمك بأنك مُفرط في الحساسية، أو يقول إنها كانت مزحة وأنك ليس لديك حس الفكاهة.
  • خلال العنف اللفظي يتم إطلاق سلسلة من الاتهامات وإثارة قضايا غير ذات صلة بالأزمة محل الخلاف، لوضعك في مركز الدفاع.
  • في العنف اللفظي يحاول الطرف الآخر جعلك تشعر بالذنب، ويضع نفسه في مكان الضحية.
  • الشخص الذي يُمارس عليك العنف اللفظي يقوم بسلوكياته المؤذية عندما تكون بمفردك معه، لكنه قد يتصرف بشكل مختلف تمامًا عندما يكون الآخرون حولك.
  • الشخص الذي يُمارس عليك العنف اللفظي يُحاول احتلال مساحتك الشخصية، ويحاول باستماتة منعك من الابتعاد.

6 أشكال من العنف اللفظي

يسرد موقع healthline عدّة أشكال للعنف اللفظي، ومنها:

1. الشتائم والاتهامات

فسواء أكنت في علاقة رومانسية، أو علاقة أب بأطفال، فإن الشتائم هي أمر غير صحي، وكثيرًا ما تُستخدم الشتائم بهدف المضايقة، أو كوسيلة للتقليل من شأنك. مثال: “أنتِ لا تفهمين ذلك، حبيبتي، لأنكِ مجرد غبية للغاية”، أو “لا عجب أن يقول الجميع أنك أحمق”.

2. التقليل منك

يمكن أن تكون تعليقات الشخص المسيء ساخرة ومحتقِرة ومتسلطة، بهدف التقليل منك، وبهدف جعل أنفسهم يشعرون بالتفوق، مثال: “اسمح لي أن أرى ما إذا كان بإمكاني التعبير عن هذا بعبارات بسيطة حتى يمكنك فهمها”، أو “أنا متأكد من أنك بذلت الكثير من الجهد في مكياجكِ، ولكن اغسليه قبل أن يراكِ شخص ما”.

3. النقد المُوجع

لا حرج في النقد البنَّاء، لكن في علاقة مسيئة لفظيًا، يكون الأمر قاسيًا ومستمرًا بشكل خاص في محاولة لتقويض احترامك لذاتك. مثال: “أنت دائمًا منزعج من شيء ما، تلعب دور الضحية دائمًا، لهذا السبب لا أحد يحبك”، أو “لقد أخفقت مرة أخرى، ألا يمكنك فعل أي شيء بشكل صحيح؟!”.

4. تقليل ثقتك بنفسك

يريد منك المعتدي أن تشعر بالسوء تجاه نفسك، إنهم يوظفون الإهانة والإذلال لتقويض ثقتك بنفسك. مثال: “قبل أن أكون معك لم تكن شيئًا، بدوني لن تعود أي شيء مرة أخرى”، أو “انظر إلى نفسك، من غيري يمكن أن يريدك؟”.

5. التلاعب

التلاعب هو محاولة لجعلك تفعل شيئًا ما دون جعله أمرًا مباشرًا. لا تخطئ في الأمر: فهذا يهدف إلى التحكم فيك والسيطرة عليك. مثال: “إذا فعلت ذلك، فهذا يثبت أنك لا تهتم بأسرتك وسيعلم الجميع ذلك”، أو “كنت ستفعل هذا من أجلي إذا كنت تحبني حقًا”.

6. اللوم

كُلنا نُخطئ بين حين وآخر. لكن الشخص المسيء لفظيًا يلومك على سلوكه. يريدك أن تُصدق أنك تجلب الإساءة اللفظية والعنف اللفظي لنفسك. مثال: “أنا أكره الدخول في معارك، لكنك تجعلني غاضبًا جدًا”، أو “لا بد لي من الصراخ، لأنك غير معقول وغليظ الرأس”.

تأثير العنف اللفظي

بعد أن تعرفت على العنف اللفظي وعلاماته وأنواعه، عليك أن تقرر ما الذي يُمكنك أن تفعله حيال ذلك. فلا توجد إجابة واحدة لما يجب فعله. يعتمد هذا على ظروفك الفردية. فقط في طريق بحثك عن الحل تذكر أنك لست مسؤولاً عن سلوك شخص آخر

قد يدخل بك العنف اللفظي في نفق مُظلم، لا تدري ءأنت هكذا حقًا كما يُخبرونك أم لا، قد تشعر بأنك لم تعد تمتلك أي ثقة بنفسك، وأنك تخاف أن تتكلم أو تتصرف أو حتى تشعر حتى لا تجلب لنفسك الإهانة، رُبما تقتنع أيضًا أنك تستحق ما تتعرض له، وأنك أنت المسؤول عمّا سمعته من كلام مؤلم، لأنك تصرفت أو فكرت بطريقة سيئة، وأنه ما كان يجب عليك أن تفعل هذا.

هذا النفق المُظلم هو بالضبط دافع الطرف الآخر من استخدام العنف اللفظي، فهو يرغب أن يجعلك تدخل في هذه الحالة بالضبط، ليحكم قبضته وسيطرته عليك، ويحصل منك على أفضل مكاسب مُمكنة، ويشعر بتفوقه عليك، فهو على الأقل ليس مُخطئًا مثلك، ولا خائفًا مثلك، وهذا كفيل بجعله يشعر بالتفوق عليك عندما تدخل أنت في هذه الدوّامة.

كيف يمكن مواجهة العنف اللفظي

إذا كنت تعتقد أنك تتعرض للعنف اللفظي، فثق في غرائزك. هكذا يُخبرنا موقع healthline. ضع في اعتبارك أن هناك احتمالاً أن يتصاعد الأمر ويُصبح أكثر سوءًا مما هو عليه، والآن بعد أن تعرفت على العنف اللفظي وعلاماته وأنواعه، عليك أن تقرر ما الذي يُمكنك أن تفعله حيال ذلك. فلا توجد إجابة واحدة لما يجب فعله. يعتمد هذا على ظروفك الفردية. فقط في طريق بحثك عن الحل تذكر أنك لست مسؤولاً عن سلوك شخص آخر، ومما يُمكنك القيام به:

1. أظهر رفضك

ابدأ برفض الإهانات، أخبر الطرف الآخر أنك لن تستجيب أو تتغاضى عن الإساءة اللفظية.

2. ضع الحدود بحزم

الطريقة الوحيدة الفعّالة لوضع حد للإساءة اللفظية، وفقًا لموقع psychologytoday هي تحديد نوع الإساءة المستخدمة، وتسميتها، ثم الطلب بهدوء من المعتدي أن يوقف هذا، لنفترض مثلاً أن صديقك يلومك على أنك تسببت في مغادرتكما العمل في وقت مُتأخر والذي أدى إلى وقوفكما في ازدحام مروري لوقت طويل، بدلاً من محاولة إقناع صديقك بأنه لم يكن بإمكانك توقع حركة المرور غير المتوقعة، فمن الأفضل أن تقول بحزم، “توقف عن لومي على شيء ليس لديَّ سيطرة عليه”. أو لنفترض أن شخصًا ما يستخدم تسمية مثل “طفل” أو “كاذب” لتعريفك. إن محاولة إقناعهم بأنك لست طفلاً أو كاذبًا لن يكون لها أي تأثير. هنا يجب القول بحزم، “توقف عن استخدام هذه الأوصاف والتسميات السلبية لتعريف شخصي”، هذا هو الأكثر قوة.

3. إذا لم ينجح ردك الحازم فاترك المكان

إذا لم تنجح هذه الطريقة الهادئة الحازمة، فإن الرد الوحيد المُجدي على الإساءة اللفظية هو إبعاد نفسك جسديًا عن الموقف. على سبيل المثال، إذا كان أحدهم يصرخ بك ولم يكن لردك الهادئ الحازم أي تأثير، فإن رد الفعل المعقول الوحيد على الإساءة هو مغادرة الغرفة أو المبنى.

4. اجعل وجودك مع الشخص المُسيء في أضيق الحدود

قلل من تعرضك للمسيء قدر الإمكان، وإذا استطعت حاول تجنب الشخص تمامًا، برفضك التعامل مع المعتدي اللفظي وتجنبك له، والامتناع عن محاولة حتى مناقشته، فأنت تُظهر للمسيء أنه لا يتصرف بعقلانية، وأنك لن تتحمل هذا السلوك. سيتعلم بعض المعتدين تغيير سلوكهم من خلال التعرض المتكرر لهذا النهج.

5. قطع العلاقة

عندما تكون مستعدًا، اقطع العلاقة تمامًا إذا استطعت. يمكن أن يكون قطع العلاقة مع الشخص الذي أساء إليك أمرًا معقدًا في بعض المواقف، خصوصًا إذا كان زوجًا ولديكما أطفال أو تعتمد عليهم بطريقة ما، في هذه الحالة حاول استشارة المُقربين والمُختصين، ففي بعض الأحيان، يمكن أن يساعدك منظور الشخص الخارجي في رؤية الأشياء من منظور جديد ومعرفة ما يجب فعله بعد ذلك.

المقالة السابقةالعنف الجنسي ضد الزوجة والأطفال: أنواعه وأسبابه ومواجهته
المقالة القادمةالموسيقى أحد مصادر الدعم النفسي
نيرة الشريف
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا