لماذا يتعثر الموهوبون دراسيًا؟

3095

في الفيلم الهندي “نجوم على الأرض”، يناقش الفيلم حياة الطفل إيشان، ذي ثماني أعوام، ومعاناته في المدرسة والمنزل بسبب تعثره الدراسي ومعاناته من صعوبات التعلم وإحساسه الدائم بالذنب بسبب فشله المستمر في المدرسة، تفشل كل محاولات والديه لجعله يتقدم في دراسته، فيصبح الحل الأمثل هو إرساله إلى مدرسة داخلية، ليحصل على شهادة دراسية مناسبة. يهرب إيشان من كل مشاعر الخوف والقلق والفشل إلى الرسم. يحول كل مشاعره إلى لوحات فنية مدهشة تنم عن موهبة خالصة، تكون بمثابة طوق نجاته في نهاية المطاف.

يشير الفيلم إلى ظاهرة غريبة للإبداع والموهبة، في ظل العجز اللغوي وعدم القدرة على التعبير بالكلمات أو فهمها، وتدني مستوى التحصيل الدراسي أو ما اصطلح على تسميته “صعوبات التعلم”.

يُعرف علماء النفس الشخص الموهوب على أنه الشخص الذي يحقق أداءً متميزًا، مقارنةً مع أفراد مجموعته العمرية في بُعد أو أكثر من الأبعاد الرئيسية، التي تمثل السمات العقلية والشخصية للموهبة

الموهبة VS صعوبات التعلم

قد يبدو ذكر أسماء مثل: تشارلز داروين – أجاثا كريستي – ألبرت أينشتاين – ليوناردو دافينشي وربطها بصعوبات التعلم أمر غير منطقي بالنسبة لكثير من الناس، خصوصًا أنهم أظهروا إبداعًا استثنائيًا في تخصصاتهم المختلفة، فمصطلحا صعوبات التعلم والموهبة لا يمكن أن يجتمعا معًا في طفل واحد، إلا أن هذا ما يحدث في الواقع، ولكن لا يستطيع البعض استصاغته بسبب الفهم الخاطئ لكلا المصطلحين.

يُعرف علماء النفس الشخص الموهوب على أنه الشخص الذي يحقق أداءً متميزًا، مقارنةً مع أفراد مجموعته العمرية في بُعد أو أكثر من الأبعاد الرئيسية، التي تمثل السمات العقلية والشخصية للموهبة، والتي تشمل القدرة العقلية العالية والقدرة الإبداعية العالية والتحصيل الأكاديمي الرفيع. (المرجع: الدكتور أحمد السعيد – كتاب الموهبة والتفوق العقلي والإبداع).

بينما تُعرف صعوبات التعلم بأنها مشكلة في معالجة المعلومات، تمنع الشخص من تعلم مهارة معينة واستخدامها بفاعلية تصيب الأشخاص من متوسطي ​​الذكاء أو الأعلى ذكاءً، نتيجة لذلك، يبدو الاضطراب بمثابة فجوة بين المهارات المتوقعة والعمر والذكاء والأداء الأكاديمي، وبشكل عام يمكن أن تؤثر اضطرابات التعلم على قدرات الطفل في القراءة أو التعبير المكتوب أو الرياضيات أو المهارات غير اللفظية.

كيف يفسر العلم هذه العلاقة؟

تمثل صعوبات التعلم مثل عسر القراءة واضطراب نقص الانتباه أو فرط الحركة (ADHD) تحديات كبيرة للأطفال والآباء والمربين، خصوصًا في حالة الأطفال الموهوبين، يصبح مُحيِّرًا، فكيف لطفل يتمتع بقدرات عقليه فائقة في مهارات معينة، ويعجز عن تحقيق أي تقدم في مهارات قد تبدو أقل صعوبة بالنسبة لتفوقه في غيرها.

في الحقيقة يتعلق الأمر بأن هؤلاء الأطفال الموهوبين لديهم طريقة مختلفة في معالجة الأمور، يبدو أنها ناتجة عن اختلافات في وظائف الدماغ الأساسية للموهوبين عن الأشخاص العاديين. تم الكشف عن ذلك مؤخرًا من خلال دراسة، العلاقة بين صعوبات التعلم وطريقة التفكير، حيث تم تحديد شبكات عصبية محددة تُستَخدم بطرق مختلفة عادةً في الأفراد الذين يعانون من صعوبات في التعلم.

أين تكمن المشكلة؟

في بعض الأحيان، تطغى المشكلات الناتجة عن صعوبة التعلم على موهبة الطفل، خصوصًا في حالة وجود مشكلات سلوكية، كفرط الحركة ونقص الانتباه وعُسر القراءة، مما يخرج الطفل من دائرة الموهبة من الأساس، ويضعه تحت مسمى طفل متعثر دراسيًا أو محدود الذكاء، دون أن يعي أحد أن الأمر ما هو إلا مجرد اختلاف في الطريقة التي يعالج بها الدماغ المعلومات.


كيف يبدو الطفل الموهوب ذو صعوبات التعلم

تُصنَّف الأطفال الموهوبون ذوو صعوبات التعلم وفقًا لإنجازاتهم العالية، في أحد المجالات الفكرية أو الأكاديمية، إلا إن مع تقدمهم في السن تتزايد الفجوة بين الأداء المتوقع والأداء الفعلي، كأن يمتلك الطفل قدرات لفظية فائقة بينما يعانى من مشكلات في الإملاء أو الكتابة أو القراءة أو حتى بعض المشكلات السلوكية.

الحل الأمثل في زيادة وعي المعلمين والوالدين بحالة الطفل، وعدم مهاجمته عندما يطرح أفكارًا مختلفة

موهوب ولكن يفشل في إكمال المهام

الطفل الموهوب هو متعلم مستقل، يرغب في إتمام المهمة بالشكل الذي يراه مناسبًا له، وليس بالشكل المفروض عليه، فقد لا يستطيع الوفاء بجميع متطلبات المهمة، لأنه لا يرى الهدف منها، أو قد يتبع طرقًا مختلفة في التعامل مع الواجبات المدرسية، قد تختلف عن الطرق المعتادة والمتعارف عليها. كل هذا قد يؤدي إلى نتائج سيئة وتقييم سيئ لسلوك الطفل، خصوصًا في ظل غياب الوعي بطريقة التعامل معه كطفل متميز. يكمن الحل الأمثل في زيادة وعي المعلمين والوالدين بحالة الطفل، وعدم مهاجمته عندما يطرح أفكارًا مختلفة تؤدي إلى نفس النتيجة المرجوة.

غير ناضج عاطفيًا لا يثق بنفسه

على الرغم من أن الطفل الموهوب يتمتع بقدرات عقليه فائقة، فإنها قد تكون غير متوافقة مع تطوره ونضجه العاطفي، حيث يظهر حساسية شديدة لما يدور في محيطه الأسري والمدرسي والإجتماعي بشكل عام، الأمر الذي يجلب له الكثير من المشكلات. من الأفضل ألا ينتقد الأهل مشاعر الطفل ويحاولون مساعدته على تبسيط الأمور والتهوين عليه بدون مهاجمته، حتى لا تتحول انفعالاته الحادة إلى عائق في حياته الاجتماعية.

من 2: 5% من الأطفال الموهوبين يعانون من عسر القراءة

اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه

قد يعاني بعض الأطفال الموهوبين من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه “ADHD”، حيث يتمثل هذا الاضطراب في شكل اهتمام انتقائي من خلال تركيز الطفل على موضوعات محددة ذات أهمية خاصة له، مما يشكل عبئًا عليه عند متابعة فروضه المدرسية، فلا يستطيع التركيز بشكل كامل. من الأفضل تقسيم الفروض المدرسية إلى مهام صغيرة ومساعدته على إنجاز المهام التي يجد صعوبة في التركيز عليها، بإعادة الشرح والتبسيط وتقبل نسبة الخطأ حتى وإن تكرر.

عسر القراءة

تشير الدراسات إلى أنه من 2:5% من الأطفال الموهوبين يعانون من عسر القراءة، والذي يؤثر على مهارات القراءة والكتابة. يحدث عسر القراءة لدى الموهوبين بسبب الطريقة المختلفة التي يقوم بها الدماغ في معالجة اللغة، والتي تُسبب فيما بعد مشكلات في نطق الكلمات والإملاء، ويعتبر برنامج Read-type Read and Spell الذي اعتمدته جمعية عُسر القراءة البريطانية، أحد البرامج المستخدمة لمعالجة عسر القراءة واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، والعديد من صعوبات التعلم الأخرى.

طفل انطوائي

من الصعب على الطفل الموهوب تكوين صداقات في مثل عمره، فهو يميل إلى الوحدة أو إلى التفاعل مع من هم أكبر منه في العمر، بدلاً من أقرانه في نفس العمر. يمكن أن تساعد المدرسة بالتعاون مع الأهل في حل هذه المشكلة، عن طريق اقتراح موضوعات للطفل للتحدث فيها مع أصدقائه، وإشراكه في مجموعات للألعاب الجماعية.


اصنعوا النجوم.. لا تطفئوها

كآباء وأمهات ومعلمين يجب علينا أن ندرك أن طريقة تفكير أطفالنا المختلفة ليست بالضرورة عقبة أمام نجاحهم، بل من الممكن أن تكون هي مفتاح نجاحهم وتميزهم الحقيقي، لذلك لا بد من الانتباه إلى هواياتهم ومواهبهم الاستثنائية وعدم عقابهم على اختلافهم، وإلا تخيلوا كيف سيكون شكل العالم بدون أشخاص موهوبين كألبرت أينشتاين وإسحاق نيوتن وموتسارت وغيرهم.

المقالة السابقةناقة صالحة وراوية الأفلام: حين تفوق الرواية الأدب
المقالة القادمةعن جنة الكتب وجنون الكلمات
أمل طه
صحفية وكاتبة مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا