ناقة صالحة وراوية الأفلام: حين تفوق الرواية الأدب

1240

إذا كنت تعاني من الحشو وعدم اختصار الكتّاب في كتابة الروايات، هناك روايات تتمنى لو أطال الكاتب في الأحداث والتفاصيل والسرد.

ناقة صالحة

رواية ناقة صالحة للروائي الكويتي سعود السنعوسي، هذه رواية تدفعك لأن تقرأها مرة أخرى فور الانتهاء منها، بل وتدفعك للقيام في منتصف الليل لقراءة بعض المقاطع بعينها، إنها هذا النوع من الروايات التي لا تتركك حتى بعد أن تتركها. رواية أسطورية، يمكن تصنيفها كرواية تاريخية، أو كرواية اللغز، أو كموال شعبي، أو كديوان شعر طويل قافيته هي السرد الجميل المُنغّم.

تبدأ الرواية من النهاية، ويبدأ الفصل الثاني من نهاية أخرى، لقصة واحدة لكنها انتهت مرتين. بأسلوب يخطف الألباب يحكي الكاتب حكاية حقيقية مأخوذة من الواقع الإنساني المعاش في الزمن الماضي، موروث شعبي أضاف له الكاتب الكثير من الصراحة في توصيف النفس البشرية ودوافعها وشهواتها.

تحدث الرواية في زمنين بينهما أربعون عامًا، أغلب الأحداث في الزمن القديم، في عالم قلما تقرأ عنه، في الخليج قديمًا في باديته وصحرائه وقبائله. تدخل في قلب الحكاية بخفة ولهفة، ترى الشخوص وتسمعهم وتهتم بتفاصيلهم، دخيل بن الأسمر الشاعر الذي حُرم من أن يعرف قبر والده، يُحب ابنة عمّه صالحة، الحمامة الوحشية بين فواخت وادعة. يفرقهما آل مهروس ويحكمون عليها بالزواج من صالح.

يهرب دخيل للغرب وتبدأ الحرب التي تقلب أحداث الرواية، لتبدأ رواية أخرى، هي رحلة صالحة وناقتها وضحى وولديهما الرضيعين في الصحراء، وهي رواية من المتعة أن يصعب الحكي عنها لأنها يجب أن تُقرأ. استمتعت كثيرًا بالسرد البديع، بالحدوتة كما شعرتها، بطريقة الكاتب المحببة في تعريف القارئ على الهوية الكويتية بل والعربية.

رواية سالباتييرا

سالباتييرا للكاتب الأرجنتيني بيدرو مايرال، حيث تخطفك حضارة السامبا والفلامنكو والتانجو في لغة حيّة منسابة مثل النهر في لوحات البطل، وحسّية مثل الموسيقى اللاتينية تضج بالحياة والعنف والشهوة.

الأدب في رواية سالباتيرا ليس كلامًا أدبيًا منمقًا، لكنه ينبثق من الفكرة القوية، الخيال اللا نهائي، العاطفة المشبوبة، والتعبير الحسّي عن الجمال في كل تفصيلة. في إطار من الحيرة والمتعة تأخذك أحداث الرواية في رحلة للبحث عن الأجزاء المفقودة من حيواتنا، والتي لم نكن نعرف بوجودها من الأساس. رحلة للبحث عن ملامح أخرى لنا والتعرف على صورنا كما لم نرها من قبل.

تحكي الرواية عن سالباتييرّا الذي نجى من حادث خطير، تسبب له في فقد قدرته على الكلام، لكنه منحه خيالاً كبيرًا وقدرة هائله على رسم حياته بشكل يومي، على لفائف من القماش بلغ طولها 4 كيلومترات، بدون أي إطار أو تحديد، منسابة مثل النهر، بلغت ستين لفافة رسمها على مدار ستين عامًا، وفي جانب واقعي تحكي عن ولديه، اللذين يحكي أحدهما الأحداث بصوته الداخلي، واللذين قررا تعريف العالم بفن والدهما من خلال عرض اللوحات بمعارض فنّية، ومع اكتشاف فقدان اللفّافة الخاصة بعام 1961 يبدأ الأخوان في البحث عن الجزء المفقود من حياة والدهما وحياتهما، وتنجرف الأحداث لمناطق أخرى من الإثارة.

في رواية سالباتييرا، اللوحات تعبِّر وتحكي أكثر من الأشخاص، الخطوط والألوان والرسومات هي التي تقودك للحكاية، تعرّفك على ثقافة جديدة ما بين الأمريكية الهندية والإفريقية، تعرّفك على أشياء ممتعة وتجارب مختلفة، مثل صناعة أقمشة اللوحات وفرشاة الرسم من جلود وشعر الحيوانات، عصابات تهريب الشراب وصيادو نهر الأرجواي.

كان سالباتييرّا يرسم بلا أُطُر جانبية، ويستطيع خلق استمرارية بين المشاهد. كان ذلك هو الهاجس المسيطر عليه. أراد أن يرصد في لوحته انسيابية النهر، انسيابية الأحلام، كيف تُحوّل الأشياء إلى أحلام، بكل طبيعية من دون أن يبدو التغيير سخيفًا، بل حتميًا، وكأنه عثر على ذلك التحول العنيف الذي يتوارى داخل كل الكائنات، كل الأشياء، كل المواقف.

قارئة الأفلام

قارئة الأفلام للكاتب التشيلي إيرنان ربييرا، رواية تلمس شغاف القلب، مفعمة بالصدق والمرح والتعاسة في آن، رواية مثل حلم أو فيلم أو قطعة موسيقى في الخلفية. تستطيع أن تستمتع بكل ثانية أثناء قراءة هذه الرواية البسيطة الساحرة، التي تحمل عالمًا بين بداية شيقة ونهاية مؤثرة.

تدور الرواية حول فتاة لها أربعة أشقاء يقيمون مع والدهم بعد هروب أمهم. عائلة فقيرة تعيش بمعسكر بالقرب من منجم لملح البارود في منطقة البامبا بتشيلي، اكتشفت أسرتها موهبتها وقدرتها على رواية الأفلام، المهنة التي يصعب تخيلها، طفلة تقوم برواية الأفلام لعائلتها لعجزهم عن زيارة السينما مع بعضهم، ولأن الأب مُقعَد ومفتون بالأفلام. ثم تتحول لراوية للحي ومن ثم لمدينتها، لتتحول تلك الموهبة إلى مهنة. حتى أن الحضور أصبح يفضل روايتها للأفلام عن الأفلام ذاتها. فحازت على لقب راوية الأفلام.

بدأت المأساة بظهور التليفزيون، ثم توالت المآسي التي تحاوط فتاة يافعة موهوبة بين الفقر والعوز. الرواية على لسان راوية الأفلام ذاتها فبدت كأنها تقوم برواية فيلم من الواقع وليس من الشاشات. فتاة تمتلك عالمًا مليئًا بالأحلام والخيال، بداخلها عالم ساحر من المشاهد والصور والأغاني، ولكنها محاطة بواقع فقير وعالم قاسٍ قضى على طفولتها وأخذ منها كل من تحب إلا خيالها.
اللغة بسيطة وسلسلة. القصة حادة ومؤلمة بقدر ما هي جميلة وعاطفية. “إننا مصنوعون من مادة الأفلام نفسها”.

المقالة السابقةاحكِ للذي يريد أن يسمعك
المقالة القادمةلماذا يتعثر الموهوبون دراسيًا؟

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا