6 نصائح للسفر بأولادك مع أصحابك

1463

لم يكن هذا العام هو الأفضل بالنسبة لي، فخلاله مررت بنوبات اكتئاب وغضب، وهو ما دفعني بوقتٍ سابق لاختبار تجربة السفر وحدي لعدة أيام. تركت خلفي ابنتي بصحبة زوجي، دون أن أستسلم للهلع حول إذا ما كانا سيتمكنان من ممارسة الحياة دوني حتى أعود أم لا، تركتهما لأنني أنا نفسي كنت بحاجة للنجاة.

وإحقاقًا للحق.. استمتعت بتلك التجربة للغاية، شاركتني إياها “آيات جودت”، صديقتي المُقربة، التي قررت هي الأخرى الهروب من جحيم المدينة الصاخب ومشقَّات الأمومة والذهاب إلى الإسكندرية. تلك البلدة التي تنتمي لها روحانا، ونتيجة لاستمتاعنا معًا اتخذنا قرارًا بالسفر معًا من جديد، لكن بصُحبة ابنتينا هذه المرة.

 

1. الرفيق قبل الطريق

بالنسبة لكلتينا كانت تلك هي المرة الأولى التي نسافر فيها بالبنات دون زوج أو أهل، وهو ما كان يدعو للتوتر لأكثر من سبب، أكبرها خوفنا ألا نستطيع السيطرة على البنات أو أن نتفرّغ لحل النزاعات بينهما بدلاً عن الاستمتاع. إلا أن وجود كل منا مع الأخرى خفَّف من حدة الموقف، وجعلنا نطمئن لأن أي صعب سيهون، وأننا سننجح بتحويل أي ذكريات بائسة إلى “قَفَشات وإيفيهات”. خصوصًا أننا نوقِن بكوننا سنقدم الدعم بعضنا لبعض، دون تفكير أو شعور بالتَفَضُّل، ذلك لأننا نعلم جيدًا حجم ما تُلقيه الأمومة على كاهلنا، وكم نحن بحاجة للتخفّف من أي عبء ليس له لزوم.

اختياري لـ”آيات” لم يعتمد فقط على علاقتي بها، بل على كون ابنتينا بالعمر نفسه تقريبًا، وهو ما يضمن لهما صُحبة ممتعة ومجالاً مُشتركًا للحَكي واللعب والتفاهم، مما يَعني أنهما سوف تقضيان أوقاتهما معًا، وهو ما سيمنحنا بدوره نحن الكبار فرصة لالتقاط الأنفاس دونهما بين حينٍ وآخر.

 

2. فن اختيار المكان

في البداية وقع اختيارنا على الإسكندرية، فمن جهة هي قريبة، ومن أخرى نعرف معالمها ونُحبها، وجَوَّها جميل بهذا الوقت من العام. لكننا، سرعان ما تراجعنا، لأننا وجدنا المدينة لن تتناسب مع طفلتين بالسادسة من عمرهما وفكرة الترفيه عنهما، إذ لن يكون أمامنا سوى الذهاب إلى البحر نهارًا والذهاب إلى الكافيهات ليلاً.

ولأن بحر الإسكندرية ليس أفضل شيء بسبب الزحام الصيفي المُتوقَّع، ولأننا في “الهاي سيزون”، ما يعني أن أي فندق يحتوي على بيسين سيُكلفنا مبلغًا وقدره؛ قررنا تغيير وَجهتنا. ففكَّرنا في مطروح لنستفيد من جوها الجميل وشواطئها الخلّابة، لكننا تذكرنا أننا دون سيارة والمسافات متباعدة بين الشواطئ، مما سيستلزم ميزانية خاصة للتاكسيات، فأجهضنا تلك الخطة أيضًا.

أما العين السُخنة فلم نضعها بالحُسبان، لأننا وجدناها مُكلِّفة وسنُصاب فيها بالزهق، ومن بين شرم الشيخ والغردقة ودهب وطابا ومرسى علم اخترنا الغردقة، فهي الأقرب ولن نتكبَّد لأجلها الوقوف في النفق، بالإضافة إلى أن جَوَّها أفضل من البقية. هكذا حددنا ميزانيتنا، وبدأنا البحث عن فندق مناسب بـ”أكوا بارك” و”كيدز إريا” ممتعة، لضمان ألا تشعر الطفلتان بالملل، و”فُل بورد” و”فيو” كي “نُأنتِخ” نحن وننسى الماضي اللي يغيظ.

 

3. خليكي فِريش إنتي في رحلة

الإجازة ليست الوقت المناسب لإعادة تربية الأبناء من أول وجديد، بصفتي امرأة مهووسة بالتفاصيل ومريضة بفكرة الكَمَال، أعلم كيف يمكن أن يكون غَض البصر عن التصرفات السخيفة والسلوكيات المُستفزة صعبًا، خصوصًا حين تحدث أمام آخرين. وهنا من جديد تأتي أهمية اختيار الرفيق، فمن الضروري أن تكون الصُحبة مُريحة، لا تحتاجين للتَكَلُّف أمامها أو الخوف من الحُكم والوَصم.

هكذا ومن خلال التجربة تعلَمت أن التوجيه السَلِس مُحبَّب في السفر، لا داعي للعقاب أو التحدي مع العيال، فهم على صغرهم أذكياء وقادرين على إفحام الأهل. وبالتالي يجب التفرقة بين ما يُمكن التغاضي عنه وما لا يُمكن تجاهله، ذلك لأننا جميعًا صغارًا وكبارًا نحتاج للترفيه والابتعاد قدر الإمكان عن الإزعاج، ومما لا شك فيه أن فقرة الأوامر والانتقادات طوال الوقت مزعجة لكل الأعمار.

لذا إذا كنتِ شخصية جادة مثلي، سيكون من الأفضل لكِ متى وجدتِ طفلك لم ينتهِ من طعامه، أو رفض طاعتك في مكان عام، أو فعل أي شيء قد يستفزك لأي سبب، قومي بالعَد من واحد لعشرة قبل النُطق بأي شيء، عساكي لا تنفجرين. أقول ذلك بينما أعترف أنني امرأة لا تكظم الغيط، وأنني من بين كل ثلاث مرات انفجار قد أتمكن من التحكُّم بنفسي مرة واحدة، لكن الأكيد، أنه كُلما كثرت اللا مبالاة كانت الأجازة أكثر انسيابية.

 

4. السعادة ووهم المثالية اللعين

الكِبار كذبوا علينا وخدعونا، أو رُبما كانوا هم أنفسهم مخدوعين حين زرعوا بنا “وَهم المثالية”، فصِرنا طوال الوقت نُطارد سرابًا، فنشعر بالتعاسة متى لم نصل إليه، مع إحساس مرير بالذنب لأننا خيَّبنا أمل الكبار أو أمل أنفسنا بأنفسنا. التجربة الكاملة مَحض خيال، لذا سوف يصبح من اللطيف تَقَبُّل أي مفاجآت لم تكن بالحسبان، بل والسخرية منها إن أمكن، هذا ما قررت فِعله كي لا أُفسد الرحلة التي انتظرتها طويلاً وحاربت لأجلها مرارًا.

فمثلاً: حين تأخر الأتوبيس ساعة عن الانطلاق أثناء الذهاب، وحين تعطَّل التكييف أثناء الرجوع والمشوار طويل والجو نار.. قلت لنفسي لا بأس. تحمَّصت بشرتي واحترقت وقشَّرت فواظبت -بعد العودة- على وضع الكريمات حتى تحسنت قدر الإمكان، ليننتهي الأمر ولا يبقى بذاكرتي سوى تعليق صديقتي “اتحرقت بس بطاطا”. كما تشاجرت الطفلتان مرارًا، وكانتا يوميًا يختلفان على “مين اللي هينام جنب الحيطة” أو “مين اللي هيساعد آيات الأول”، لكنهما بالوقت نفسه ارتبطا ببعضهما بعض بشكل حميمي لم  يحدث من قبل، حتى أنهما حاليًا يُخططان لسفريتهما القادمة معًا وكيف سيقضيان وقتهما سويًا.

 

5. القلق الكذّاب

أحد الهواجس الكثيرة التي قد تأتي إلى ذهن أي أم على وشك السفر بطفلها وحدها، أو حتى قد تراود الزوج نفسه، هو ماذا سيحدث إذا وقع مكروه ما، هل ستستطيع التصرُّف وحدها؟ صدقًا.. غالبية الأمهات تُواجهن الحياة فرادى مُعظم الوقت، سواء لانشغال الزوج بالعمل أو لكونه غير مُتعاون بالأساس، يفعلن كل شيء بداية من الزيارات الاجتماعية ومشاوير الدكاترة والتمارين والشوبينج والسهر بالأبناء المرضي لوش الصبح وخلافه، فما الداعي للهلع؟!

نحن معشر الأمهات اختبرنا بالفعل كل شيء تقريبًا، وتعاملنا معه مرّات عديدة، وعلى مستوى التجربة الشخصية، في اليوم الثاني من رحلتي القصيرة للغردقة أُصيبت ابنتي بألمٍ ما، اضطرني للبحث عن صيدلية وإيجاد دواء مُناسب. لم أجزع ولم أفزع، والأهم أنني لم أُشعِر نفسي بالذنب، لأن الحوادث تحدث سواء في وجود الآباء أم لا.

 

6. التجربة خيرٌ وأبقى

طوال حياتي لم يوافق والدي أبدًا على السفر بأي رحلات، سواء مع الأصدقاء أو المدرسة، كبرت وأصبحت أمًا وما زال الأمر بمثابة غصَّة عالقة بقلبي. لذا مُخطئ من يظن أن هذه الرحلة تحمَّست لها الطفلتان فقط، فنحن الأمهات أيضًا ذهبنا بقلوب تغمرها الزأططة ويملؤها الشغف والشوق لرؤية العالم وحدنا، دون سُلطة أو حماية.

كنا نتشوَّق لإطلاق الضحكات في الفراغ والسهر لوقتٍ متأخر، ومع أن هذا الأخير لم يتحقق، لكننا استمتعنا بالصُحبة وخلقنا ذكريات جديدة كُنا بأمَسِّ الحاجة إليها. هكذا فعل الصغار، لنختبر جميعنا تجربة فارقة وحميمية، لا تُشبه أبدًا السفر مع الأهل أو الأزواج، حتى ولو كان إلى الأماكن نفسها. ولا تُشبه هنا لا تَعني أنها أفضل، لأن الحالتين مُختلفتان، الأمر أقرب لمحاولة المقارنة بين البطيخ والمانجة، كلاهما رائع لكن ليس علينا الاكتفاء بأحدهما دون آخر.


أنا فعلتها.. إذًا أنتن أيضًا تستطعن

انطلاقًا من كل ما سبق، ولأنني أريد كل الأمهات “مباسيط زيي”، أنصحكن بألا تخشين التجربة ولا تُكتِّفن أنفسكن، العالم مكان رَحب؛ اسمحن لأنفسكن باستكشافه بكل الطرق الممكنة. فالتجربة لن تقتل صاحبها وإن فشلت، لكن عدم خوضها والاستسلام لسؤال “ماذا لو؟!” هو الذي قد يُميت صاحبه كمدًا.. فلا تستسلمن للموت أو تتعجلنه.

والأهم.. كُنّ على يقين من أن السعادة والاستمتاع غير مقرونين بالأهل والزوج والأبناء فقط، هناك سُبل وعلاقات أخرى بالحياة، من شأنها أن تمنحكنّ شعورًا بالخفَّة والتحرر من ثِقل المسؤوليات المُعتادة، فاسعين للتجربة، ليس فقط لأنكن بحاجة إليها، ولكن لأنكن تستحقونها عن جدارة.

المقالة السابقةإجازة صيف وأشياء أخرى
المقالة القادمةلماذا أكتب؟!
ياسمين عادل
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا