إجازة صيف وأشياء أخرى

1199

بقلم/ دينا خالد

للزمن رأي في كل شيءٍ تقوم به وللعمر بصمة على كل تصرفاتك وآرائك وما تحب وما تكره وعن أسباب راحتك وأسباب قلقك، ولكنها بصمة متغيرة تتبدل بالتجارب والخبرات والمهام المطلوبة والأحلام المؤجلة تتغير بفعل النضج والزمن.

الآن أنا كائن شتوى بامتياز، أعشق ملابس الشتاء بألوانها الداكنة وأحذية الشتاء القيمة وتتغذى روحي على مشروب دافئ وصوت المطر في الخلفية، أحب ممارستي لفعل “الكلفتة” على السرير مرتدية جوربًا أو أكثر ليحمي قدمي من البرودة وأنا أقرأ قصصًا قصيرة. الشتاء بالنسبة لي هو القدرة أكثر على الكتابة  نظرًا لمكوثي في البيت فترة أطول والاجتماع مع العائلة لساعات تشاركنا فيها الأكلات الساخنة ومشاهدة الأفلام الجديدة المؤجل رؤيتها طوال الصيف.

أما في صغري كان للأمر أبعاد أخرى، فالطفولة بقواعدها البسيطة الأكثر بهجة لا يهمها ما يشغلني الآن من تحقيق إنجاز شخصي قبل الوصول للثلاثين.

“أجااااااااازة”.. هكذا كنت أدونها في نهاية جدول الامتحانات السنوي، كان لهذه الكلمة سحر في قلبي فسيأتي موعد الشاغل الأكبر فيه هو اللعب، وستسمح لي أمي بالسهر ساعتين أو ثلاث أكثر من أيام الدراسة.

كان لفصل الصيف أصوات مميزة ما زالت مخزنة في الذاكرة. يبدأ فصل الصيف منذ عودتي من آخر امتحان لأتناول الغداء بسرعة ثم نفِر جميعًا للعب بالشارع.. نعم عزيزي القارئ أنا ممن قضوا معظم طفولتهم يلعبون في الشارع أمام بيوتهم فلم تكن في مدينتي الزراعية ذات الطابع الريفي أي نوادٍ، ساعدني على ذلك أن أبناء الجيران كلهم في نفس عمري تقريبًا عدة سنوات لا تتجاوز الخمس كانت الفارق بين أعمارنا جميعًا. فجأة يمتلئ الشارع بأطفال يغنون ويلعبون ويتشاجرون ويحكون الحواديت وبعض حكاوى الكبار.

يأتي ليل الصيف بحكاوٍ أخرى فتسهر أمي مع نساء الجيران بالتبادل في مساكنهن البسيطة يتبادلن الحكي والشاي ويساعد بعضهن بعض في تنقية الأرز وحياكة الملابس الجديدة، وتعلم إحداهن الأخريات طريقة جديدة لصنع إحدى الحلوى، بينما أطفال كل عمارة يلعبون على سلم العمارة ويمثلون المسرحيات ملتزمين ألا يخرجن للشارع في الليل والرجال جميعًا على المقاهي يشاهدون مباريات كرة القدم ويلعبون الطاولة. كان الشارع بأكمله مستيقظًا إلى منتصف الليل تقريبًا.

الصيف هو الأفراح التي تسمح لنا أمي بالذهاب إليها والبقاء لنهاية الفرح، وهو الآيس كريم الذي نتمكن من أكله وفرحة أمي عندما نأتي لها بأكواب الآيس كريم فارغة لتتمكن من وضع ماء بها وتركه في الفريزر ليتجمد لتصبح قوالب ثلج تمكنها من صنع عصير ليمون بارد، عندما يأتي أحد لزيارتنا وهو الماء البارد الموضوع في الأواني الفخارية “القلل” الذي يرطب البدن ولا يسبب التهاب الحلق بعكس ماء الثلاجة.

الصيف بالنسبة لي كان فيلم الزواج على الطريقة الحديثة لسعاد حسني والذي كان يتم بثه على التليفزيون المصري في كل إجازة وغنائي معها “خدنا أجازة خدنا أجازة والأجازات أيام ممتازة خدنا أجازة بتمتعنا وتريحنا من هؤلاء وتلك وهذا خدنا أجازة”. وهو السهر في بيت خالي “بيت العيلة” ولعب الكوتشينة مع بنات خالي.

الصيف هو زيارة الإسكندرية الجميلة ورائحة البحر وأصوات أمواجه وركوب القطار والنداء المميز للبائع المتجول بصوته الأجش والذي يبيع “توك” للشعر تشتري منه أمي دائمًا ما يناسبني.

 

الصيف  كان ملائمًا أكثر لطفلة همها الفوز في بنك الحظ وشراء العقد الخزفية من البائعين بالشاطئ وأكبر نزهة لها هو الذهاب لإحدى الحدائق العامة.

 

 

المقالة السابقةكتالوج الفتاة الوحيدة للعلاقات السعيدة
المقالة القادمة6 نصائح للسفر بأولادك مع أصحابك
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا