أهمية اللعب عند الطفل: كيف تصنع مفهوم الجمال منذ الصغر؟

1258

للتو نامت الصغيرة. إصابتها بالبرد الشديد جعلتني المسؤولة اليوم عن لمِّ ألعابها في الصندوق، عرائس ومكعبات وأوراق وأقلام وبعض أواني الطبخ وسلسلة مفاتيح وعربات وحيوانات بلاستيكية. كل لعبة لها هدف وذكرى وأنا أشتريها معها، بداية من الألعاب التي اشتريتها لها وعمرها بضعة أشهر إلى الألعاب التي اختارتها بنفسها، وإصرارها على صناعة ألعاب من نسج خيالها، كأن تلم السجاد لتجعل منه “زحليقة” تركب عليها. أنا من أنصار أن البيت ملك للصغيرة مثلي تمامًا، بالطبع يجب وضع قواعد والمحافظة على سلامتها ووضعها في المقام الأول، لكني أعترف أن لعب الصغيرة -إن توافرت شروط السلامة- متروك لها بالكلية فعل ما تشاء، ببساطة لأنني بالبحث البسيط عرفت أهمية اللعب عند الطفل وكيف يمكن التأثير على الطفل به، وكيف يمكن لعب الأطفال أن ترسخ معاني كثيرة للطفل دون حتى أن نلاحظها نحن الكبار.

أهمية اللعب عن الأطفال

إذا كانت حياتك مليئة بالعمل والأصدقاء والأهل والأحباء والزوج والبيت، فحياة طفلك لا يوجد بها سوى اللعب ومحاولة تكوين حصيلة حياتية يعتمد عليها طوال عمره، اللعب بالنسبة للطفل هو العمل، لذا يرى علماء التربية أن مسؤولية الطفل في سنين عمره السبع الأولى هي اللعب فقط، وينصح الباحثون باستخدام اللعب كوسيلة للتربية، فهي الوسيلة المحببة للطفل والأكثر قدرة على جذب انتباهه.

كيف أختار لعب طفلي؟

أهمية الألعاب هي قدرتها على تعزيز مفاهيم الطفل وقناعاته التي تكون شخصيته، فإن لعب الطفل مع قرنائه ستعزز بداخله مفاهيم مثل التعاون، الملكية، الحدود، اتخاذ القرار وتمكنه أيضًا من تعزيز قواه العقلية والعضلية، لكن السؤال الذي كان يحيرني كأم في الأساس على أي أساس اختار لعب ابنتي؟ ما الرسائل التي تصلها من اختيار عروسة معينة أو لعبة محددة؟

مفهوم الجمال في المجتمع

مفهوم الجمال في المجتمع العربي عمومًا مرتبط بالأنثى أكثر من ارتباطه بالذكر، ولكن بالطبع الذكر لم ينجُ، فالمجتمع العربي صاحب البشرة الخمرية في الأغلب الأعم وضع معايير لجمال الأنثى هي اللون الفاتح للبشرة، الجسم الممشوق، الشعر الناعم، وأحيانًا العين فاتحة اللون. ووضع أيضًا معايير لشكل جسم الرجل وهو الرجل الطويل عريض البنية صاحب العضلات. إلى هنا يمكن القول إن تلك التصنيفات تخص كبار السن والاعتقاد بأن تلك الصفات يلاحظها الكبار دون الأطفال، لكن يؤسفني أن أخبرك أن الواقع غير ذلك. صحيح أن الأطفال قد لا يعبرون بالكلام الواضح، ولكن ترسيخ مقاييس الجمال عندهم موجود من صنع يدينا دون أن ندري.

مفهوم الجمال في لعب الأطفال

هل تعرف “باربي” العروسة الأشهر بين كل العرائس والتي تمتلكها تقريبًا كل البنات؟ عروسة فاتحة البشرة بشعر فاتح مفرود وجسم ممشوق، قد ترى أن ذلك نوع من البشر موجود حولنا ولا داعي لإنكاره أو إقصائه؟ لذا فدعني أسألك بوضوح، هل رأيت يومًا عروسة سمراء البشرة؟ عروسة شعرها مجعد؟ عروسة سمينة؟ هل رأيت لعبة مجسم ذكر بدون عضلات؟ هل رأيت عروسة بأنف كبيرة أو أسنان غير متناسقة أو فم واسع كبير أو عينين ضيقتين؟ نحن هنا لا نحلم بما هو أبعد فأسألك، هل وجدت عروسة بشكل وجه أبنائنا من أصحاب متلازمة داون؟ هل وجدت سبايدر مان بقدم واحدة؟ هل رأيت أي مجسم بعين واحدة أو مغلق العينين تمامًا؟ هل رأيت عروسة على كرسي متحرك؟

قد يعتقد القارئ أننا يجب أن نتجنب تلك النماذج، لما بها من أوجاع، فبالنهاية الأطفال يودون اللعب دون التعرض للمآسي، لكن برأيي الشخصي يجب وضع الصحة النفسية للطفل في المقام الأول، لكن وجود النماذج المختلفة يعزز قيمة الاختلاف، فيتعامل مع المختلفين عنه في الشكل بطريقة عادية، كما أننا -برأيي الشخصي أيضًا- يجب أن نضع الصحة النفسية للأطفال المختلفين في المقام الأول، ونجنبهم نظرات الاستغراب من أقرانهم الصغار.

أثر الأفكار النمطية للجمال في لعب الأطفال عليهم

كنت في زيارة مع ابنتي لطبيبتها وكان عمرها عامًا ونصف، موجود بالعيادة طفل جميل مولود بشفة أرنبية، ابنتي الوحيدة التي كانت تلعب معه في انتظار معاد دخولنا، لأنها ببساطة كانت الأصغر من بين الأطفال الموجودين. تلك هي الفكرة تحديدًا، الطفل مولود صفحة بيضاء، فطري، لا يعرف الفروق ولا يلقي لها بالًا، ثم يأتي كلام الأم وتلميح الجد وتدخلات الشاشات ومناقشات الأب والألعاب، لتحدد له الطبيعي والمقبول والجميل والقبيح.

الألعاب التي تعتبر الوسيلة الأهم في تعليم الطفل ومعرفته بالحياة، تضع للطفل قالبًا واحدًا وتجعله هو المقبول والمفضل، وما عداه هو الغريب المستنكر.


أهمية اختلاف الجمال في لعب الأطفال

المحافظة على ثقة الطفل بنفسه

الكل يسعى للجمال، لا أحد يحب القبح أو يريد أن يكون قبيحًا، فالطفل الذي يلعب بلعبة لا يجد في مقومات شكله أي رابط بينه وبين تلك اللعبة، سيجد نفسه في موضع تساؤل “هل أنا جميل؟”، وتلك نقطة لا يستهان بها على الإطلاق، وعلى تأثيرها المباشر وغير المباشر على مستقبل الطفل.

عدم السعي للكمال

اقتناع الطفل بوجود أنماط مختلفة من البشر سيعزز عنده تقبل شكله والرضا عنه، وسيحفظه من الانجراف مستقبلًا للحصول عل شكل مثالي بأي وسيلة.

تقبل الآخر

العالم بالأساس مليء بالمشاحنات، بداية من الحروب والأوبئة إلى مشكلات البيوت، كل هذا يؤثر على نفسية الأطفال، فكيف الحال إذا زادت الأعباء لدى أطفال ينظر إليهم الجميع شذرًا.

ما يجب أن تكون عليه لعب الأطفال

عالم لعب الأطفال ليس بشيء هين، واختيار الألعاب له دور أساسي في تنشئة الطفل بشكل سوي نفسيًا، كما أن له دورًا فعالًا في تكوين الروابط الإنسانية بين الأطفال، لذا فيجب تقديم أنماط مختلفة للأطفال حتى نمكنهم من التعامل وتقبل البشر.

عرائس الأطفال مثلاً يجب أن تقدم أشكالاً مختلفة، كمرضى البهاق، والعرائس ذات الشعر المجعد أو العرائس السمينة، أو عرائس بشكل وجه كأصحاب متلازمة داون أو المتلازمات المختلفة التي تؤدي إلى اختلاف في بنية الجسم أو شكل الوجه. مجسمات الأولاد تقدم الرجل صغير البنية أو الرجل بيد واحدة أو ضعيف الحركة. يجب أن تمثل ألعاب الأطفال عالمًا حقيقيًا يعكس العالم الواقعي، حتى يتمكن الأطفال من تقبل كل تلك الأنماط برحابة، ويعتادون رؤية الجمال في كل شخص.

المقالة السابقةعندما قالت لي ابنتي لا
المقالة القادمةالتناقض والاستقرار النفسي: باب النجار مخلع

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا