علمني شكرًا 2

592

في الآونة الأخيرة بدأ بعض الناس يتوجهون إلى حلول بديلة عن التعليم النظامي، تخوفًا من طريقة التعليم العقيم، الذي يحرم الأطفال من تنمية قدراتهم ومواهبهم الدفينة.. والتي تظهر آثارها بشكل واضح جدًا في الثانوية العامة، عندما لا يعرف الطالب في أي طريق يسير.. الأدبي أم العلمي؟ وإذا دخل العلمي فأيهم يتخصص؟ في العلوم أم الرياضيات؟

ثم تبدأ مرحلة البلاهة في انتظار المجموع العام في المرحلة الأولى من الثانوية (2 ث) ومن الأقوال المأثورة: “لو فوق 97% ممكن يكمل علمي علوم، ولو أقل لا خلاص بقى يحول علمي رياضة.. أو أدبي، ولو أدبي خلاص بقى ربنا يتولاه برحمته، أصله كده كده فاشل ولو جاب أي حاجة هيدخل آداب ولا تربية ولا أي حاجة.. مش فارقة ما هو أدبي”.

كان لديّ طالب في الصف الخامس الابتدائي بدأت تظهر عليه علامات حبه للغة الأجنبية والترجمة.. وظهر ذلك في مقدرته على النطق والقراءة بشكل جيد جدًا عن بقية أقرانه.. ورغم أنه ليس بتخصصي ولكني شعرت بمسؤوليتي تجاه تنمية قدراته، فأعطيته الفرصة لترجمة أغاني بالعربية أو العكس أو مقال بالإنجليزية يترجمه للعربية.. وكان مستمتعًا جدًا بذلك.. وبدأت أُفهمه أن مستقبل الترجمة عظيم وأن كلية الألسن ستنمي عنده هذه المقدرة، وأفهمته أنه عندما يكبر ربما تتغير ميوله ويصبح له هدف آخر.. والمهم أن يفعل ما يحب. والغريب أنه استوعب كل ما قلته له جيدًا.

بالطبع شعرت الأم بتأثيري فجاءت المدرسة متحفّزة ضدي لأنها تريد ابنها طبيبًا كأبيه.. أخبرتها ربما كان ذلك واردًا لو كان ابنك لا يترك المعمل ليأتي إليّ طالبًا المزيد ليترجمه، لولا أني أخبرته أن ذلك لن يتم إلا في أوقات الفراغ لترك التعليم بأكمله ليترجم. ما أردت قوله هو أن المناهج لا تراعي الفروق الفردية بين الطلاب، ولا تراعي ميولهم واتجاهاتهم المختلفة.

فما الحل؟

أحد الحلول التي طرحت نفسها مؤخرًا في مجتمعاتنا هي التعليم المنزلي.. فما هو؟

التعليم المنزلي هو نمط تربوي بديل للتعليم الرسمي، يتراوح عمر الطالب ما بين 5 : 17 عامًا، يتلقى تعليمه في المنزل دون الذهاب إلى المدارس العامة أو الخاصة أو الدينية، قد يشترك الطالب جزئيًا في المدارس العامة أو الخاصة بمدة لا تتجاوز 25 ساعة أسبوعيًا، المعلم هو أحد الأبوين أو كلاهما أو أولياء الأمور أو الأقارب أو أحد الإخوة، وربما المدرسون الخصوصيون. تتعدد مصادر التعليم ما بين الكتب والمتاحف، ورحلات، والمكتبات، والأندية، والإنترنت، والمسابقات وغيرها.

ظهر التعليم المنزلي ضمن صيغ متعددة للتعليم، نتيجة للتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات في هذا القرن، وأصبح التعليم بالمنزل تعليمًا شعبيًا، وفكرة تمثل نمطًا تربويًا في كثير من الدول المتقدمة. ففي الخمسينيات من القرن الماضي، ظهر التعليم المنزلي في الولايات المتحدة الأمريكية، كنموذج لنظام تعليمي جديد، بديلًا للتعليم التقليدي، وذلك لعدم الرضا عن المدارس الإلزامية.

وتعد ليبيا هي أول دولة عربية تعتمد التعليم المنزلي منذ عام 1989.

أما عن الفئات المرشحة للتعليم المنزلي فيقع في مقدمتها ذوو الاحتياجات الخاصة، أو الموهوبون المتفوقون الذين تفوق قدراتهم الطلاب العاديين. أو الأسر التي تتبنى نظرة فلسفية أو أخلاقية معينة تتمنى أن ينشأ أولادهم عليها ويحول اختلاطهم في المدارس دون ذلك، أو بمعنى آخر تغرس المدرسة فيهم قيمًا مضادة لتفكير الأسرة.. فهنا يحق للأسرة اختيار الأنسب ولو من باب حقوق الإنسان والحريات.

ومن أمثلة الطرق التي يتم بها التعليم المنزلي:

المونتسوري*:

نسبة إلى ماريا مونتيسوري التي تقول: اكتشفت أن التعليم ليس مسؤولية المعلمة لكنه عملية طبيعية تتطور تلقائيًا في الإنسان، والتعلم عبارة عن مجموعة من الخبرات التي يصادفها في بيئته”، فالطفل يستوعب الكثير من الأمور من خلال الاستيعاب الحسي لمحيطه، بحيث يشكل الطفل نفسه وشخصيته وينمّي عقله وذاكرته وقدرته على الفهم والتفكير في الانطباعات التي اكتسبها من بيئته.

فهو طريقة للتعليم الذاتي وخصوصًا السن الصغير من 4 :7 ويمكن شراء أدواته من مكتبات سمير وعلي والفجالة وشارع الأزهر بأسعار مناسبة. وهناك جمعيات تعتمد هذا النوع من التعليم كجمعية ألوان وأوتار بالمقطم.

التعليم عن طريق الإنترنت:

وفيه مناهج معدة جيدًا في كل المجالات حسب رغبة الطالب.. ويمكنكم إلقاء نظرة على هذا الموقع كنموذج لهذه المناهج.

https://www.khanacademy.org/welcome

http://www.time4learning.com/

التعليم الديني:

يمكن الاهتمام به من خلال مؤسسات، كدار العماد بالمقطم.. أو دورات شيخ العمود في الفقه والشريعة والتي تقام في جامعة الأزهر.

https://www.facebook.com/Darelemad

https://www.facebook.com/sheikhalamoud

كما أن الكنائس.. تقوم بدور هام من خلال تقديم دورات تدريبية متنوعة، منها للصحة النفسية وقد حضرت إحداها في الكنيسة الأسقفية بمصر الجديدة، والتي يقدمها مركز بذور تحت إشراف أ. إميل لبيب.

زيارات ميدانية:

كمركز الطفل للحضارة والإبداع بمصر الجديدة.. وحي الزبالين، لمعرفة كيفية تدوير المخلفات ومصنع الزجاج المنفوخ بالدقي، ومزرعة سيكم ومركز الوادي للعلوم البيئية ومحمية وادي دجلة، والتجول في شوارع القاهرة القديمة والتعرف على الآثار في شارع المعز.. وغيرها الكثير من الأماكن.

في النهاية هذه مجرد لمحات صغيرة عن مفهوم التعليم المنزلي ومنفذ لمناقشة أهم مميزاته وعيوبه، والتي نتناولها في المقال القادم بإذن الله.

ـــــــــــــــــــــ

* يمكنك الرجوع لمقال 9 أسس لطريقة مونتيسوري لهدى الرافعي.

المقالة السابقةإزاي تخليك في حالك؟
المقالة القادمةأصل أنا مش عاملة ريجيم

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا