هوس التمارين الرياضية: هكذا يصنع الآباء أبطالاً من ورق

3144

يسعى الكثير من الآباء والأمهات إلى الوصول للنموذج المثالي في تربية أبنائهم، فيدفعون بهم للتفوق في شتى مجالات الحياة المختلفة، رغبة شديدة فى إكسابهم أكثر من لغة، وأكثر من مهارة، دون التحقق من رغبة الأطفال الحقيقية. ولعل الرياضة من أكثر الأمثلة البارزة على ذلك الهوس الذي يعيشه بعض الأهل. فهناك العديد من الفوائد العظيمة التي يمكن أن تحققها الرياضة للأطفال، لكن تجاهل رغبتهم الحقيقية وإجبارهم على ممارسة رياضة بعينها يؤثر بشكل سلبى على علاقتهم بآبائهم ونموهم العاطفي.

 

كيف تتحول الرياضة إلى أداة ندمر بها أطفالنا؟

كشفت دراسة أن الرياضة تشكل مخاطر مختلفة على الأطفال تتنافى مع فطرتهم. ولكن كيف يحدث ذلك؟

فى العام 2017 عمل مجموعة من الباحثين التابعين لجامعة ويليام باترسون على دراسة عن آثار المشاركة الرياضية المبكرة على عينة مختلفة من طلاب الجامعة، حيث أشارت النتائج إلى أن المشاركة الرياضية المبكرة تلعب دورًا مهمًا في سعادة المراهقين واحترامهم لذاتهم، وعلى الرغم من النتائج الإيجابية للدراسة فإن هناك دراسات أخرى تهدد صحة هذه النتائج، حيث نشر موقع Research matic (أحد المواقع المهتمة بنشر البحوث الأكاديمية) دراسة تشير إلى أن الرياضة تشكل مخاطر مختلفة على الأطفال، تتنافى مع فطرتهم، ولكن كيف يحدث ذلك؟

رغبة الأهل vs رغبة الطفل

تتعارض رغبة الأهل بشكل كبير مع رغبة الطفل، خصوصًا فيما يتعلق بنوعية الرياضة التي يُشرَك فيها، بالإضافة إلى طريقة تعاطي الطفل نفسه مع هذه الرياضة، يمارس الطفل الألعاب الرياضية في حدود قدراته الغريزية وحاجاته لممارسة اللعب لمجرد اللعب، إلا أن ما يحدث عكس ذلك، حيث يدفع الأهالي بأبنائهم للسير في طريق معد له مسبقًا، للوصول إلى هدف محدد، وهو الفوز. الأمر الذي تتراجع أمامه قدرة الطفل في التعبير عن رغباته الحقيقية فيما يريد تحقيقه، خصوصًا إذا كان يتمتع بشخصية حساسة، فيقوم بقمع احتياجاته الفطرية في الاستمتاع واللعب، مقابل تحقيق رغبة الأهل في الفوز والانتصار.

البرامج الرياضية vs احتياجات الطفل النفسية

البرنامج الرياضي المناسب للطفل هو البرنامج الأقل تركيزًا على انتصار الطفل كهدف أوحد، ويركز في الغالب على توفير وسائل الترفيه التي تمثل بيئة صحية وجذابة للطفل، فالتركيز على فكرة الانتصار والفوز دون وضع أي أهداف أخرى أو بدائل تهيئ الطفل نفسيًا في حالة الخسارة، تخلق بيئة تنافسية ضاغطة تؤثر سلبًا على سلامة الطفل من الناحيه النفسية، حيث إنها تُعيق عملية نمو الطفل عاطفيًا ونفسيًا بشكل سوي، خصوصًا عندما يكون بعض الأطفال غير قادرين على تحقيق هذا الفوز.

الخوف من الفشل vs احترام الذات

تحذير الأطفال المستمر من الوقوع فى الخطأ، يخلق لديهم نظرة دونية لذواتهم، خصوصًا في مراحل النمو المبكرة، حيث ينمي لديهم شعورًا سلبيًا تجاه ما يمتلكونه من قدرات، لذلك ينبغي أن تقدم البرامج الرياضية للأطفال مشورة واسعة حول كيفية التعامل مع الأخطاء، وتداركها كفرص تعليمية، تؤدي إلى تحسين أدائهم ودفعهم للمحاولة المستمرة، بغض النظر عن النتيجة السلبية، حتى يصلون إلى نتائج مرضية نفسيًا لهم.


المشكلة الحقيقية تكمن فى الأهل

هل فكرت مرة واحدة ما هو دورك الحقيقي في حياة طفلك؟

المشكلة لا تكمن في خسارة الطفل في مباراة أو عدم قدرته على أداء تمرين معين، المشكلة تكمن في الأهل أنفسهم. باعتبارك أحد الأبوين هل فكرت مرة واحدة ما هو دورك الحقيقي في حياة طفلك بعيدًا عن الدور التقليدي الأساسي الذي تقوم به، من رعاية طفلك وتعليمه وتأديبه وتقديم الدعم المادي له؟ هل فكرت في دورك في مساعدته على النمو بشكل سوي اجتماعيًا وعاطفيًا ونفسيًا؟

ما هي احتياجات طفلك النفسية؟

الحاجة إلى حرية اتخاذ القرارات (المناسبة للعمر)

التحقق من رغبة الطفل أمر ضروروي في أي قرار يتعلق بحياته، حتى وإن كان اختيار لعبة رياضية معينة. فرض أشياء بعينها على الطفل يجعله غير قادر على اتخاذ قرارته الخاصة في الحياة بشكل عام. هذا لا يعني ترك الطفل بدون توجيهه، وهنا يجب أن يعي الأهل الفرق بين التوجيه وفرض السيطرة.

الحاجة إلى الدعم والتحفيز

المفتاح السري للنجاح هو الدعم والتحفيز؛ ساعد طفلك وشجعه عند الإخفاق وعند النجاح. عدم القدرة على إتمام المهمة ليس فشلًا ولكنه باب جديد للنجاح بطريقة مختلفة. التشجيع ليس مكافأة للنجاح فقط، ولكنه درع واقٍ من الإحباط والاستسلام؛ ادفعه بلطف لبذل جهد أكبر أو لتغيير طريقة تعامله مع الأمور. هكذا أنت تخلق لدى طفلك مفهومًا جديدًا ما كان ليكتسبه دون دعمك، وهو “الإرادة القوية”.

الحاجة إلى الحرية في ارتكاب الأخطاء

الفطرة هي المحرك الرئيسي للأطفال، خصوصًا في مراحل النمو المبكرة، لذلك يجب ألا تتعارض رغبات الأهل في تنمية وتطوير نمو أطفالهم مع هذه الحقيقة. الهدف الأساسي من الرياضة هو إكساب الأطفال مهارات مختلفة تساعدهم على تطوير شخصيتهم بشكل سوي، وليس تحطيمهم. من المهم أن يتعلم الأطفال بعض الأشياء بأنفسهم. المساعدة الحقيقية التي يجب أن يقدمها الأهل لأبنائهم ليس منعهم من السقوط، ولكن تدريبهم على تكرار محاولات الوقوف مرة أخرى؛ الأخطاء الصغيرة سوف تساعدهم على التعلم على المدى الطويل.

الحاجة إلى تنمية مهاراته العاطفية والاجتماعية

من أهم واجباتك نحو طفلك، مساعدته على صياغة مشاعره والتعبير عنها. كل طفل فريد من نوعه، لا تقارن طفلك مع الآخرين (خصوصًا عندما تلاحظ نقاط ضعف معينة لديه)، بل ساعده على التعامل مع هذا الاختلاف، وشجعه على أن يكون فريدًا. ساعده على تطوير علاقات صحية مع المحيطين به، لا تضعه فى بيئة تنافسية تجعله لا يطور من نفسه. دعم نقاط ضعفه وتطويرها يجعله قادرًا على التغلب على عيوبه وتحقيق النجاح الذي يرضيه بالنهاية.


فى النهاية: الحياة ليست انتصارات طوال الوقت

الحقيقة التى يغفلها الكثير من الآباء أن الحياة ليست انتصارات طوال الوقت، رغم أنه أمر بديهي ومنطقي فإنه عندما يتعلق الأمر بأبناء البعض فالعكس هو ما يؤمن به الآباء. قد تكون الهزيمة هي المحرك القوي لحدوث المزيد من النجاحات والانتصارات، ليس في مجال الرياضة فقط، ولكن في الحياة بشكل عام. البطل الحقيقي ليس من يحصل على ألقاب وبطولات، البطل الحقيقي هو من يستطيع الصمود في مواجهة ظروف الحياة المختلفة.

 

المصادر:

thesportjournal.org
www.researchomatic.com

www.childandfamilyblog.com
www.lifecho.com
www.highspeedtraining.co.uk

المقالة السابقةلماذا أكتب؟!
المقالة القادمة9 أخطاء لا تقع فيها خلال السفر
صحفية وكاتبة مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا