خلي بالك من زيزي: كيف نصنع حكاياتنا السعيدة

815

بقلم: علياء أسامة أيوب

صدفة جيدة وقليل من الفضول وضعا أمامي الحلقة الأولى من المسلسل الإنساني الرقيق والراقي والحقيقي والعظيم “خلي بالك من زيزي”، وهو واحد من أفضل مسلسلات رمضان 2021، إن لم يكن الأفضل على الإطلاق. ومن اللحظة الأولى للمسلسل خضت مع “زيزي” وشخصيات عالمها رحلة من متعة خالصة، تمس الروح وتترك آثارًا لا تنسى، وتدفع العقل للتفكير بطريقة مختلفة في أنفسنا وفي الآخرين من حولنا.

في البداية اعتبر البعض أن المسلسل دراما كوميدية خفيفة، ومع تتابع الأحداث أشاد الكثيرون بالمسلسل الذي يتطرق للمرة الأولى للمرض المكتشف حديثًا فرط الحركة وتشتت الانتباه، أو المعروف اختصارًا ADHD، من خلال قصة بطلتنا “زينب” أو كما تحب أن يناديها الجميع “زيزي”، ونظيرتها الصغيرة “عطيات” أو “تيتو”. والحقيقة أن رحلة “زيزي” و”تيتو” مع المرض هي الخط الرئيسي للمسلسل، إلا أنها في رأيي ليست الفكرة التي انطلقت منها الحكاية التي تشعبت لحكايات أبطالها، هم كل شخصيات المسلسل، الذين نكتشف تدريجيًا معاناة كل منهم من أزمة ما، تتعلق بطبيعة شخصياتهم وسماتهم المختلفة، لتصبح أمامنا قصة أعمق وأشمل عن التغيير الأفضل، لتصبح حياتنا أبسط وأسهل وأجمل، فالحكايات السعيدة نصنعها نحن بعد أن نفهم أنفسنا ونعرف مواطن الضعف ونتعلم كيف نتجاوزها بمفردنا أو بمعاونة مختص ينير لنا الطريق.

اقرأ أيضًا: خلي بالك من زيزي: كيف يمكن للفن أن يغير العالم؟

عندما نُعيد اكتشاف أنفسنا

على مدار حلقات “خلي بالك من زيزي” نتابع “زيزي” ومرضها الذي لا تعرفه، لكنه يورطها في المشكلات منذ طفولتها، فيدفع أباها لحبسها في غرفة الغسيل، وهو ما يترك لها صدمة تحملها معها رغم السنين. وعلى العكس من تعامل أهل “زيزي” الخاطئ مع مشكلتها يحاول أهل “تيتو” فهم طبيعة مرضها والبحث عن أفضل طريقة للتعامل معها، ولمنحها حياة طبيعية تتعلم فيها بطريقة تلائمها، فلا تتخلف عن أقرانها. ورغم فشلهم في المرات الأولى فإنهم يستمرون في المحاولة والبحث والفهم والاكتشاف، تمامًا كـ”زيزي” التي تعيد اكتشاف نفسها تدريجيًا، فتحاول وتفشل وتتعلم حتى تجد طريقها.

ومع “زيزي” و”تيتو” نكتشف المشكلات السلوكية لبقية الشخصيات، ففي عائلة “زيزي” نلاحظ الأم حادة الطباع المهتمة فقط بالجانب المادي على حساب مشاعر ابنتها، لكننا نكتشف مع الحلقات أنها تعاني من زوج لا يفهمها ولا تفهمه أيضًا، لكنها تتحمل وحدها نتائج مشكلات “زيزي”، فتنصرف “للم وراها” بدلاً من البحث عن المشكلة. والأب العصبي الذي يواجه مشاعر وأزمات من حوله بالسخرية والتقليل منها. وخالتها التي لم يحبها زوجها وتزوج بأخرى فأصيبت بالاكتئاب، لكنها ترضخ وتستمر لأجل ابنتها، التي تعاني من خوف مرضي وتعلق زائد بأمها، في ظل غياب الأب الذي يرى أنه لم يخطئ في حق أسرته ما دام يوفر لهم احتياجاتهم المادية ولا يفكر في الاحتياجات العاطفية. وهناك زوج “زيزي” ضعيف الشخصية الذي لا يضع أي حدود في علاقاته، فهو شخص اعتمادي خاضع لشقيقه الأكبر، الذي يتمادى في السيطرة عليه بدافع من المحبة والخوف، كما خضع لعلاقة اعتمادية غير متزنة مع “زيزي”، ويهرب منها لعلاقة اعتمادية من نوع مختلف مع زميلته.

اقرأ أيضًا: بعد “زيزي” و”تيتو”: مشاهير يعانون من متلازمة ADHD

جميعنا مرضى نفسيون

ومن الناحية الأخرى نجد المحامي “مراد” الذي يرث عناد وكبرياء والدته، فيرى أن كليهما لا يخطئ ولا يجوز له أن يفشل، لكنه يكتشف في النهاية أن قضية العمر قامت على سوء تقدير منهما، وأخته التي صدقت أنها ساذجة فتذبذبت اختياراتها وفقًا لآراء الآخرين. وحتى الطبيب النفسي الذي يقدم العون لـ”زيزي” و”تيتو” نجده بحاجة لمن يعاونه في تجاوز أزمة وفاة نجله وشعوره بالذنب.

لم يكتف المسلسل بعرض المشكلات الشخصية المختلفة التي سنجدها في أنفسنا وحولنا، لكنه أضاء لنا شمعة، فالتعاسة ليست قدرًا نتكيف معه، بإمكاننا أن نغير واقعنا وأن نبحث عن وصفاتنا الخاصة للسعادة، الأمر ليس سهلاً والطريق ربما يكون طويلاً، نتعثر فيه مرات وننجح مرات، فسعادتنا صنيعة أفكارنا وسلوكياتنا، وفي كل الأحوال تستحق. المسلسل أيضًا وجّه آباء وأمهات اليوم، الواقع على عاتقهم أعباء أكبر في تربية أبنائهم ألا يقعوا في فخ الماضي ولا يكرروا أخطاء آبائهم، وإذا كان الجهل بالمشكلات السلوكية للأطفال سببًا في تخبطهم في تربية أبنائهم، فالأجيال الحالية ربما تتخبط أحيانًا مع كثرة المتاح من معلومات، في ظل متغيرات جديدة للمجتمع.

أخيرًا أقول لكل صناع المسلسل الاستثنائي “خلي بالك من زيزي”، المختلف المميز قصة وإخراجًا وتمثيلاً والمهتم بأدق أدق التفاصيل، شكرًا.. ليس فقط للمتعة التي هي الهدف الأول للدراما والحكايات، ولكن أيضًا للأثر الباقي في نفوسنا، وللنصيحة الغالية التي همستم بها دون تصريح، فبإمكاننا دومًا أن نكون نسخًا أفضل، وأن نصنع بأنفسنا حكاياتنا السعيدة.

اقرأ أيضًا: خلي بالك من زيزي: الذات الحقيقية والذات المزيفة

المقالة السابقةطفلك الخجول هل يعاني من اضطراب القلق الاجتماعي؟
المقالة القادمةمواصفات الشريك غير المناسب
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا