حدوتة عروسة الإبر والقنفذ الذكي

2049

يحكى أن في منزل دافئ وطيب، تسكنه عائلة صغيرة مترابطة، تعمل الوالدة بمهنة الخياطة، فتقتسم ساعات يومها بين أقمشتها وإبرها، والمطبخ، لتعد لزوجها المزارع الدؤوب، وصغيرتيها الفاتنتين، وجبات تشع محبة ودفء. عملت الأم بهذه المهنة بعد أن علمتها والدتها (الجدة الجميلة)، وتركت لها كل أسرار الخياطة وكل الأدوات اللازمة، لتصنع فستانًا جميلاً، مع عروسة إبر. كانت الجدة تؤكد دومًا أنه ليس الأهم أن تكون خياطًا ماهرًا، مع الإبر والخيط فقط، ولكن عليك أن تحافظ على ابتسامتك وروحك المحبة، لتغزلينها بين كسرات القماش، فتضيف السعادة على من سترتديه، وتشعرها بالرضا والارتياح، وحينها ستعود لك من جديد، لتصنعي لها المزيد من الفساتين، المليئة بالراحة والمحبة الصادقة.

عروسة الإبر

التزمت الأم بكل تعليمات الجدة، ولم تفرط بأيٍّ من أدواتها، وخصوصًا عروسة الإبر. وهي العروسة القطنية، التي تجمع بها الإبر. كانت العروسة ملكًا للأم بالأساس، حينما كانت طفلة، وقد لازمتها بكل دروس الجدة، فكانت خير جليس ومشجع، ومشارك بابتسامتها البشوشة، وفستانها المنفوش الأخضر. كانت تجلس لساعات طويلة مبتسمة للأم، بينما تعمل وتجتهد، وكانت تقتنع أن دورها الأهم، هو تذكير الأم بضرورة التبسُّم، كما نصحت الجدة. كان يصيبها الألم مع كل إبرة تنغرس بها، بينما تباشر الأم عملها بتركيز، ما جعلها تشكك بحب الأم كثيرًا، لكنها كانت رغم ذلك تشعر بأهمية الألم، الذى تحملته، عند رؤيتها للسيدات فرحات، بالفساتين المغزولة بحب الأم، وتضحيات عروسة الإبر الصادقة.

تعرفي على: أجمل عبارات عن بيت الجد والجدة

القنفذ

ظلت حياة العروسة على هذه الشاكلة، لمدة طويلة، تحاول فيها التصالح مع الحزن، الذي جلبه لها وخز الإبر. حتى جاء أحد الأيام، عندما عاد الأب من المزرعة، ومعه صندوق، به كائن صغير، لم ترَ له مثيلاً من قبل. لقد كان قنفذًا، يغطي الشوك جسده بالكامل، مثلها تمامًا، ولكنه كان جريحًا، فأحضره الأب ليطببه وينقذه، بعد أن وجده متكومًا على جانب الطريق. طالت الأيام حتى عاد القنفذ لكامل صحته، وكانت الأم تتلو قصته لكل زائر يزور المنزل، فقد وجده الأب مصابًا بجرح بالغ، لم يعرف سببه، لكن القنفذ في جلسة شاي مع العروسة ليلاً، وبعد نوم كل أهل البيت، سرد لها القصة بالتفصيل.

القنفذ يحكي جرحه مع العروسة

تابعت العروسة كلمات القنفذ باهتمام، ليس حبًا في معرفة القصة، ولكن كان يشغلها أكتر كيفية تعايشه، متابعة لكل حركات جسده التلقائية، في محاولة منها لفهم كيفية تعايشه، مع كل هذا الكم من الشوك، الذي يحيط جسده، والذي أرغم عليه ولم يكن اختياريًا. كانت الأسئله التي تدور بعقلها تتركز على هذا فقط في واقع الأمر. لكن القنفذ كان حكيمًا حقًا، يتعامل مع الأمور بسلاسة، فبينما كان يحكي بابتسامة واسعة عن كيفية إصابته بهذا الجرح، بعد أن اقتحم منزله حيوان شرس. قالت العروسة:

كيف تبتسم بينما تحكي عن ألم مر بك؟!
قال القنفد للعروسة: هذا متعارف عليه فى عشيرتنا، فقط كان يلزمني ثواني قليلة، لألتف حول نفسي وينقذني شوكي القوي.
ابتسمت العروسة، ممسكه بفستانها الأخضر الحريري، وقالت له: وهل يؤلمك بينما تلتف على ذاتك؟
قال لها القنفذ، بنبرة مَن فهم مقصدها من السؤال: أحيانًا يلامس بطني ويؤذينى قليلاً، ولكن الحقيقة أني مدين له بحياتي.
العروسة: إذًا هو يؤلمك الآن بينما تحدثني!
القنفذ: بالطبع لا، هو جزء مني، ومن دونه لم أكن لأستحق اسمي.
العروسة: ولكن أنا لم تكن الإبر جزءًا مني يومًا. وعليه أنا أتألم.
القنفذ: لا أظن ذلك حقًا. أعتقد أنك حزينة، وهذا ما يؤلمك. فلنخرج إلى المزرعة لنستنشق الهواء الجميل، وسأحكي لكِ عن حياتي هناك.

رحلة  العروسة في المزرعة

اتبعت العروس القنفذ للخارج، في حزن، لأنه لم يوافقها فيما تشعر، وشعرت بكونه ضدها بشكل أو بآخر، وقد فهم القنفذ بذكائه هذا، بينما كان يتابعها وهي تلف أطراف فستانها الأخضر حول أصابعها في أسى، بينما تظن أنها العروسة الأسوأ حظًا على الإطلاق، ولكن أملت أن يزيح الهواء الجميل بالمزرعة بعضا من حزنها.

قال القنفد بملامح مستريحة: هنا كنت أعيش. آسف على عدم ترتيب المكان، فقد هجرته منذ زمن. من هنا كانت تأتيني الحيوانات الضارية لتفترسني، ومن هنا كنت أشق طريقي، لأجد الحشرات التي أتناولها قبل بياتي الشتوي والصيفي.
قالت العروسة بملامح مفزوعة: هذه حياة جد خطيرة!
قال القنفذ بهدوء: الحياة دومًا ما تكون مليئة بالتحديات، هذا طبيعي، وإلا لكانت حياة مملة يا صديقتي.
قالت العروسة بحيرة: وما التحدي الذي لديَّ في حياتي برأيك؟
قال القنفذ بثقة: أنتِ تساعدين العائلة لتعيش حياة سعيدة، بمساعدتك للأم في عملها، وعليه فوجودك بينهم مهم، ويبعث فيهم السعاده والأمان، وأنتِ تحبينهم، وترين أنهم يستحقون، لذا تتحملين بعض الألم بوخز الإبر من حين لآخر.
قالت العروسة بثقة: نعم أحبهم، فقد كنت صغيرة حين أحضرتني الجدة، وقد حاوطتني الأم بكامل حبها واهتمامها، وعندما بدأت تعلم الخياطة شاركتني كل التفاصيل، وكانت تأخذ رأيي بعين الاعتبار، إن كان الفستان حلوًا أو لا. لطالما تقاسمنا الليالي الطويلة، ولم ينقص حبها عندما حضرت صغيرتاها، بل عرفتهما عليَّ، واهتمت أن تحباني وتحترماني كصديقة وفية للأم.
قال القنفذ بهدوء واثق: إذًا أنتِ العروسة الأكثر حظًا في العالم!
سكتت العروسة قليلاً، ثم قالت: على ما يبدو يا صديقي أنني كذلك حقًا، وهذا ما أدركته الآن فقط، بينما نتحدث.
القنفذ: وما رأيك الآن في الإبر التي تحيط جسدك؟ هل تؤلمك كما كانت بالسابق؟
العروسة: نعم تؤلمني قليلاً لن أنكر هذا، ولكن فلتكن الصفة المشتركة بيني وبينك يا صديقي القنفذ، ولنستعملها كدرع لنا معًا.

هكذا سار القنفذ الحكيم مستندًا على ذراع العروسة، بينما يطير فستانها الأخضر بسعادة، ويتقاسمان خبرتهما بالحياة، فيملي القنفذ على العروسة خبراته بالبرية، وكيف حارب الكائنات المفترسة، بينما تحدثه العروسة عن مميزات أن تكون لديك عائلة محبة ودافئة، تغمرك باهتمامها.

المقالة السابقةاهم تطبيقات الموبايل للفريلانسرز، تطبيقات ادارة المشاريع والوقت
المقالة القادمةالناس بين طيب وشرير

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا