حماية الأطفال: بين الرقابة واختراق الخصوصية

1793

قال الجد: أنا رجل عجوز، وأتذكر عندما كنا نفتح الباب وندع الأولاد وشأنهم.

قالت الأم: وأنا أتذكر أني كسرت ذراعي لأنك رفضت تركيب بوابة أطفال.

قال الجد ساخرًا: وكيف حال ذراعك الآن؟

حماية الأطفال
حلقة Ark angel من مسلسل black mirror

هكذا بدأت حلقة Ark angel في مسلسل black mirror، التي تحكي عن الأم ماري وابنتها سارة، حين تاهت سارة من ماري مرة، فقررت الأم بدافع القلق، وضع شريحة في رأس ابنتها، تمكنها من معرفة مكانها، ومتابعة كل ما تراه أو تسمعه أو تفعله، بل وصل الأمر إلى متابعة مؤشراتها الحيوية أيضًا. ويمكنها حجب المشاهد العنيفة أو ما يثير خوفها أو قلقها. الأمر أشبه بتطبيقات حماية الأطفال.

حماية الأطفال
مشهد زرع الشريحة

حجب المخاوف عن الطفل

ومن أكثر المشاهد المثيرة للجدل، مشهد الكلب الذي كانت تخاف منه سارة، فحجبت الأم صورة الكلب عن عين سارة، من خلال جهاز التحكم الخاص بالشريحة. يمكنني أن أتفهم قلق الأم، ورغبتها في معرفة مكانها، نظرًا للتجربة التي مرت بها، وقلقها حين اختفاء سارة، ولكن لا يمكنني أن أتفهم حجب المخاوف عنها. بماذا سينفعها حجب صورة الكلب حين يهاجمها الكلب حقيقة؟!

حماية الأطفال
صورة الكلب المحجوبة

علينا أن نفرق بين الرقابة من أجل حماية الأطفال من المخاطر، والرقابة لانتهاك الخصوصية. مع مراعاة المراحل العمرية المختلفة التي تتطلب أنواعًا مختلفة من الرقابة. ففي السن المبكرة، يحتاج الطفل للحماية من مخاطر العالم الخارجي، بصورة كبيرة، وبالتالي فإن دور الرقابة هنا هو حمايته من الخطف، أو الحوادث أو ارتكاب الأخطاء، ثم توجيه السلوك وتكوين الشخصية.

المبالغة في الحماية

إذا حاولنا منع كل الأذى عن أبنائنا، لن يختبروا كل أنواع المشاعر، سيأتي يوم يكونون فيه بمفردهم، ولن يحميهم أحد، ولن يكونوا مؤهلين لتجاوز الألم. ومن الأفضل التعلم عن طريق ارتكاب الأخطاء

ولكن يجب الأخذ في الاعتبار أن أكبر الأخطاء التي يقع فيها الآباء هي المبالغة في حماية الأطفال. وقد لاحظت من خلال عملي كمعلمة، أن الأم كثيرة التدخل في شؤون ابنها، يصبح الابن أحيانًا منبوذًا اجتماعيًا، غير ناضج عاطفيًا، بسبب أنه لا يختبر معظم المشكلات، وهناك من يحلها بالنيابة عنه. فعلى الطفل أن يكتسب القدرة على مواجهة الضغوطات اليومية البسيطة، حتى لا يكبر معدوم الخبرة، فهذا النوع لا ينتج عنه سوى شخصية ضعيفة مهزوزة اتكالية. ولا يمكننا أن ننكر دور تجارب الطفولة في النمو النفسي لدى الإنسان.

فنحن إذا حاولنا منع كل الأذى عن أبنائنا، لن يختبروا كل أنواع المشاعر، سيأتي يوم يكونون فيه بمفردهم، ولن يحميهم أحد، ولن يكونوا مؤهلين لتجاوز الألم. ومن الأفضل التعلم عن طريق ارتكاب الأخطاء ثم تصحيحها، بدلاً من محاولة منعها بصورة مطلقة.

ولا يمكن أن نغفل أن قلق الآباء المبالغ فيه هو نفسه ما يحتاج إلى الإرشاد النفسي، قد يكون الآباء بحاجة إلى الدعم أكثر من الأبناء، أو بمعنى أوضح يحتاجون إلى تعلم كيفية إدارة عواطفهم. فحب التملك والسيطرة وعدم الثقة في الآخرين هو أحد عيوب النفس البشرية.. وهو ما يجب تعلم السيطرة عليه.

الحماية في سن المراهقة

أما عن سن المراهقة فالوضع مختلف. فأساليب حماية الطفال تختلف عن حماية المراهقين. سن المراهقة هو سن الاستكشاف والتمرد، وبين الكبت والتمرد علاقة طردية، فكلما زاد الكبت في الطفولة، زاد التمرد في المراهقة وخرج عن السيطرة. وللأسف منح الأبناء مقدارًا مناسبًا من الحرية، هو شجاعة لا يتمتع بها المجتمع الشرقي. لا يدركون في الغالب أن بناء شخصية بصناعة منزلية فقط، هو أمر غير سوى، ولا بد من اختبار الحياة الحقيقية. إن التمسك الشديد بقرب الأبناء بشكل مبالغ فيه يدفعهم بعيدًا، والمراهقون معرضون لمخاطر كثيرة.

ليس من واجب الآباء تحمل مسؤولية الضرر الواقع على أبنائهم، عندما يمارسون اختياراتهم بحرية بعد النصح، ولكن واجبهم الحقيقي يكمن في الدعم بعد وقوع الضرر وعدم الشماتة

كيف يمكن تحجيم المخاطر؟

من وجهة نظري إن اللجوء للحلول السهلة، بحرمان الأبناء من ممارسة اختياراتهم لن يجدي في تحجيم المخاطر شيئًا. فالأمر يحتاج إلى القدرة على إدارة حوار ناضج، يتم فيه مناقشة كل جوانب الموضوع من إيجابيات وسلبيات. أذكر أن أخي الأكبر أراد أن يشرب سجائر، فذهب إلى أمي ليناقشها في الأمر، ولكنها لم تقل له إنها غير موافقة. تناقشا لثلاث ساعات نقاشًا حقيقيًا حول سلبيات وإيجابيات الموضوع، وتركت له الاختيار في النهاية. وكانت المفاجأة أنه لم يقترب منها طوال حياته.

ليس من واجب الآباء تحمل مسؤولية الضرر الواقع على أبنائهم، عندما يمارسون اختياراتهم بحرية بعد النصح، ولكن واجبهم الحقيقي يكمن في الدعم بعد وقوع الضرر وعدم الشماتة. والأهم من ذلك هو القبول غير المشروط، فحين يرتكب الأبناء الخطأ، يشعرون بالذنب وتهتز صورتهم الداخلية عن أنفسهم، ويشعرون أحيانًا بعدم الرغبة في وجودهم. وإذا تأكدت هذه الصورة بسبب ردود أفعال الآباء على الأبناء عندما يرتكبون الأخطاء، فسوف يلجؤون لأشخاص آخرين يقبلونهم، وما أكثر هؤلاء في الخارج! لن يميزوا إلى أي صحبة ينتمون، هم يريدون فقط أن يشعروا بالقبول، سواء كانت الصحبة صالحة أو غير صالحة، سواء لديها انتماءات أو توجهات معينة أو ليس لديها. فاحذروا بأن يشعر الأبناء بعدم القبول في البيت.

تطبيقات حماية الأطفال

وبالرغم من أن الحلقة أظهرت الجوانب السلبية لتشديد الرقابة على الأبناء، وأنها أحيانًا تدفعهم للتعطش للواقع الدموي، كما حدث مع سارة الابنة، حين حاولت قتل أمها في النهاية، بضربها ضربًا مبرحًا، فإن التطبيقات التي خٌصصت من اجل حماية الأطفال في الحقيقة حققت نجاحًا باهرًا. فالواقع الدرامي يختلف عن الواقع الحقيقي، الذي يعيشه الإنسان. ولأن هذه التطبيقات ليس فيها مبالغة في رقابة الأطفال، بل تسمح بالحد الأدنى الذي يوفر لهم الحماية من التعرض للمخاطر، مثل تحجيم وقت استخدام الإنترنت، وحجب المواقع الإباحية.

من أشهر هذه التطبيقات من برامج حماية الأطفال safe kids، حيث يحدد مدة استخدام الجهاز، أو اختيار ساعات معينة في أيام معينة، وإيقاف تفعيل الجهاز عند تجاوز المدة، أو إعلام الطفل بأن الوقت قد حان، لإيقاف استخدام الجهاز دون الحاجة لإيقافه فعليًا. وهو الأفضل من وجهة نظري. كي يترك للطفل مساحة حرية الاختيار، وتحمل عواقب اختياراته. ويمكن معرفة بعض التطبيقات الأخرى من خلال الرابط.

كيف يكون استخدام هذه التطبيقات مجديًا؟

– لكي يكون استخدام هذه التطبيقات مجديًا ننصح بإخبار الطفل عنها أولاً، حتى لا يشعر بأنه شخص غير موثوق به، والتأكيد أن استخدام هذا التطبيق هو لحمايته، لا للتدخل في خصوصيته. بمعنى معرفة مكانة وحمايته من مستغلي الإنترنت، ولن يتضمن ذلك أي اختراق لخصوصية حياته الشخصية.

– أيضًا التوعية المستمرة، ومشاركة الخبرات دون توجيه الاتهامات هي إحدى الطرق الفعالة. أخبر طفلك أنه قد يتعرض لأمر ما، وحين يتعرض له عليه أن يتصرف بطريقة معينة.

– ضع له البدائل قبل أن تحرمه من شيء لا يعجبك، فإن كان يقضي وقتًا طويلاً أمام الهاتف أو شاشة الكمبيوتر، فاقترح عليه الخروج أو الاشتراك في رياضة ما، أو عمل أي نشاط سوي.

خلاصة:

تربية الأبناء صعبة، وإن كنا سنأتي بهم إلى هذا العالم، فيجب علينا ألا نختار الحلول السهلة في التربية. فكروا جيدًا قبل الإتيان بطفل، لن نستطيع أن نمنحه بعض الحرية، ونحرمه اختيار مسار حياته، لأننا لا نتمتع بالقدر المناسب من الشجاعة، أو الطاقة في خوض حوارات، أو كسر المسلمات التي تربينا عليها، والتي بنسبة كبيرة قد لا تناسب متطلبات الأجيال القادمة. إن كنا سنسلبهم حريتهم ونمنع قبل أن نناقش، ونحرم قبل أن نضع البدائل، فنحن غير مؤهلين، ولا نتمتع بشجاعة أن يكون بين أيدينا طفل، نساعده في بناء شخصيته المستقلة دون حجر أو تسييس.

المقالة السابقةالناس بين طيب وشرير
المقالة القادمةفيلم الهروب: لِمَ تشعر النساء بالملل من الزواج المستقر؟

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا