فيلم الهروب: لِمَ تشعر النساء بالملل من الزواج المستقر؟

1303

بقلم: سعاد أبو غازي

فن إيه اللي عايزة تدرسيه؟! إنتي أصلاً عديتي التلاتين، وكبرتي على الدراسة والشغل، ناقصك إيه؟ عندك عربيتين وبيت كبير وجوز بيصرف عليكي، مش زيي أنا اللي كنت بعمل كل حاجة بنفسي. انسى، دي مرحلة وهتعدي“. هذه الكلمات هي ترجمة بتصرف لرد أم على ابنتها، عندما صرَّحت لها برغبتها في دراسة الفن، وترك تربية الأبناء قليلاً، لكن زوجها يرفض ويشعر بالقلق من أن هذه الخطوة قد تؤثر على استقرار حياته الأسرية، التي يراها مميزة، مع ملاحظة أن هذه المناقشة لم تدُر هنا في مصر، بل كانت نقاشًا عاديًا بين أم بريطانية وابنتها، داخل الفيلم البريطاني الاجتماعي The escape أو الهروب إنتاج 2018.

فيلم للنساء اللاتي يشعرن بالملل

ربما لا يلفت فيلم الهروب نظر الكثيرين من محبي الأفلام ومتابعي السينما العالمية، هو ليس فيلمًا كبيرًا من ناحية الإنتاج، لكن من زاوية الحكاية التي يرويها ربما نعده مهمًا بالنسبة للعديد من النساء، اللاتي يشعرن بالملل والسأم من حياتهن المستقرة، ويجدن من يلومهن على أن لديهن طموح، بتخطي حدود وجود زوج مسؤول عن البيت ماديًا، وأولاد ومنزل وسيارة، ولا يجدن من يفهم أن هناك احتياجات أبعد من ذلك، يمكن أن تحول حياة المرأة إلى جحيم، لا تجد أحدًا يرغب في مشاركتها فيه.

حياة هادئة روتينية

تاراامرأة بريطانية شابة في الثلاثينيات من عمرها، جميلة ومتعلمة، تسكن مع زوجها المتفاني في حبه لها، مع طفلين صغيرين في مرحلة الحضانة. تعيش حياة هادئة لكنها روتينية، تسير على نهج واحد لا يتغير طوال الوقت، زوج يرغب في أن يمارس الجنس صباحًا قبل أن يذهب إلى عمله، يفعل ذلك تلقائيًا دون أن يسألها إن كانت تريد ذلك، ثم تستيقظ لكي تحضر الفطور للزوج والأولاد، قبل أن تصطحب الأطفال إلى الحضانة، ثم تتوجه إلى السوبر ماركت لتحضر المشتروات، ثم تبدأ في إعداد الطعام، حتى يأتي الزوج والأطفال، ثم تجلس قليلاً قبل أن تبدأ في النوم، وربما في ممارسة الجنس مرة أخرى.

حين أدركنا بعضًا من معاناة تلك المرأة

يمكن ملاحظة بوضوح أنتاراشاحبة، ليست سعيدة في حياتها، لا تبتسم، ضجرة وغاضبة على الدوام، وتقوم بكل أعمال جدولها اليومي بأقل قدر من الطاقة وبدون شغف، حتى أنها تجد نفسها تنفجر في البكاء دون سبب واضح، هكذا دون مقدمات، ولا تعرف ماذا حدث لها وماذا تقول لزوجها، المندهش من زوجته التي تبكي بدون سبب، ولا تريد أن تتحدث إليه، فتطوع هو وتصور أن سبب بكائها أنها بدأت في مقابلة رجل آخر! هنا قالت لهتارابمزيد من الغضب: أنا لا أغادر المكان، لا أقابل أحدًا، لا أتحدث إلى أحد“.

هنا أدركنا بعضًا من معاناة تلك المرأة، إنها تشعر بفراغ حياتها، ترغب في فعل شيء آخر غير جدولها اليومي الملل، تريد وقتًا لنفسها، ولا تعرف كيف تُعبِّر عن ذلك. في المساء وبعد نوبة حزينة لممارسة الحب، قالت له بصوت خافت: “أنا لست سعيدة، أحتاج فعل شيء آخر، لا يمكنني فعل هذا بعد الآن“، ثم أخذت تبكي، لكنه لم يسمعها، أخذ يستعد للنوم دون أن يهتم بأن يسألها ماذا كانت تقول.

اللحظات التي رأيناها سعيدة ومنطلقة

اللحظات القليلة التي نرى فيهاتاراسعيدة ومنطلقة هي التي تسافر فيها بالقطار إلى لندن، وتسير بمفردها في الشارع، تزور حديقة أو تشتري كتابًا، وفي يوم وجدت كتابًا فنيًا عن المفروشات في العصور الوسطى. أعجبها كثيرًا وشجعها أن تسجل في فصل واحد لدراسة الفنون، لكن زوجها أبدى امتعاضه، لم يكن مقتنعًا أن هناك حاجة لكي تفعل زوجته ذلك، أو بمعنى أصح كان قلقًا على حياته الزوجية المستقرة والمميزة كما يراها.

شعر بالتهديد من أن خروج زوجته للدراسة وتركها بعضًا من مسؤولياتها سيؤثر بالسلب على نمط الحياة الذي اختاره، فقرر ببساطة أن يدافع عن هذا النمط ضد رغبة زوجته. ذهب معها للعشاء، تحدث إليها بنبرة ودية مزيفة، قبل أن ينفجر فيما بعد غاضبًا ومطالبًا إياها أن تتخلى عن أحلامها. والدتها لم تفعل شيئًا مختلفًا، لامتها، وطالبتها بأن تترك هذه المرحلة تمر، ولا تدمر بيتها وترعى أبناءها وتنسى ما تفكر فيه للأبد.

لكن في يوم استيقظتتاراولم تعد ترغب في القيام بهذا الدور من جديد، دور الأم والزوجة المتفانية، قالت صراحة لزوجها أنها لم تعد تهتم بأولادها، وأنهم يكرهونها ولا يحتاجون إليها، وقررت أن تترك المنزل بشنطة صغيرة وترحل، هكذا ببساطة، دون مقدمات طويلة ودون أن تخبر زوجها عن وجهتها.

لأول مرة ترى الشمس بوضوح

في القطار إلى باريس، حيث حجزت تذكرة ذهاب فقط، رأتتارالأول مرة الشمس بوضوح. لم تعد هناك الأشجار التي كانت تحجبها عن الرؤية، هي إشارة إلى أن الضوء دخل إلى حياة المرأة الحزينة أخيرًا، لكن للأسف، هذا الضوء لم يدم طويلاً.

حاولتتارافي يومين قضتهما في باريس، أن تخلق عالمًا تريده لنفسها، أن تعيش كامرأة حرة باسم آخر، بدون زوج أو أولاد ولا مسؤوليات، تجوب الشوارع، ومحال الكتب وتزور المتاحف وقاعات الفنون. التقت برجل فرنسي يتحدث قليلاً منالإنجليزية ويعمل مصورًا فوتوغرافيًا في وكالة إعلانية، انسجما معًا سريعًا. أصبحت متوهجة ونشيطة ومرحة، مارسا الحب، لأول مرة كانت سعيدة وهي تمارس الحب، لكن أنتهى كل شيء فجأة، وكان عليها أن تواجه حياتها القديمة من جديد، لكن هذا لم يأت من تلقاء نفسه، جاء عبر نصيحة من امرأة فرنسية عجوز.

نصيحة المرأة العجوز

للأسف قرر صناع فيلم The escape أو الهروب، إنهاء رحلة تارامن أجل التحرر، بختام سيئ وحزين، لا يختلف كثيرًا عن البداية، بل قرر الفيلم أن تكون النهاية هي نفسها بدايته، لكن هذه المرة وتارامقتنعة بنصيحة المرأة العجوز حاولي تغيير حياتك معه، وإن لم ينجح الأمر غيريها بدونه“.

المقالة السابقةحماية الأطفال: بين الرقابة واختراق الخصوصية
المقالة القادمةكيف يمكنك التخلص من الشعور بخيبة الأمل؟
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا