بدأ الأمر حين اشتكت صغيرتي من الجلوس في المنزل لعدة أيام دون الخروج، وقالت إنها تريد الذهاب إلى الملاهي، وضعَت خطة متقنة حتى لا نصاب بالكورونا، سنذهب بالسيارة ونغلق النوافذ حتى نصل إلى مبنى التسوق، ثم ندخل سريعًا حتى نصبح آمنين داخل المبنى، سألتها إن كنا سننزل من السيارة فكيف سنكون آمنين من الفيروس، فأكدت لي أننا سنجري بسرعة حتى لا تلحق بنا الكورونا، أم أن الكورونا سريعة وستلحق بنا؟!
لم أرد أن أطلع ابنتي على تفاصيل لن تزيدها إلا هلعًا، فهي لن تخرج في أي مكان، ولا الفائدة من إطلاعها على الحجم الحقيقي للفيروس، فهي كانت تظن أنه كائن مثل الحشرات وفي حجم الذبابة، هل ستفيدها معلومة أن الفيروس لا يرى بالعين المجردة، أم سأكون أزيدها خوفًا فوق ما تعانيه من ملل وحزن؟
تدريجيًا بدأت تعرف المزيد من المعلومات عن الفيروس، ليس لشيء سوى أن هذا الوضع سيطول، ويجب عليها بشكل ما أن تعرف المزيد من المعلومات، وربما كان هذا أفضل، فهو يجعلها منشغلة بمعلومة جديدة كل فترة، ولا أخفي عليكم أن الأمر كان يحمل لي بعض المتعة أيضًا، فطريقة تفكيرها في الأمر غالبًا ما تضحكني، مثل اقتناعها أن الفيروس كما يظهر في الكوميكس ومقاطع الفيديو المنتشرة، أخضر اللون.
دفعني هذا لسؤال أطفال أصدقائي وأقاربي عما يظنون السبب وراء ابتعادهم عن المدرسة والأصدقاء واللعب في النادي، وعن أمنياتهم بعد انتهاء فترة العزل.
اتهام للصين وللخفافيش
جاءت إجابة “جميلة” 5 سنوات، أنها تجلس في المنزل بسبب الكورونا، وعندما سألتها عن ماهية الكورونا أجابتني “يعني الدنيا برة ساقعة شوية” وبالطبع اختلفت إجابة أخيها “سليمان” 9 سنوات، فقد قال إن الكورونا فيروس جاءنا من الصين بسبب أكلهم للخفافيش والصراصير والحشرات، وأنه سيظل منعزلاً في المنزل ما دام الخطر موجودًا، ولكن إن استمر العزل لمدة سنة فسينزل من المنزل ويقود السيارة ليرى الشوارع فقط ثم يعود مجددًا للعزل، متمنيًا أن يقيم حفلاً كبيرًا يدعو إليه أصدقاءه وأقاربه فور انتهاء فترة العزل.
أكد التوأمين “مازن” و”منذر” 8 سنوات نظرية الصين التي أتى منها الوباء، لأنهم يأكلون الصراصير والفئران والخفافيش، وانتقالها إلى المصريين الذين كانوا هناك ونقلوها إلينا عندما رجعوا إلى مصر. اشتكى “مازن” من جلوسه في المنزل منذ عام كامل، وتمنى أن يلعب في النادي بعد العزل ويذهب لزيارة أقاربه، بينما اشتكى “منذر” من التعليم المنزلي قائلاً إنه لا يذاكر ويفضل لو استطاع اللعب بالموبايل طوال اليوم، متوقعًا انتهاء العزل عندما يستطيع الأطباء علاج كل مرضى الكورونا.
لم تختلف معلومات “ونس” 7 سنوات، عن المعلومات السابقة، ولكنها أضافت أنها لا تحب التعليم عن بُعد، فهي وإن كانت تحب الجلوس مع والدتها، إلا أنها تريد العودة إلى المدرسة وإلى أصدقائها، ولكن أمنيتها كانت مختلفة ومحددة للغاية، فونس لم تحتفل بعيد ميلادها في يناير على أمل أن تحتفل به في طقس صحو ولا تكون مقيدة بالملابس الثقيلة أو المباني المغلقة، ولكن جاء الفيروس والعزل ليحرماها من الحفل الذي كانت تنتظره، لذا أمنيتها أن تحتفل به كما خططت، وتقابل أصدقاءها وتذهب للتزلج على الجليد في “سكي مصر”.
أخبرني “علي” 5 سنوات، أن جلوسنا في المنزل بسبب الكورونا التي تجعل الناس مرضى في حال خروجهم من المنزل، ونصح بضرورة أن يسعل الأشخاص في كمهم، وأضاف في النهاية أنه سيمكن التخلص من الكورونا عندما يضربها الفيروس وينتصر عليها، مؤكدًا أن الفيروس والكورونا أمران مختلفان، وهذا كي يتمكن من الذهاب لأصدقائه.
افتقاد الملاهي
أما “آسر” 5 سنوات فقد أخبرني مستنكرًا أنه يجلس في المنزل بسبب العدوى “إنتي نسيتي؟”، ورغم سنه الصغير فإنه كان يعرف قواعد الحماية من الفيروس جيدًا من غسل الأيدي بالماء والصابون والعد حتى 20، وأننا لا نستطيع رؤية الفيروس، ولكن الأطباء فقط هم من يستطيعون رؤيته، متمنيًا أن يذهب إلى الملاهي فور انتهاء فترة العزل، وواعدًا باصطحابي معه في هذه الرحلة.
ويبدو أن العزلة التي تعاني منها “ملك” 8 سنوات جعلتها تعتقد أن بانتهاء فترة العزل ستتحقق كل الأحلام المؤجلة، فهي مغتربة مع أسرتها في بلد عربي، أي أن العزلة كانت منذ البداية ولكنها فقط تضاعفت، لذا جاءت أحلام ما بعد الكورونا كبيرة بحجم السفر لليابان والذهاب إلى ديزني لاند.
ولأن الملاهي والتحرك بحرية أمر هام افتقده الأطفال بفرض العزل الصحي، فقد تمنت “فاتيما” 7 سنوات، أن تذهب إلى كيدزانيا برفقة أصدقائها بعد أن تنتصر درجة الحرارة المرتفعة على الفيروس المميت. وتمنت “لمى” 7 سنوات، أن تقود دراجتها بحرية وتسافر بعيدًا عن القاهرة بعد أن يلتزم الناس بالعزل وأكل الفاكهة، وتشاركت “فاتيما” و”لمى” رغبتهما في التسوق من السوبر ماركت لشراء مستلزمات المنزل، إن سُمح لهما بالخروج من المنزل خلال فترة العزل.
ولكن بالرغم من ذلك، لم تكن رغبة “أمينة” 3 سنوات، أن تذهب للملاهي فور انتهاء العزل، ولكنها أرادت أن تذهب إلى عمتها، وأكدت ذلك مرتين. مضيفة أنها لا تخرج من المنزل لأن “الكورونا بتعيط”، وعند سؤالها عن كيفية التخلص منها قالت بثقة “الكورونا مش بتمشي، الكورونا بتيجي”.
نصائح الأطفال للكبار
اختلفت إجابة “إيثار” 8 سنوات عن كل الإجابات السابقة، فقد أخبرتني بثقة أن كورونا هو اسم الفيروس، كما أنه اسم لشوكولاتة شهيرة، وإن الفيروس لم يأتِ بسبب أكل الصينيين للخفاش كما يظن الجميع، وإن كان المصدر لا يزال مجهولاً حتى الآن، ولكنه ظهر في الصين، لذا يسميه الجميع بالفيروس الصيني، والحيوانات بريئة من التهم الموجهة إليها. وإن هذا الفيروس أنزله الله علينا لاختبار صبرنا.
أخبرتني “إيثار” كذلك أنها يجب أن تغسل يدها جيدًا بالماء والصابون، لفترة تسمح بغناء الأبجدية الإنجليزية ABC أو غناء Happy Birthday مرتين، وأن الفيروس لا يمكن رؤيته بالعين المجردة ولكن يجب استخدام “فيروسكوب”، الذي قالت إنه شبيه بالتليسكوب ولكنه مخصص لرؤية الفيروس.
أضافت أنها عرفت بإغلاق المساجد وبدعوة المؤذن للصلاة في المنازل، وهذا للحد من انتشار الفيروس، وهي كذلك غير سعيدة بالتعليم عن بُعد، وتفضل الذهاب للمدرسة عن الجلوس أمام الدروس في المنزل. وفي النهاية تمنت أن تسافر إلى الإسكندرية وتزور جدتها فور انتهاء فترة العزل.
كان لـ”كارمن” 5 سنوات، رأي خارج الصندوق تمامًا، فقد نصحت بضرورة الجري سريعًا للهروب من الفيروس الذي يتسبب في موت الناس، وتريد بعد انتهاء فترة العزل أن تذهب للنادي برفقة أصدقائها، وكذلك أن تذهب لجزيرة وتصطاد السمك. بينما كان لشقيقتها “مارية” 9 سنوات، وجهة نظر مختلفة أيضًا، فقد قالت إن فيروس كورونا خلقه الله في البداية بداخل الثعابين، وانتقل منها إلى الخفافيش، واستطاع الانتقال للإنسان عندما تناول شوربة الخفافيش. وأن أعراض كورونا تتشابه بشدة مع أعراض دور البرد القوي مصاحب له ارتفاع في درجة حرارة المريض، وأنه يجب تجنب التجمعات للحد من انتشار الفيروس. وعند سؤالها عن المكان الذي ترغب بالذهاب إليه عند انتهاء فترة العزل، تنهدت بعمق وتغير صوتها قائلة “ده سؤال جميل” وأكملت أنها تريد الذهاب إلى الملاهي ودريم بارك والنادي ومحل الألعاب.
كما تبين، اختلفت ردود الأطفال حسب ما سمح لهم أهلهم بمعرفته عن الفيروس وتدخل خيالهم فيما يقال، فهناك أطفال “ومنهم طفلتي” لم يخبرهم أحد عن تفاصيل الفيروس الذي نواجهه، وآخرون اتجهوا إلى قول تفاصيل الفيروس لأطفالهم، ولا يوجد في هذه الحالة طريقة صحيحة أو خاطئة، ولكن الأمر يعتمد في الأساس على معرفة الأهل بنفسية أطفالهم، وما يمكن أن يتحملوا معرفته، ولا يسبب لهم توترًا زائدًا لا فائدة مرجوَّة منه، وفي نفس الوقت يمدهم بالمعلومات الرئيسية التي يجب أن يعرفوها.
اقرأ أيضًا: هل يعاقبنا الله: أسئلة طفولية في زمن الكورونا