هدى الرافعى
أهم الأدوات المستخدمة في المذاكرة: الكراسة، القلم، الممحاة، وحذاء أو عصا أو حزام!
لا أقول ذلك على سبيل المزاح أو المبالغة، بل هو الواقع عند بعض الأمهات فعلاً. وربما يجعلنا هذا نتعجب من أمر هذا المجتمع الذي يولي الدراسة كل ذلك الاهتمام، ولكنه حقيقة لا يقدر العلم ولا العلماء. إننا لا نهتم بتعليم أبنائنا في المقام الأول ولكن باجتيازهم الامتحانات وانتقالهم من عام دراسي إلى آخر من أجل تحقيق الهدف الأسمى من المشوار التعليمي، ألا وهو: الحصول على الشهادة الكبيرة. وفي سبيل ذلك الهدف يرتكب أولياء الأمور أخطاء كبيرة في حق أبنائهم تضر بشخصيتهم وبعلاقتهم بهم على المدى الطويل، وإليكم بعض هذه الأخطاء..
1- المقارنة
“إشمعنى صاحبك يجيب الفول مارك وإنت لأ؟ أقل منه في إيه؟ ناقص إيد ولا رجل؟ إحنا مقصرين معاك في إيه؟”.
بعض الآباء يصرون على تفوق أبنائهم في كل المواد، ويظنون أن المقارنة بين الأبناء وأقرانهم من الأقارب والأصدقاء تحفزهم ليحققوا نتائج أفضل، ولكن الحقيقة أن تربية الطفل على عدم قبول أقل من المركز الأول تخلق لديه مشاعر الحسد والبغضاء تجاه كل من يتفوق عليه، وهو أمر لا مفر منه. كما أن المقارنة تُضعِف ثقة الطفل بنفسه، وتصرفه إلى التركيز على نقاط ضعفه بدلاً من استثمار نقاط قوته. وليس من المنطق ولا من العدل أن نسعى إلى طمس ما يجعل كل إنسان متفردًا وصنع قوالب متماثلة نحبس فيها أبناءنا. ويؤكد هذا المعنى نظرية الذكاء المتعدد لـ”هوارد جاردنر” الذي يوضح أن الفرق بين الأفراد ليس في مقدار ذكائهم، بل في نوعية هذا الذكاء. وعدّد ثمانية أنواع للذكاء: اللغوي، البصري المكاني، الجسمي الحركي، الطبيعي، الموسيقي، المنطقي الرياضي، الاجتماعي، الذاتي.
2- الصراخ والإهانة
أظن أنه من النادر أن تجد أمًا لم تصرخ في أبنائها بسبب المدرسة والمذاكرة، أو توبخه، أو تسبه، كما أن بعض الآباء ينقدون أبناءهم باستمرار مهما كان أداؤهم الدراسي جيدًا بدعوى تحفيزهم ليرتقوا بمستواهم. كل هذه الممارسات تضر بشخصية الطفل أيما ضرر، حيث تضعف ثقته بنفسه، وتربي لديه عقدة شعور بالذنب وتجعله يشعر دائمًا بالتقصير، فلا يرضى عن نفسه ولا يُقدّر أبدًا أي نجاح يحققه أو شيء جيد يقوم به، كما يخاف من الخطأ، ولا يقبل الفشل كشيء طبيعي في الحياة… إلخ. وربما تعانين أنتِ شخصيًا من مثل هذه المشكلات في شخصيتك وطريقة تفكيرك، وتعلمين كم هي مزعجة ومعوقة لكِ عن تحقيق مزيد من النجاح والسعادة في حياتك.
3- الضرب
أحيانًا يتخطى الآباء مرحلة استخدام اللسان إلى استخدام اليد. لن أتكلم عن أضرار الضرب لأنني أظن أن أغلبنا يعرفها، وإن كان هناك البعض ممن لا يزالون يعتقدون أن الضرب مفيد ولا يمكن الاستغناء عنه في التربية الناجحة، في حين أن الخبراء يذكرون أن أحد مؤشرات التربية الناجحة أن تجد نفسك مستغنيًا عن الضرب، فهذا معناه أن لديك مهارة في التعامل مع أبنائك وأنك قادر على استخدام الكثير من وسائل التأديب الأخرى.
يقول الخبراء أيضًا إن علينا أن ننظر إلى الضرب في مسألة التأديب باعتباره الشيء الذي لا يصح أن نفكر فيه، فالطفل الصغير (قبل العاشرة، وقبل الثالثة عشرة عند بعض التربويين) لا يعقل الرسالة الموجهة له من خلال الضرب. ولا يصح اللجوء إلى أي ضرب، ويقول د. عبد الكريم بكار في كتابه “القواعد العشر” والصادر عن دار السلام: “وإذا كان الضرب كله شيئًا ينبغي الابتعاد عنه، فإن الضرب على الوجه، وأمام الناس، والضرب المؤلم جدًا، كل ذلك ينبغي الحذر منه أشد الحذر. إن الدول قد توقفت عن التعذيب والضرب في السجون لما ينطوي عليه من الإهانة والإضرار بإنسانية الإنسان، وإن علينا أن نتوقف عنه أيضًا في بيوتنا من باب أولى”.
4- إعلان حالة الطوارئ
وقف الأنشطة التي يلتحق بها الأبناء في الإجازات، ومنعهم من ممارسة هواياتهم، وتقليل الزيارات الاجتماعية إلى حد كبير. لماذا؟ لأن الوقت ضيق، والتفوق في الدراسة هو الأهم. وهل الحل هو وقف كل ما سوى الدراسة ومتعلقاتها؟
أولاً: إننا -نحن وأبناءنا- بحاجة إلى الترويح عن أنفسنا من أجل تجديد نشاطنا. وثانيًا: التفوق ليس مقصورًا على الدراسة، بل هو تكامل النجاح في شتى مناحي الحياة بما فيها الهوايات والأنشطة والعلاقات الاجتماعية والأسرية والعلاقة مع الله، والنجاح في جانب على حساب باقي الجوانب ليس نجاحًا بل هو فشل. بالإضافة إلى أن التعليم النظامي لا يعدو أن يكون واحدًا من روافد التعلم الكثيرة كتلك الأنشطة والهوايات والعلاقات الاجتماعية التي نوقفها.
5- تحمل مسؤوليات الطفل
تبدأ الأم في حمل هم الدراسة الثقيل منذ التحاق الطفل برياض الأطفال، ويزداد هذا الشعور يومًا بعد يوم حتى تشعر الأم أن المذاكرة مسؤوليتها هي وليست مسؤولية الطفل، فربما تؤدي عنه واجباته، أو تقوم بالمطلوب منه نيابة عنه، وتتصل بأصدقائه لتسأل عن الواجبات أو عما فاته في اليوم الدراسي، وتتدخل لحل مشكلاته مع أصدقائه… إلخ. وبذلك تخلق شخصية اعتمادية، غير واثقة بنفسها، لديها مهارات ضعيفة في حل المشكلات وإدارة العلاقات.
عزيزتي الأم، عزيزي الأب: إن علاقتنا بأبنائنا أهم من التفوق الدراسي الذي لا يمثل كل شيء ولا أهم شيء في الحياة. وهذا ليس معناه أن نربي أطفالاً جهلاء، فالأطفال يولدون باستعداد فطري للاكتشاف والمعرفة والتعلم، ولكن ضغطنا الدائم عليهم هو الذي ينفّرهم مما نحن حريصون عليه. ودعونا أيضًا نعترف أن التعليم في مصر ليس تعليمًا، ووفقًا للإحصاءات والتقارير العالمية فإن التعليم الأساسي في مصر هو الأسوأ على مستوى العالم، وحتى باقي المراحل ليست بحال جيدة كما لا يخفى على أحد.
تريد لأبنائك أن يتعلموا؟ أحبهم واقبلهم بلا شروط وشجعهم، فقد أكدت دراسات النمو المعرفي على أن العقل ينشطه الأمن ويحجمه التوتر. والحب لن يساعدهم على التعلم فقط بل سيخلق منهم أشخاصًا أسوياء وسعداء، وهو ما نريده لأبنائنا.
ملحوظة: أرشح لكِ كتاب: “أغيثوني.. كيف أساعد ابني في المذاكرة” (عزة تهامي، نهضة مصر)، إذ يناقش بعض المشكلات التي يواجهها الآباء مع الأبناء أثناء العام الدراسي كأداء الواجبات وضعف الحافز للدراسة… إلخ، ويقدم حلولاً لها من خلال تجارب واقعية لأمهات عانين من هذه المشكلات ونجحن في التعامل معها، كما يناقش مسائل أخرى هامة كالاستعداد للامتحانات والتواصل مع المعلمين وغير ذلك.
الأطفال يولدون باستعداد فطري للمعرفة والتعلم.. فكيف ننميه داخلهم؟