حب الاباء للأبناء وسحر العلاقة بينهما وسر الخرف على الأبناء

1856

تسألني مريم: ماما.. هل يحبنا الله؟ هل يحب الناس؟ كل الناس؟ كيف يوزع الله حبه على الناس؟!

أخبرك أن الله عادل يا مريم، ولديه الكثير ليعطيه لنا، فتباغتيني بالسؤال الأصعب: “ماما هل تحبي لينة أكثر أم أنا؟ ماما هل أنتِ عادلة؟ ماما هل تريني؟ أنا غير مرئية.. أنا خارقة كأفلام الكارتون”.

نضحك. أحملك وأدور بك حول نفسي، أحتضنك بشدة ثم تقبليني وتخبريني بعين كلها لوم: “ماما أنا مرئية ولكن أنت لا تريني”.

لا أراك كيف؟!

لقد رأيتك قبل أن أراكِ يا مريم، في المنام أتاني رجل يبدو على هيئته الطيبة والصلاح، أعطاني نبتة صغيرة وأخبرني أنها لمريم. وعندما سألته مريم مَن! ابتسم وتحوَّل إلى نور. بعدها بأيام أخبرني الطبيب أنني أحمل في أحشائي عطية من الله وعليَّ أن أحسن استقبالها، فأبتسم وأخبره أنها بنت وسأسميها مريم.

ما هذه القسوة يا “مريم”؟!

لا أعلم من أين تأتي بهذا الكلام وما كل هذه القسوة! أنا أحبك يا “مريم”، أنت وأختك بُصلَتي التي تحركني. ليس صحيحًا أن حُب واحدة يطغى على حب الأخرى. حُبكما يختمر في قلبي، كل كلمة “بحبك يا ماما” تهمسين بها في أُذني يترجمها قلبي لمشاعر لا نهائية من الحب والخوف والمسؤولية والقلق والطمأنينة.. سلسلة لا نهائية من مشاعر مختلطة لم يختبرها قلبي من قبلك.

أنا أحبك يا مريم. سنوات عمرك الأربعة أضافت لعمري الكثير من النضج والصبر، ولقلبي الكثير من الفرح والدهشة والبراءة. ربما لا تعي أنتِ ما فعله وجودك بحياتي وكيف أعاد ترتيبي، كيف جعلني أكثر رقة وهشاشة.

يا مريم.. سأخبرك سرًا، أنا لم أختبر مشاعر الأمومة سوى معكِ أنتِ، معكِ شعرت أنني أم، لأول مرة أتصرف كالأمهات، لا كتب ولا دراسات ولا تربية حديثة، لا أصدق أي تجارب أو أبحاث، فقط أصدق حدسي ومشاعري، أتحول معك إلى أم فقط، أُنحِّي شهاداتي في التربية جانبًا وأتأمل ردود أفعالك وحركاتك وأخطاءك، وأعالجها بغريزتي، ودائمًا ما ننجح. نقف معًا ونخبر العلم الحديث أن مشاعرنا قادرة على الانتصار على معادلاتكم وحساباتكم، مشاعرنا أصدق من علوم الدنيا كافة.

أسس التربية الحديثة

ربما أنا ولينة حالة أخرى، لم تكن مشاعري تجاه لينة مشاعر أم، كانت هي صديقة الغربة وصديقة التجربة الأولى. تحملت أخطائي وأنا أم لأول مرة. كنت أقسو عليها أحيانًا وأنا أُطبِّق عليها أسس التربية الحديثة، كنت أتعامل معها دائمًا بهاجس المثالية، لم أدرك أن كل هذا هراء إلا عندما جئتِ أنتِ، وعلمتِني أن ثلاثتنا تجربة خاصة وفريدة، أن مشاعرنا أقوى من النظريات، أن الأمومة أكبر من تصوراتي الضيقة، معكِ لا توجد حسابات، بوجودك اختبرت الأمومة الحقيقية وأدركت أنني مدينة للينة بالاعتذار، ومدينة لكِ بدهشة المعرفة.

أول يوم مدرسة

هذا العام هو عامك الدراسي الأول، ربما ذهابك للمدرسة وانفصالنا للمرة الأولى جعلك تشعرين أنني لا أعيرك الاهتمام، هذه الخطوة التي نفقد فيها توازننا ونختبر فيها الوحدة للمرة الأولى. أتذكر يومي الأول في المدرسة، عندما أفلتت أمي كفي الصغيرة، شعرت حينها أن العالم يبتلعني. اختفت أمي واختفى معها خط دفاعي الأول في الحياة. أتذكر نظراتي البريئة في وجوه الآخرين وصرختي التي ظلت مكتومة للأبد “أريد أمي”، شعوري هذا الذي لازمني في كل مواقف حياتي المشابهة، على أبواب الجامعة وسكن الطالبات، في أروقة المطارات وشوارع الغربة، تضاءل أمام كفك الصغيرة وهي تفلتني أمام باب المدرسة، هذه المرة شعرت أن العالم بأسره يفلتني من يده، كل الكفوف التي كانت تمنحني الأمان اختفت فجأة؛ وجودك يستحضر الطمأنينة في قلبي، أستند عليه وأمضي، أواجه الحياة وخوفي.

يا مريم.. قلبي كقطعة البازل التي لم تكتمل سوى بميلادكما أنتِ ولينة. يا مريم الله عادل ورحيم، منح الأمهات قلوبًا تتسع للعالم على كبره، تعطي بسخاء بلا مقابل، وقلبي كله لكما.

اقرأ أيضًا: كيف يشعر الأطفال بالحب؟

المقالة السابقةلا تقبلوا بالقُبحِ مكافأةً على الصبرِ الجميل
المقالة القادمةهل يتملك شعور الخوف من المواجهة؟ تعرفي على كيفية التخلص من ذلك الخوف
أمل طه
صحفية وكاتبة مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا