بيني وبين أخي الأصغر ثماني سنوات، ولما كنت بدأت الكتابة بسن العاشرة، اعتدت أن أقُص عليه ما أكتبه، وأستمتع بانبهاره بحكاياتي، حتى أنني ما زلت أتذكر نظرته لي كما لو كُنت ساحرة تخلق الحياة من العَدَم.
لذا كان من الصادم لي فشلي بتأليف الحكايات بعد أن صِرت أمًا! وأمام اضطراري اللجوء إلى قصص كتبها آخرون لأرويها لطفلتي، وجدتني لا أُفَضِّل الــ”Fairy Tales”، بل أراها ذات بناء نَمَطي يُمكن وَصفه بالقُبح، إذا ما تأملنا الأفكار التي مرَّرَتها لنا تلك الحكايات بقَصد أو بدون.
(1)
كلهنَّ ضعيفات حتى يأتي الأمير
كَم من حكايات تربينَّا عليها رسَّخت بأذهاننا أن حياة المرأة لن تكتمل إلا بقدوم الأمير! صوَّروا لنا الرجال كفرسان نُبلاء، أما النساء فإما مُستضعفات تنتظرنَّ المُنقذ المغوار، أو متقاتلات في ما بينهن للفوز بلقب زوجة.لم يُخبروننا أن الملاذ الحقيقي هو الروح، وأن بيوتًا بأكملها تُقام على أكتاف النساء. أو أن الكثير من الرجال لا يجدون غضاضة بهدم بيوت بذلت فيها نساؤهم أعمارهن وبنينها معهم من الصفر حرفيًا في سبيل نزوة حقيرة.
(2)
الجميلات هُن الجميلات
الجَمال مسألة نسبية تمامًا، وبالتالي يصبح من المنطقي خضوعها للذوق الشخصي لا الوَعي الجَمعي، الأمر الذي يجعل قولبة الجمال داخل حَيِّز “العين الملونة، البشرة البيضاء، الشعر الناعم، النحافة… إلخ)، ليس فقط غير مقبول بل وغير مفهوم.
وحتى مع إدراك اختلاف الانطباعات الفردية تظل كل النساء جميلات، لا من باب أن جمال الروح خيرٌ وأبقى، ولكن لأن كل النساء جميلات بالفعل. الأمر فقط يَستَلزِم القُدرة على عَدم إطلاق الأحكام ومَنح الآخر القبول غير المشروط، ومن ثَمَّ يُمكن استبصار نقاط الجمال.
(3)
الزواج هو الحل
الزواج نظام اجتماعي مُهم أساسه الحُب والأُلفة، استمراره مرهون بأن يظل حبَل الود ممدودًا. وبقَدر ما يوجد محظوظون كان زواجهم أفضل ما حدث بحياتهم، فإن ذلك لا يَكفي لتعميم القاعدة أو لتتويج الزواج كهدف سامٍ والطريق الوحيد للسعادة.
فنحن لا نتزوج لنعيش، وإنما لأننا وجدنا شريكًا نُريد الائتناس به خلال مشوار الحياة الذي سنُكمله برفقته، لا سنُنهيه رافعين راية الوصول بمجرد العثور عليه، فنستمتع معًا بمحطات الدنيا الكثيرة فيما يُحقق كل منا نجاحات أخرى. وحتى إذا لم يتقاطع طريقنا مع من يستحق مُقاسمتنا إياه، ستظل السعادة مُتاحة بالرحلة، حتى ولو مضينا بها وحيدين.
(4)
إما أن تكوني تابعة وإما تصبحين عَدوّة
النساء بالقصص الخيالية مَرهونات بالبقاء في المَنزل، سواء كرَبَّات بيوت أو أخوات أو خادمات، وحتى الملكة تكتسب مكانتها باعتبارها “زوجة الملك”، فيقتصر دورها على توفير البيئة الآمنة التي تسمح له بخوض معاركه وتحقيق ذاته، دون قلق على مصير الأبناء، أو الخوف من الشعور بالخواء متى عاد من أسفاره. أما النساء صاحبات التأثير بمجرى الأحداث بجانب الشر، فتُصَوَّرن ساحرات مغضوب عليهنَّ، ومرغوب التَخَلُّص منهن لأنهن جرؤن على التَحَدي وقَول لا.
(5)
أبيض أو أسود
ما مِن خير مُطلَق ولا شر مُطلَق، ولكل فِعل رد فِعل مُساوٍ له بالقوة ومُضاد له بالاتجاه، هذا هو ما علمَّتنا إياه الحياة، وعلى ذلك يأتي أبطال الحكايات إما طيبين جدًا أو أشرار جدًا، دون إتاحة أي مساحات رمادية للخطأ.
وفيما اكتسب الطيبون امتيازهم، لا لشيء سوى أنهم لم يُوضَعوا -بَعد- بمَحَل اختيار يُجبرهم على اختبار مبادئهم، فإن أحدًا لم يُخبرنا كذلك عن السر الذي دعى الأشرار لصَب لعناتهم على الجميع، حَد استعدادهم التام لخسارة إنسانيتهم في سبيل الانتقام.
(6)
أسياد وعَبيد
“قلعة ضخمة، ابنة الملك، حبيب أمير، حَرَس وخُدَّام” هذه هي العناصر التي بُنيَت عليها مُعظم الحكايات، مُرَسِّخةً بدورها -وبشكل لا يضع مجالاً للشك- للطبَقية. والمجال الوحيد لغير ذلك، أن تضيق الحال بالأبطال. فإذا بسنووايت تضطر للعيَش في كوخ برفقة سبعة رجال، وسندريلا تقبل خدمة زوجة أبيها وابنتيها، بدلاً من أن تثورا على الظلم، فيما تنتظران ظهور أمير وسيم يُعيدهما لعالم الثراء والأرستقراطية.
(7)
التَعَطِّش للدماء
تُرى ما الذي كان يدور بعقل صانعي الحكايات حين قرروا جعل القتل العقاب الأقرب للتنفيذ مع كل مَن يُخالف القرارات أو يملك رغبات غير تلك التي لدى أصحاب السلطة؟
فسواء على جانب الخير أو الشر، أتى الإعدام أو المُطاردة في سبيل القَتل، كخيار أول وأخير لمواجهة الخارجين عن الحُكم. مما يُصَوِّر العنف كحل مُبرر للمشكلات، خصوصًا إذا ما توفرَّ لمَن يُمارسه القوة أو النفوذ التي تضمن له ألا يوقفه أحد أو يُحاسبه.
(8)
خَلط المفاهيم
بخيال أطفالنا، هم لا يختلفون في شيء عن أبطال الحكايات، مما يجعل من غير الصائب أن نحكي لهم قصصًا تتناقض مع ما نُحاول زرعه داخلهم من مبادئ، مُتوقعين منهم قُدرتهم على عدم خلط الأوراق.
فجاك الذي تسلَّق حبة الفاصوليا السحرية كان لصًا، والعملاق لم يكن سوى شخص يُدافع عن ممتلكاته. الأقزام ليسوا مادة للسخرية، أما الأمير الذي قرر فَتح تابوت تُرك في الغابة وتقبيل جثة امرأة هامدة، فهو إما غريب الأطوار وإما مُتَحَرِّش.
(9)
الحلول السحرية
الجميع بلا استثناء تُعرقلهم الحياة، واضعةً في طريقهم المشَقَّات، الفارق ينتُج من تعامل كل شخص مع مشكلاته. هنا يظهر الاختلاف بين مَن تعلَّم مواجهة أقداره واتخاذ القرارات مُتحملاً ما يليها من عواقب، ومن ترَبَّى على حكايات جاءت الحلول بها خيالية أو سحرية أو على يَد آخرين، فبات مُقتنعًا أن لا بأس من الانتظار وأن هناك من سيأتي ويُنقذه مُتكبدًا هو حده كل العناء.
(10)
They Lived Happily Ever After!
الحياة لا تسير أبدًا على وتيرة واحدة، والفوز بعريس الأحلام، أو حتى الشريك المثالي لما رَتِّبنا عليه أولوياتنا لا يَعني بالضرورة أننا سنبقى سُعداء للأبد، أو أننا سنظل معًا من الأصل.
لذا حين نقوم بتجنيب أولادنا رؤية جوانب الواقع السلبية، عسانا نحمي قلوبهم من استشعار المُعاناة، فإننا بهذه الطريقة لن نُزيدهم إلا ضعفًا متى كشَّرت الحياة بوجوههم عن مخالبها الحقيقية، وهو ما سيحدث عاجلاً أو آجلاً. مما يجعل من الأفضل أن نكون نحن من يُخبرهم بأن الأبواب المُغلَقة تَخفي خلفها بكاءً وقهرًا وشعورًا بالفشل من وقتٍ لآخر، بالقدر نفسه التي تُخفي خلفها ضحكًا وأحضانًا وشعورًا بالأمان.