تعديل سلوك الطفل والتخلص من فعل رمي الأشياء عند الغضب

5601

بدأت طفلتي التي تبلغ 19 شهرًا منذ أسابيع في ممارسة هواية جديدة من هواياتها المدمرة لأعصابي، وهي هواية رمي الطعام على الأرض بكل مرح في البداية، ثم بكل عِناد الآن. أنا أم عصبية أبذل جهدًا كبيرًا للسيطرة على أعصابي وانفعالاتي وهوسي بالحد الأدنى من النظام، وهي طفلة شديدة العناد تعرف ما تريد وتعرف كيف تصر عليه حتى النهاية.

هوايتها الجديدة كانت مزعجة بالنسبة لي، وأخذ الانزعاج يزيد للدرجة التي جعلتني منذ أيام قليلة أبكي معظم اليوم، لأني أشعر بالعجز الشديد والإحباط المتراكم لعدم قدرتي على السيطرة على هذه المشكلة، التي لا تقف عند استنزاف طاقتي ومجهودي في التنظيف، بل تمتد امتدادًا لطيفًا للإحراج المتفاقم، خصوصًا في الزيارات العائلية أو المطاعم، وفي الغالب يكون الإحراج ممزوجًا بضغط التعليقات والتوصيات ومصمصات الشفاه.

استيقظت في اليوم التالي للبكاء المتواصل، وقد استدركت أني تأخرت في اللجوء للرفيق الطيب “جوجل”،  بحثت بكلمات “toddler throwingfood “، ورغم كل الإحباط الذي بدأت به، لكن شيوع المشكلة والعدد الهائل من المقالات والتجارب التي وجدتها طيبت خاطري، وجعلتني أدرك مدى شيوع المشكلة وانتشارها، وهو ما شجعني أيضًا لأنقل الخطوط العريضة لأسباب المشكلة وأفكار للتغلب عليها.

لماذا يرمي الأطفال الأكل على الأرض؟

لا يوجد في الحقيقة إجابة قاطعة على هذا السؤال، ولكن يشيع جدًا بين الأطفال في السنة الثانية (وربما أكثر) سلوك رمي الطعام، ويحتمل أن يكون السبب مثلاً:

 

– أن الأطفال لا يميزون معنى خاصًا لأهمية الطعام أو لقدسيته، ويقومون معه بوظيفتهم الأساسية المقدسة، وهي الاستكشاف باللعب، سيحاولون استكشاف الملمس والقوام والرائحة والطعم، نحن نعرف أن الزبادي تؤكل بالملعقة، ولكنهم يعتقدون أن الموضوع يحتمل فرص أكثر وأغنى بكثير.

– أن الطفل غير جائع وغير مهتم بتناول الطعام.

– أن الطعام لا يعجب الطفل. الأطفال أيضًا لديهم أصناف مفضلة، ولديهم أوقات يفضلون فيها صنف من الطعام وأوقات أخرى لا يفضلون نفس الصنف. (ملوش نفس ياكل بطاطس النهارده!).

– أنه يفتقد لاهتمامك، أنت تطبخين أو تعملين أو تشاهدين التلفاز وهو يأكل، وهو يريدك أن تنظري إليه وتشاركيه اللحظة وتشجعيه.

– أنه يعبر عن غضبه منك أو من أي موقف محبط.

– الرغبة في النوم.

– يلعب.

ستمر الكثير (جدًا) من المرات دون أن تتعرفي يقينًا على السبب؛ تحلِّي بالصبر.

الشعرة الفاصلة بين الاستكشاف واحترام النظام:

تمر الكثير من اللحظات التي أصدق فيها تمامًا، أن طفلتي من حقها أن تستكشف الطعام وتجرب غمس أصابعها في كوب الزبادي، أو وضع وجهها بالكامل في طبق الشوربة، أو ترفع طبق الملوخية لتشربه بدلاً من استخدام الخبز أو الأرز أو الملعقة، أو حتى تسقي ملابسها بالماء بعد الانتهاء من الشرب. في كل هذه المراحل كنت أصدق تمامًا أنه حقها في اللعب والاستكشاف، وأن من واجبي توفير المكان المناسب لها، وضبط أعصابي وانفعالاتي حتى تمر المرحلة بسلام.

 

بدأت حيرتي عندما بدأت الصغيرة ترمي طعامها على الأرض بكل قصد، وهي تنظر في عيني نظرة تحدٍ تختبر بها صرامة النظام، بعد أن رفضت سلوكها أكثر من مرة بالنظر والصوت الحاسم والصراخ والانفعال.

 

أفكار للتعامل مع سلوك رمي الطعام:

مثل كل الحلول والأفكار والمناهج التربوية، لا يوجد حلاً جذريًا ولا طريقة هي الأفضل في المطلق، ولكن طبيعة شخصيتك، وطبيعة شخصية طفلك، وطبيعة العلاقة بينكما، وطبيعة نظام المنزل، وسياق الموقف الذي يختلف بأسبابه تمامًا في كل مرة يرمي فيها الأكل، كل هذه محددات وعوامل تتدخل في الحل أو الفكرة التي ستختارين تطبيقها، وفي نتيجتها المتوقعة معكما.

 

1- قرري ما هي الحدود المناسبة لك، ما هي حدود اللعب المسموح، وما هو الخط الأحمر، حاولي أن تكوني مرنة ومتقبلة لطبيعة المرحلة وخسائرها المتوقعة.

 

2- من المهم جدًا تحديد مكان ثابت لروتين الأكل، هذا يُمكِّنك من السيطرة على عملية التنظيف وسيقلل من إمكانية توزيع الخسائر على محيط الغرف وأركانها والمفروشات والسجاد.

 

3- ضعي كمية محدودة من الطعام في الطبق، كل أم تعرف بالتقريب حجم وجبة طفلها، وتستطيع أن تقدر شهيته في الوجبات المختلفة، لا داعي للطموح الزائد، يمكنك إضافة المزيد لطبقه الصغير مرة أو مرتين أفضل كثيرًا من أن يرسم ببقايا طبقه الممتلئ لوحة فنية على الأرض.

 

4- شاركي الطفل وجبته، ليس فقط بالأكل إذا لم يكن هذا موعد وجبتك، ولكن انتباهك له ومشاركتك له بالكلام، تعريفه على أنواع الطعام في طبقه، وألوانها، ألوان الطبق ورسوماته، تأليف الأغاني المضحكة والمرتجلة والسريعة عن الأكل والشخصيات المحببة له وفمه الممتلئ، كلها أشياء من شأنها أن تجعل طفلك أكثر انغماسًا وانشغالاً بمشاركة اللحظة عن رمي الطعام.

 

5- شتتي انتباههفي اللحظة التي ترينه يستعد لرمي الملعقة، أو ملء قبضته بالطعام استعدادًا لرميها، اشغليه فورًا بموضوع آخر، بنبرة حماسية وصوت عالٍ، ذكريه برحلتكما لحديقة الحيوان، اسأليه عن الاسم الذي اختارته للعروسة الجديدة، اطلبي منه أن يطعمك.. استخدمي خيالك، وتذكري أنك لست بحاجة دائمًا إلى أفكار عميقة لمشاركتها، يكفي أن تكوني الطفلة التي بداخلك بكل بساطتها ودهشتها.

 

6- ضعي له طبقًا فارغًا بجوار طبق طعامه الرئيسي، يحب الأطفال فكرة نقل الأشياء عمومًا من وعاء لآخر.

 

7- جربي القصص الخيالية من نوعية أن الطعام يحزن أيضًا ويشعر بالألم لرميه، وأنه يكون سعيدًا عندما نحافظ عليه ونبقيه في الطبق أو على المنضدة، وقومي بتمثيل صوت الطعام وبكائه أو فرحته، وهكذا. (لم تجدِ معي هذه الطريقة نفعًا، واعتبرتها صغيرتي مشهدًا كرتونيًا مفضلاً، تكرر رمي الطعام وتطلب مني تقليد بكائه).

 

8- ارفعي طبق الطعام من أمامه فورًا بمجرد أن يبدأ في رمي الطعام، أخبريه أن الطعام يؤكل، وإذا لم يكن جائعًا يمكننا حفظه في المطبخ أو على المنضدة لحين احتياجه للطعام. هذا الحل أكثر حسمًا وصعوبة ويناسب الأطفال فوق 18 شهرًاا، يجب أن تكوني حاسمة في هذا القرار:

– توقعي أنه سيبكي ويطلب الطعام، اشترطي عليه أن يأكل بهدوء ويحافظ على نظافة المكان.

– قدمي له الطعام، إذا عاود الرمي، خذيه فورًا.

– امتنعي عن معاودة تقديم الطبق إلا في موعد الوجبة التالية.

– حاولي الحفاظ على هدوء وجهك وثبات نبرة صوتك مهما كان رد فعله.

 

9- لا تعلقي على سلوك الطفل، اتركيه ينتهي من أكل ما يأكل ورمي ما يرمي، وبعد أن يخبرك بانتهائه، أخبريه بهدوء أنه سيكون عليه تنظيف المكان من الطعام قبل أي شيء، لا تستخدمي نبرة تحدٍ أو صراخ، فقط نبرة حاسمة وصوت منخفض، وتواصلي مع عينيه. الهدف من هذه الفكرة هو توجيه الاهتمام للمحافظة على النظافة الشخصية ونظافة المكان عمومًا:

– شجعيه على لملمة الطعام في الطبق أو في سلة، وساعديه مساعدة بسيطة.

– إذا حاول تشتيت انتباهك، كرري أنكما بحاجة لتنظيف المكان قبل التفكير في نشاط جديد.

– إذا حاول الانشغال بشيء آخر والهروب من المهمة يمكنك أن تمسكي بيده أو ذراعه برفق وتوجهيها لجمع الطعام.

– تحلي بالصبر والمثابرة، الأطفال تستشعر جيدًا ما إذا كنا نقصد ما نقوله فعلاً، أم أننا سنخضع للضغط والزن والبكاء.

– اشكريه لمحافظته على نظافة المكان، وكرري عليه في المرات القادمة أننا من المهم أن نحافظ على نظافة المكان كي لا نتعب في تنظيفه، وحتى نوفر وقتنا وطاقتنا لأنشطة أخرى.

 

الحل الأخير هو الأجدى معي حتى الآن، ولكن لا غنى عن مزج الأفكار واختراع غيرها وفقًا للزمان والمكان. قد يستمر هذا السلوك مع طفلك لأيام أو لسنوات، ولكن كثيرًا من تجارب الأمهات تخبر أنه عادة لا يزيد عن 3 إلى 4 أشهر، وهو خبر سار على الأقل بالنسبة لي. غير أني لن أستسلم لمزيد من العشم، حيث إن الأمومة ما هي إلا قتل عفاريت مرحلة لمواجهة عفاريت المراحل التالية.. وهكذا، إلى ما لا نهاية.

المقالة السابقةطرقات الله الرحبة جدًا
المقالة القادمةهل يمكن أن تردي لي قلبي يا فريدة؟
كاتبة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا