أكبر مخاوف الأمهات العاملات وخصوصًا الناجحات منهن، هو الخوف من ضياع المستقبل وفقدان الكاريير.. أكتب هذا المقال وأنا أعلم جيدًا كم المخاوف لأني اختبرتها في مشوار أمومتي، وأظن أني تجاوزتها ببراعة.
في البدء يجب أن تناقشي نفسك وزوجك في خطة استقبال هذا الكائن الجديد، ومن قبل ذلك يجب أن تحددي مع نفسك أولوياتك، بعد صراع أثناء الحمل كنت قد قررت أن أولويتي الأولى هي طفلتي الصغيرة، لكني لن أتخلَّى عن مستقبلي الذي تعبت فيه لسنوات طويلة، وكنت على أعتاب إنهاء العديد من الخطوات فيه، فكنت في ذلك الوقت أعد رسالة الدكتوراه والآن أنهيتها.
مع ذلك القرار بدأ يتشكل وعي لحقيقة جديدة غير سعيدة بالنسبة لتكويني، وهي أنني ربما أتخلى عن بعض الأشياء التي أقوم بها، وظللت أحصر مهامي وأكتبها أمامي وأحاول إعادة رسم الخطة.
هناك بعض القواعد التي يجب أن أخبرك بها، والتي يجب عليكِ استغلالها جيدًا، بداية من حقك الآن وفقًا لقانون العمل أن يكون لديك إجازة وضع أربعة أشهر (في القانون القديم كانت ثلاثة أشهر)، لذا عليكِ أخذهم والتفاوض مع صاحب العمل إذا أراد أن ينتقص منهم، وصدقيني تخلي عن العمل الذي يريد صاحبه استغلالك، ففي هذه المرحلة أنتِ تحتاجين لعالم مساند يقدر أمومتك.
سأحكي لك كيف فعلت ذلك، فبعد إجازة من العمل لثلاثة أشهر قررت النزول ليوم واحد في الأسبوع، ثم في الشهر الرابع زودت الأمر قليلاً إلى يومين واستقريت حتى الآن في ذلك.
كنت أذهب إلى العمل بمرافقة طفلتي وبيبي سيتر، ووفر لي العمل حجرة لجلوس الطفلة مع البيبي سيتر، دعيني أحدثك قليلاً عن معايير اختيار تلك التي سترافق طفلك.
أكثر ما كان يفرق معي هو الأمانة والثقافة، لذا فاختيار طلبة الجامعة اختيار موفق وخصوصًا إذا كنتِ تعرفينها من قبل أو تعرفين أحد يعرفها، سيضمن لك ذلك قدرًا من الثقافة وميزانية معقولة. عليكِ أيضًا بالتأكد من مدى التزامهن، لذا أنصح بوجود أكثر من واحدة. كنت أتردد على بنتين للتوفيق بين جداولهما الدراسية وحتى تعتاد الطفلة عليهما.
يجب أن تحددي المهام التي ستقوم بها، وتضعين قواعد واضحة، وذلك لعدم خبرتها، كنت أحذرهما من إعطائها أي مأكولات أو مياه وإخباري فورًا في حالة بكائها وعدم تغيير الحفاضة لها أو تعريضها لبرامج وأغاني على الموبايل إلا بعلمي.
كنت أخبرهما أيضًا بمنطق كل تصرف حتى تقدران خطورته وخصوصًا في الشهور الأولى.
إذا وافق العمل على إحضار الطفل معك يجب ألا تخجلي من أي تصرف يلبي احتياجاته الأولية، أتذكر أنني كنت أضع ساتر الرضاعة في الاجتماعات وأرضع الصغيرة لأنها جائعة، أو أترك الاجتماع لدقائق لأن الطفلة تحتاج لتغيير الحفاضة.
ودائمًا راجعي أولوياتك، فإذا كنتِ اخترتِ الطفل كأولوية فلا تحزني على تركك لفرص لم يُقدِّر فيها الآخرون أمومتك، سأحكي عن موقف غاظني بشدة، كنت قد اتفقت مع إحدى المؤسسات لإقامة تدريب، وطلبت حجرة إضافية لأن طفلتي ستحضر معي برفقة البيبي سيتر، وهم وافقوا، وبعد أن أنهيت المحاضرة، فوجئت بأن طفلتي غير موجودة في المكان الذي وضعتها فيه، وعندما هاتفت البيبي سيتر وجدتها في الحديقة في الشتاء لأنهم أخبروها أن هذا مكان عمل ولا يصح فيه بكاء الصغار، بالطبع لم أذهب مرة أخرى إلى هناك، وأخبرتهم بعدم مسؤولية ما فعلوه وأنهم لم ينفذوا الاتفاق، فالموافقة على حضور الصغيرة تعني أنها ربما تبكي.
لم أحزن على ترك هذه الفرصة، وبعدها لم يتكرر الموقف ثانية. كنت أذهب إلى التدريبات في أماكن أخرى ومعي الصغيرة والبيبي سيتر، وأجد تشجيعًا وإعجابًا، وربما ألهمت إحداهن وشاركتني في أنها تريد فعل ذلك في حملها القادم.
إنجاح الأمر يحتاج إلى كونك قد بدأتِ العمل مبكرًا قبل الولادة، حتى تستطيعين وضع شروط مقبولة، فللأسف في مجتمعنا لا تقدر الأم العاملة، فالكثير لن يقبلها، وستكون المبررات كثرة الغياب واعتبار أطفالها كأولولية عن العمل رغم عدم تقصيرها، لكن الأمر يحتاج لمرونة من صاحب العمل وقدرة على التفاوض معه، لا تشعري أنك تفعلين جريمة حين تطالبين بحقوقك، وقراءتك لقانون العمل مهمة جدًا. أنا اكتشفت مثلاً أن قانون العمل يعطيني ساعة في الانصراف مبكرة عن موعدك في حالة الحمل.
أيضًا يحتاج الأمر لشريك مساند، وهو أمر ضروري جدًا، ما زلت أتذكر يوم تأخر البيبي سيتر وكان لدي جلسة مع إحدى المريضات، فعلى الفور جاء زوجي وجلس في العمل بالطفلة، ولم يخجل أن يجلس معها في غرفة البيبي سيتر حتى تحضر.
هناك أفكار كثيرة تعتمد على معرفتك بقدراتك وما ادخرتِه من مهارات ستكون بديلاً جيدًا عن العمل بالدوام الكامل، تربية طفل تحتاج إلى تفرغ وقدرة على إدارة الضغوط، والعمل بالشكل المعتاد ضاغط جدًا، وخصوصًا في أول سنتين من عمر الطفل.
خططي جيدًا وتفاوضي مع مدير العمل وشريكك في الحياة، وفكري كيف يمكنك التوفيق بلا ضغوط زائدة، لكن ثقي أن المستقبل لم ينتهِ وأنك تمثلين إلهامًا في حياة طفلك، سيحكي عنه عندما يكبر ويفهم.