أنا أُدوِّن إذًا أنا موجود

542

تمر الأيام والشهور ما سبق منها مثل ما هو آتٍ، نستيقظ كل صباح فتهرسنا الحياة في دوامتها ويصبح كل ما نتمناه أن ينتهي اليوم، لنخوض الذي يليه، كي ينتهي الأسبوع، فالشهر، فالعام.. وهكذا حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً، لنفاجأ عامًا بعد آخر أن شريط العمر أوشك على الانتهاء، في حين أننا هناك في أعماقنا نشعر كما لو كُنا لم نعش الحياة بعد!

 

أين ذهب الشغف وحُب الحياة؟ كيف صرنا نرى كل ما نفعله صغيرًا؟ ومهما كان ما نقوم به نؤديه لا للاستمتاع به بقدر ما هو للانتهاء منه والتخلَّص من حِمل مسؤولية ما مُلقاة على كاهلنا؟

 

مع نهاية كل عام غالبًا ما نطرح تلك الأسئلة على أنفسنا، مُضافًا إليها تساؤلات أخرى، أهمها: تُرى ما هي إنجازاتنا هذا العام؟ ما الذي حققناه مما تمنيناه في أول السنة وعزمنا على تحقيقه؟ وما هي خططنا للعام القادم؟

 

ولأنني واحدة مثل أخريات أطرح هذه الأسئلة على نفسي أيضًا، وحين لا أجد جوابًا مُرضيًا أجلدني، وأُعَلِّق لي المشانق، لكن هذا العام قبل أن أتمادى في شعوري بالاستياء، حدث أمرٌ ما تسبب بتغيير فكرتي عن نفسي، وكشف لي أن هناك بعض الأشياء التي كنت أبغى تحقيقها، حققتها بالفعل رغم أنها لم تكن سهلة بالضرورة أو مُيَسَّرة، وتطلبت مني بذل مجهود نفسي، وبدني ومادي لتحقيقها.

 

كان هذا الاكتشاف شيئًا ضخمًا جدًا لي، لا لأهميته المعنوية فحسب، ولكن لأنني صرت معظم الوقت أعاني من النسيان بسبب ذاكرتي التي لا تسعفني، سواء على المدى القريب أو البعيد، وهو ما جعل الإجابة البديهية الوحيدة التي كانت لديَّ في البداية على سؤال “ماذا حققتِ يا ياسمين هذا العام؟” هي: لا شيء.

 

لكن ما غيَّر الحسبة من الخسارة للمكسب والرضا اللا بأس به عن الذات، هو استخدامي تطبيقًا ما على هاتفي المحمول لتسجيل مصروفاتي طوال العام، مع بداية كل شهر أُدخل به كل ما أجنيه من نقود، ثم أبدأ في تسجيل كل مليم أصرفه مهما كان عبيطًا، وفي نهاية الشهر أقوم بنقل الأرقام في صفحة وورد صنعت بها جدولاً مخصوصًا للميزانية، ما يُسَهِّل بنهاية العام معرفة إجمالي دخلي، وإجمالي مصروفاتي، وبالتالي إجمالي ما ادَّخرته.

أنا شخصية مُبذرة جدًا إذا لم يكن لدي هدف لتحقيقه، لكن متى وُجد هذا الهدف ستجدني “جِنِّية تَحويش” سواء من خلال “زَنق” نفسي في جمعيات أو أي طريقة أخرى، لكنني فوجئت بنهاية هذا العام بأنني لم أدخِّر شيئًا، ما أحبطني وجعل لديَّ رغبة في معرفة “وديت فلوسي فين!”.

 

هنا جاء وقت الحساب، وبالرجوع للتطبيق على حاسوبي، وبعد الكثير من عمليات الجمع والطرح وعمل الجداول واستخدام الأقلام الملونة والآلات الحاسبة وتحديد أكثر بنود الصَرف، اكتشفت أنني رُبما أكون أنفقت كل دخلي هذا العام بالإضافة لقبض الجمعيات التي اشتركت بها، وكذلك كل ما وفرته بالسنوات السابقة، لكنني فعلت ذلك لأسباب جوهرية وحيوية.

 

بين سيارة نجحت في تسديد أقساطها، أجهزة حديثة اقتنيتها، ورشة هامة التحقت بها، رحلة مع صديقاتي المقربات، بالإضافة لكَم لا بأس به من الملابس والأحذية والهدايا وأشياء أخرى كثيرة، حتى وإن بَدت رفاهيات لكنني نجحت في تحقيقها لنفسي دون الشعور بالحرمان.

 

هذا الاكتشاف جعلني أحمد الله، لا على نعمة الستر فحسب، بل والأهم على نعمة تسجيل بنود إنفاقي بالتفصيل، فلو أنني كنت أكتب فقط إجمالي المصاريف لم أكن لأعرف ما الذي فعلته بهذه النقود، وكنت لأرى نفسي سفيهة وعديمة الأهلية، خصوصًا مع عنق الزجاجة الذي يعيش فيه مُعظمنا.

 

وهو ما يجعلني أنصحكم جميعًا باستخدام تطبيق Monefy، فهو من جهة مناسب لمُحبي عمل الميزانيات، للـ”كنترول فِريك”، ولأي شخص يرغب في توفير الوقت المُستقطع بعمل الحسابات أو تسجيل المصروفات بأوراق جانبية تضيع دومًا، ذلك لأن التطبيق سيكون معك على هاتفك بأي مكان، وبمجرد إدخال المصروفات يقوم هو بطرح كل ما تنفقه من دخلك، لتعرف بالنهاية ما معك وما عليك، خصوصًا أن التطبيق مرن، فيتميز بكونه سهل الاستخدام وقابلاً لإضافة أي متغيرات، سواء بالعملة المُستخدمة أو بنود الإنفاق نفسها، وهذه الصورة مثلاً للتوضيح.

 

ليس هناك أجمل من الشعور بالإنجاز، فالفشل مُحبِط مهما اعتبرناه بداية جديدة أو حافزًا على عدم الخسارة مرة أخرى، وأحمَد الله أنني كنت محظوظة بما يكفي لأستشعر ذلك ولو بصدفة غير مقصودة، عَرَّفَتني ما حققته هذا العام من إنجازات على المستوى المادي وأحلام نجحت في اقتناصها.

 

وإن كان ذلك لم يكن كافيًا للأسف لتذكيري بأهم اللحظات المعنوية والحميمية التي مررت بها، إلا تلك التي تَكفَّلت بها ماديًا، ولأن هذا أيضًا هام جدًا كي نشعر أن الأيام لا تمُر سُدى وأن الروح ما زالت نابضة، وأننا لسنا أشباحًا على قيد الحياة، لذا أنوي بجانب تسجيل مصروفاتي العام القادم أن أدوِّن أيضًا أهم مشاعري ولحظاتي، لن أعتبرها مُذكرات كي لا أغضب إذا ما فاتني يوم دون تدوين، لكن دعونا نعتبرها نظرة قريبة على أهم ما أود تذكره وأحصده في نهاية العام القادم.

 

العظيم في الأمر أنه صار هناك الكثير من الطرق التي يمكن توثيق ذلك بها، بسبب بعض الأجندات والمفكرات المُقسَّمة داخليًا بشكل جذاب يضمن لنا عمل مَسح شامل وخريطة عريضة ودقيقة لكل ما يُمكن أن نرغب في عمله بالعام الجديد، ومن ثَم تسجيله (من أحلام، خطط، أمنيات، ميزانيات، مشاريع رحلات، أفلام مميزة سنشاهدها، كتب ننوي قراءتها، ميزانيات شهرية، تتبع عادات نريد تركها… إلخ).

 

بالطبع يمكنكم تدوين ذلك في دفاتر عادية أو حتى على اللاب توب أو بهواتفكم، وإن كانت هذه المفكرات مناسبة لمَن يَعني لهم الإبهار البصري كثيرًا فيُحفزهم، أو لمُحبي الأمور المنظمة والواضحة، علمًا بأنها غير باهظة الثمن إذ تتراوح الأسعار بين 85 ،90، و120 جنيهًا، ولمعرفة المزيد يمكنكم الاطلاع هنا،وهنا، كذلك يُنصح بمشاهدة الفيديو التالي.

https://www.youtube.com/watch?v=PtaEbgNmnsQ

 

المقالة السابقةدفاعًا عن لقمة السم
المقالة القادمةحق الأم العاملة وفقًا للقانون الجديد
ياسمين عادل
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا