هدى الرافعى
نسمعها تقلد صوت الأسد، فنعرف أنها تتصفح كتاب “أريد أسدًا”.. نسعد لرؤيتها وهي تُحضر كتابًا من الرف الخاص بها، وتجلس على الأرض وتقلب صفحاته، وتشير إلى بعض الأشياء التي عرفت أسماءها، وتقولها بطريقتها الطفولية الجميلة. كما أنها منذ أن عرفت درج كتب الأطفال التي أدخرها لها حتى تكبر قليلاً، وهي تشير إلى الدرج لأفتحه لها فتختار بعض الكتب لتتصفحها وحدها أو نتصفحها معًا ونتحدث عن الصور الموجودة بها. إنها صغيرتي “شمس” التي قاربت على العام ونصف العام. لم تولد شمس وهي تعشق الكتب، ففي البداية لم تتجاوز علاقتها بالكتب سوى وضعها في فمها، ثم تطورت لتنتبه قليلاً عندما نقرأ لها في الكتاب، وأحيانًا لم تكن تصبر حتى على الانتهاء من الكتاب الذي لا يتعدى خمس صفحات. وفي الفترة الأخيرة بدأنا نلمس حبها للكتب، فأحببت أن أشارككم بتجربتنا.
بدأنا بشراء كتاب من القماش، يحوي ملامس مختلفة، وأنشطة يقوم بها الطفل، كمرآة صغيرة ينظر فيها، وأرنب يدخله ويخرجه من قبعة الساحر، وهكذا. ثم اشترينا لها كتبًا من الورق المقوّى، الكلام بها قليل والصور هي الأساس، وأحدها كان يمثل جسم القطة ومخيط به رأس القطة وأرجلها وذيلها من الإسفنج المغلف بالجلد. وقد أحبت شمس هذا الكتاب جدًا، حيث كان يمثل عضاضة جيدة لها.
لم نجبرها يومًا على مشاهدة كتاب، أو على الجلوس حتى الانتهاء منه، أو الانتباه بينما نقرأ لها، لأن هذا سيجعل القراءة مهمة عليها القيام بها، وليست متعة.
أحرص كذلك على أن أكون مختصرة، بمعنى ألا أمكث في الصفحة الواحدة كثيرًا أو أعلق فيها على أشياء عديدة، بل أنتقل بين الصفحات بسرعة معقولة، بحيث أتيح لها فرصة الاستيعاب وبحيث لا تمل في نفس الوقت.
صديقة لي نصحتني عن تجربتها مع ابنتها بوضع الكتب على الرف بجوار ألعابها، لتصلها رسالة أن الكتب أيضًا ممتعة ومسلية مثل اللعب، وهي نصيحة مفيدة فعلاً.
لم نكن نقرأ لها بانتظام، ثم بدأنا نحرص على المواظبة على القراءة لها بشكل يومي: قبل النوم بشكل أساسي، وفي أثناء اليوم. في البداية كنا نحن المبادرين، ولكن بعد فترة أصبحت هي التي تبادر بإحضار الكتاب الذي تريده وقتما شاءت، مع حرصنا على تثبيت القراءة قبل النوم حتى تعتاد ذلك.
الكتب في بيتنا أمر مألوف، فلدينا (أنا وزوجي) مكتبة تضم كتبًا متنوعة. أحيانًا نقرأ بشكل يومي، وأحيانًا تمر أيام دون أن نقرأ لتعب أو انشغال أو ملل، ولكن في النهاية رؤيتها لنا ونحن نقرأ هو مشهد مألوف لديها. ولأُسهِّل على نفسي، أضع كتبًا بجواري في الغرف التي أجلس فيها، وأستغل وقت إرضاعها أو انشغالها بلعبة ما لأقرأ بضع صفحات أو حتى بضعة سطور.
جعل الطفل طرفًا إيجابيًا ومشاركًا في القراءة يجعلها أكثر فائدة ومتعة، فمثلاً نطلب من “شمس” أن تشير إلى الفيل، أو نسألها عن صوت القطة، أو نشير إلى شيء معين ونسألها عن ماهيته، أو حتى نطلب منها تقليب الصفحات، نفعل ذلك دون أن نضغط عليها.
التنويع في نبرة الصوت وتعبيرات الوجه أثناء القراءة أمر هام، فهذا لا يجعل القراءة ممتعة فحسب، ولكن يجعل المحتوى مفهومًا أكثر للطفل.
الطفل يحب قراءة نفس الكتاب مرارًا وتكرارًا، ففي كل مرة يتعلم منه شيئًا جديدًا، ويستوعبه أكثر وأكثر. أحيانًا أجد “شمس” تشير إلى بعض الصور التي علقنا عليها أثناء القراءة معها وتعلق نفس التعليقات.
قرأت مؤخرًا نصيحة وبدأنا في تنفيذها، وهي أن تحتضن طفلك أو تجلسه على رجلك وأنت تقرأ له، حتى ترتبط القراءة لديه بالحب والحنان فيحبها.
كما ينصح التربويون بتبديل الكتب كل فترة حتى لا يصاب الطفل بالحيرة من كثرة الخيارات المتاحة أمامه، وحتى لا يشعر بالملل.
مؤخرًا وضعت لـ”شمس” على الرف مجموعة من كتب الأطفال الورقية التي قد تناسب عمرًا أكبر، ولكن بعضها به صور جميلة جذبتها. نقوم بالتعامل مع الكتاب بما يلائم سنها، فمثلاً لو كانت قصة طويلة نكتفي بمشاهدة الصور والتعليق عليها وتسميتها، دون رواية القصة. فلا يجب عليك الالتزام بما هو مكتوب في الكتاب، المهم أن يكون طفلك مستمتعًا. هذه النوعية من الكتب يمكن أن يستخدمها الطفل تحت إشراف الكبار حفاظًا عليها.
قيل لنا: إنتو عاوزين تكبّروها بسرعة، سيبوها تعيش طفولتها، كتب إيه دلوقت؟! خلوها تلعب وتتفرج على الكارتون وأغاني الأطفال… إلخ. غالبًا من يقولون هذا الكلام لا تمثل القراءة أولوية لديهم. إن بعض المتخصصين ينصحون بالقراءة للطفل وهو ما زال في الرحم، لذلك لم نكترث لهذه النصائح، فالقراءة ممتعة ما دمنا نختار الكتب المناسبة لسنها ونقوم بما يجعلها وقتًا سعيدًا. ثم من سيقرأ الكتب التي تملأ الأرفف؟ أليس من الواجب علينا أن “نحلل القرش”؟!
نصائح تحبب طفلك في القراءة وتمتعه بالكتب