بابا إنسان

1699

باباها ومامتها اتطلقوا، وطبعًا علاقة الأبناء بأبويهم بتتأثر بعلاقتهم ببعض، اللي للأسف كتير بتغيب عنها الموضوعية والإنصاف بعد الطلاق. البنت كانت بتخاف تروح عند باباها أو تنزل معاه ياخدها وميرجعهاش لمامتها، الخوف ده فضل معاها لحد ما كبرت، بس مبقاش خوف إنه ياخدها وميرجعهاش، لكن خوف مبهم من “بابا” كله على بعضه.. وبسبب مواقف كتيرة وكلام وأسلوب غير مناسب في التعامل معاها، وبسبب المشاكل اللي حصلت بعد الطلاق، اللي البنت أُقحمت كطرف فيها وهي طفلة صغيرة، كرهت باباها.

 

اتكونت جوة البنت ناحية باباها طبقات من مشاعر الخوف والغضب والكراهية، اللي وصلت لدرجة تمنيها اختفاءه من حياتها عشان ترتاح. وتحت كل طبقات المشاعر دي كان بيكمن المعتقد اللي اتكون على مدار سنين عمرها “بابا وحش”.

ومع ذلك، البنت كان نفسها تحب باباها وتقدر تستقبل حبه.

 

بعد رحلة طويلة من تطوير الذات ومحاولات كتيرة مع نفسها لمعالجة مشاعرها ناحية باباها حست إنها وصلت لطريق مسدود، مبقتش عارفة تتقدم أكتر من كده، فقررت تطلب المشورة. في جلسات المشورة طلعت كل اللي جواها، حكت كل حاجة وافتكرت حاجات كانت ناسياها، أطلقت مشاعرها اللي فضلت محبوسة جواها سنين، وشافت كل شيء بوضوح، طلعت كل اللي جواها في مناخ خالي من اللوم والنقد والتقييم والوعظ، ومليء بالقبول والتعاطف واﻷمان.

 

ويبدو إنها مع الوقت بدأت تدمج الحاجات الحلوة دي في شخصيتها. فبدأت تقبل نفسها وتحبها وتشوف نفسها بنضارة جديدة غير النظارة القديمة اللي كانت بتركز على اﻷخطاء.. تعاطف المشيرة معاها أتاح لها الفرصة تعيش مشاعرها ناحية باباها بحرية بعد ما فضلت مكبوتة جواها على مدار السنين.. واﻷمان اللي كانت بتحسه جوة الجلسات اتنقل تدريجيًا لحياتها وحل بشكل كبير محل الخوف اللي كانت بتحسه ناحية باباها وناحية حاجات كتيرة.

 

خلصت جلسات المشورة ومخلصتش مشكلتها مع باباها، لكن فيه تغيير بدأ يحصل جواها، فكانت كل ما تحس بالخوف من باباها تسأل نفسها هي خايفة من إيه، وتفكر نفسها إن الخوف ده منقول من أيام ما كانت طفلة ضعيفة وقليلة الحيلة.. تعاطفها مع نفسها خلاها تقدر تحط نفسها مكان باباها وتشوف اﻷمور من وجهة نظره في مواقف كتير، وبالتالي أسلوب تعاملها اختلف بعد ما كانت دايمًا بتقفش وتاخد موقف دفاعي.. وقبولها لنفسها بأخطائها وعيوبها خلاها تقدر تقبل باباها زي ما هو وتغفرلّه أخطاءه في حقها غفران حقيقي.. كانت بتفكر نفسها دايمًا إن عدم ثقة باباها فيها كان مرتبط بموقف معين انتهى من سنين، فلازم تتعامل معاه وهي واثقة من نفسها وتستقبل ثقته فيها اللي بتبان في معاملته وكلامه ومتفضلش عايشة في الماضي.

 

مشاعر الحب كانت موجودة جوة البنت ناحية باباها، بس كانت مدفونة تحت طبقات المشاعر السلبية المكبوتة اللي لما عبّرت عنها في جو صحي انطلقت مشاعر الحب.. أخيرًا بدأت تستقبل حب باباها ليها، أخيرًا بدأت تحبه زي ما كانت بتتمنى.. أخيرًا بدأت تشوف في تصرفاته الحلو والوحش.. أخيرًا رمت نظارة “بابا وحش” ولبست النظارة الجديدة “بابا إنسان”.

 

المقالة السابقةالبطاقة بتقول: “آيات”
المقالة القادمةمكونات مختلفة لطبقات البيتزا

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا