من منا لم يفارق من قبل ؟ كيف كان الفراق ؟ هل فكرت كيف يكون اللقاء الأول بعد الفراق؟ ربما نفرح أو نحزن، نهرب أو نواجه، نستعرض أنفسنا أو نستتر خلف الصمت والتحديق .. أين نحن من تلك المشاعر؟ وماذا نفعل ؟
في لحظة ما بعد أن تهدأ عاصفة المشاعر، ونتناسى كل الغضب والصراخ والبكاء وانقباض القلب وعدم انتظام الأنفاس، في لحظة ما بعد أن نلملم شتاتنا ونقف على أرض صلبة، ونستكمل حياتنا بطريقة ما تبدو هي الأنسب لنا بعد فراق من نحب، في لحظة ما نظن أننا أمسكنا بزمام الأمور، وأن تجاربنا المؤلمة كانت مصدر إلهام وزيادة لنا في ميزان حياتنا، من حيث الخبرة والحكمة وقوة التحمل وحسن التصرف.. وغيرها من الصفات التي يمكن أن تكتسب بعد كل تجربة.. في هذه اللحظة بالذات يأتي الاختبار الحقيقي.
لقاء بعد فراق طويل بين حبيبين
الاختبار الحقيقي هنا هو أول لقاء بعد الفراق، هو أول لقاء يرتبه القدر ليكشفنا أمام أنفسنا، ويُعرِّينا تمامًا من الأقنعة الزائفة التي نستبدلها يومًا بعد يوم، لنخبر أنفسنا أننا تجاوزنا الصعاب.
هل يمكن أن يكون هذا اللقاء يحمل أكثر مما تحتمله أنفسنا، فنعرض مُدبِرين راثين لحالنا، فلا نتمم لقاءنا ونهرب من هذا القدر، وكأننا نهرب من ماضٍ لم يحدث من الأساس؟ يبدو ذلك مناسبًا جدًا لشخصية ضعيفة لا تستطيع المواجهة في أغلب الأحيان وتفضل الالتزام بحذافير النص.
تعرفي أيضًا على: تأثير الصدمة النفسية على الدماغ، أعراض الصدمة النفسية، علاج الصدمة النفسية
الشعور لحظة اللقاء بعد الفراق
وقد يحدث في عالم موازٍ، أن يلتقي هذان العاشقان فيما مضى ويحمل كلٌ منهما جزءًا منه يحمل في دمه جيناته.. قد لا يعرفان بعضهما وقد يمثلان أنهما لا يعرفان بعضهما.. وقد يسلمان على بعضهما وكأن شيئًا لم يكن، ويُعرِّف كلٌ منهما نصفه الآخر ولا يثير ذلك أي نوع من مشاعر الغيرة.. فكلاهما راضٍ عن حياته بهذه الطريقة.
يبدو أن الحياة أثقلتهما بالكثير وامتلأت حاويتهما، حتى أنها لا تتسع للمزيد من مشاعر الحنين، فدوّامة الحياة لا يمكن أن تخرج منها طالما انغمست فيها إلا فاقدًا أو مفقودًا. أما هي لم تدرك بعد كم اشتاقت إليه إلا حين التقته صدفة ووقفت مُتسمِّرة وازداد نبض قلبها. في هذه اللحظة بالذات اكتشفت أنها ما زالت مغرمة.
تعرفي أيضًا على: كيف يمكن انهاء العلاقات العاطفية ؟ وما سبب فشلها؟
مغرمة حتى الموت. لهذا لم تستطع أن تفتح قلبها لغيره، واختلقت الأعذار لتتهرب من لقاء المفتونين بها. ورغم أنها تخلصت من كل ذكرياته المادية، لكنها ما زالت تحمل ذكرياتهما معًا في مكان مصون. وقفت متمسرة لأن الكلمات لا يمكنها أن تصف كم اشتقات إليه، وقف متسمرًا لأنه يحمل بين ضلوعه مثلما تحمل تمامًا وأكثر.
فهل يعودا للحياة مجددا؟ وهذا الولهان كان عاشقًا منكسرًا حتى رآها، سلم عليها في حماس وسألها عن أخبارها التي لم يكن مهتمًا بسماعها، فقد كان منشغلاً أكثر باستعراض نجاحاته بعد فراقهما، ليخبرها جملة أنها لم تكن تفرق معه في شيء، ولم تتسبب في خسرانه لنفسه، ثم ودّعها ليعود منكسرًا كما كان.
تعرفي أيضًا على: الفقد عند الأطفال كيف يمكن علاجه
كم يبدو هذا طفوليًا! كم كان غبيًا عندما لم يحاول أن يعرف شيئًا عنها.. ربما كانت تتألم مثله، ربما أرادت أن تخبره بأنها ما زالت تُكنّ له الكثير ولكن استعراضاته البهلوانية ألجمتها.
وهناك.. هناك فقط التقى العاشقان، ولكن ليس صدفة، فمنذ افترقا وهما في نقصان مستمر، وكانت هناك استماتة من جهتهما كي يوجدا في نفس المكان والزمان. حيث لم تنقطع أخبارهما، وظلا يتابعان بعضيهما بعض من بعيد، وحين التقيا كانا قد تخيّلا ذلك ألف مرة، ماذا يقولان؟ وكيف يتعاتبان؟ وكيف ستكون ردات أفعالهما؟
ثم تخذلهما رهبة اللقاء، وينسى كلاهما كل ما أمضاه من وقت في التخيل، ويبقى هناك الصمت والتحديق. هناك.. حيث لا يفهم غيرهما ما تعني كلمة هناك. هناك العناق.. هناك السلام.. هناك السكن. ورغم اختلاف الأنام في استقبال الفراق الذي هو محتوم في دنيا البشر، فأنا لا أعرف كيف يمكننا تقبل الفراق؟
ليس للمتحابين سوى القرب
جل ما أعرف أن ليس للمتحابين سوى القرب، وأنه لا يمكن أن يكره أحدهما الآخر، لأن الحب أبدًا لا يتحول إلى الكره، ولكن من الممكن أن يتوقف عن حبه برهة بمسكنات، فالحب لا يموت، هو فقط ينطفئ كنار يمكن إشعالها مرة أخرى في ثوانٍ معدودة. كما أعرف أن ليس هناك حب أول يدوم، ولكن هناك في كل حب حبًا أولاً، حبًا أولاً يحمل ذكرياته وصفحاته البيضاء التي يعاد كتاباها بصدق وفن، وأن المتحابين حين يعودان إلى بعضيهما، تكون علاقتهما أقوى وأعمق، فهما يستكملان، لا يبنيان شيئًا من الصفر.
وأعرف أيضًا أن الفراق موت بطيء، وأن علاجه يكمن في التخلي عن الكبرياء الزائف، وامتلاك البساطة في جل الأمور. فما دام يملك بعضنا بعضًا، كل شيء سيهون. إن كانت لي أمنية واحدة هذا العام.. فهي ألا نفارق من نحبهم أبدًا.
لقراءة بعض الأشعار عن البعد والفراق اضغط على الرابط التالي: أشعار بعد الفراق
للاستماع لقصيدة هشام الجخ ( لقطة الفراق ) اضغط الرابط التالي :
