يضطر الأطفال لمواجهة أزمة الفقد كما يخوضها البالغين، وإن شاع بالخطأ أن الأطفال لا يستشعرون الألم النفسي للفقد، أو لا يعانون بنفس الحدة التي يختبرها الكبار.
في المقال السابق (هايبر لينك لأخر مقال لعلياء) أوضحنا مراحل تكيف الجهازالعصبي مع الخسارات والفقد عند البالغين، ولكن هل يمر الطفل بنفس المراحل ؟ هل يستوعب الأطفال الموت؟ وكيف يتصرف الأهل مع مشاعر، وسلوكيات الطفل ليتجاوز هذه الأزمة؟
يتعامل الأطفال مع الفقد، والحداد حسب مسار نموهم العمري والنفسي، فمصطلحات الحزن والفقد جزء لا يتجزأ من التجربة الحياتية، وظنا منا أنا نحميهم قد نتجاهل الأسئلة، أو نتهرب من الحديث الذي يطرحه أطفالنا في أوقات الحداد(مثلا)، أو نجبرهم على الإنشغال بأمرآخر، ذلك هو” التابو” الأول الذي نستعمله، دون مراعاة حقيقية لما يختبره الطفل وتخونه البلاغة والحصيلة اللغوية في التعبير عنه، ففي حال فراق عزيز مثلا يهتز شعور الطفل بالأمان كمن ضربه زلزال، وينتابه القلق، والشعور بالذنب !
تؤكد خبيرة التربية شيري سميث على أن “الأطفال الذي يعانون من مشاعر الحزن سيظلون يتذكرون في المستقبل أي محاولة قمت بها لمؤازرتهم والاهتمام بهم ”
ومن أجل التعايش الصحي مع فكرة الفقد، علينا مؤازرة أطفالنا رغم إنغماسنا في فقدنا، وعلينا أن نكون بالوعي الكافي لئلا نترك أثار سلبية نفسية وعضوية أيضا!
اقرئي أيضًا: بعد رحيل الأحباب: كيف شكَّلتني تجارب الفقد
كيف أساعد طفلي في أوقات الحزن والفراق ؟
1. الصدق والصراحة والوضوح قدر الممكن عند التحدّث معه عن حقيقة الموت. تبسيط المعلومة بلا أفراط واستفاضة يحمي الطفل من خياله الفياض في عمر من 3-4 سنوات ، والذي قد يميل إلى ما هو أسوء من الواقع.
- نلتزم اللغة الواضحة في الحديث بكلمات تصف الحدث “جدو مات” لم يذهب الى السماء، لم يسافر! علينا احترام عقليات أطفالنا وكذا تغذيتهم باللغة السليمة للتعبير عن الحدث تقيهم على سبيل المثال القلق عند السفر أو عند هبوط المطر ظنا منهم أن هذه الأحداث مرتبطة بحرمانهم من أحبابهم.
3. الأحضان والقرب ومنح الحنان يشعر الطفل بأنك تقدر ألمه، ويجعل مرور أزمة الفقد أسرع، وأسهل. - مشاركة الطفل بدون أفراط أوجاعنا، يحرره من توتره، ويساعده في التعبير عن حزنه.
- طرح أنشطة طفولية، وفنية تمكنه من إيجاد لغته الخاصة للتعبير عن ألمه، وكذا الخروج من الوقت العصيب (كاللعب، النشاطات الموسيقية ، الرسم ، الكتابة ، اللعب بالألوان وعجين الصلصال… إلخ)
- المشاعر المشوشة والخوف ينقذنا منها تخصيص وقت للحديث عن المفقود، وإجابة الأسئلة، وإن تكررت.إذا وجدنا أنفسنا غير قادرين نفسيا على إدارة هذه الخطوة قد نستعين بأحد المقربين من الطفل.
- من الضروري أن نوضح للطفل أنه غير مسئول عن الوفاة (جدو مات لأنه كان تعبان وجسمه بطل يستجيب للدوا)،لا نستغل الموقف لتعديل سلوك قديم، ونستخدم جمل من نوعية (لأنك أغضبته، أو لأنك لم تنهي واجباتك المدرسية)
استخدامك لمثل هذا الأسلوب يعرض طفلك لأحلك مشاعر الذنب، ولأزمات نفسية يتبناها اللاوعي، وينهك بها ثقته في نفسه . - مرافقة الأطفال من عمر 8 سنوات فما فوق في مراسم العزاء يسمح بوداع أخير (إن أراد الطفل المشاركة يجب أن يسمح له ).
لكن علينا أن نشرح ما سنقوم به وأن الناس في العزاء يسكوها الحزن وتبكي ويعبرون عن حزنهم بزي أسود، الشرح يسد منافذ الخوف في قلب الطفل. - لوري كانير أخصائية علم النفس تنصح بالتزام الروتين اليومي لأنشطة الطفل قدر المستطاع لأنّ ذلك سيمنحه الأمان ويقيه الضغوط الزائدة .
مثلا
– مواعيد الاستيقاظ
– الذهاب للمدرسة
-أداء الواجبات المنزلية
– قصص ما قبل النوم
وما إلى ذلك.10. إخبار المحيطين بالطفل بما يمر به (كمعلمته/ صديقه المفضل/ الأقارب) ليساعدوه على تخطي الأمر. - نتذكر أنّ الأطفال يحزنون في نوبات، ولديهم ردود فعل خاصة، ووتيرة خاصة. وهم يدركون أن الموت فقدان كبير لهم، لكنّهم يُظهرون حزنهم بشكل مختلف ، وسلوكيات مختلفة.
- يقول العلماء أن هلوسات الطفل تساعده على الخروج من ألم الفقد بشكل أسرع،فلا نسخر منه إذا قال انه رأي المفقود، أو أنه ربت على كتفيه، أو أنه حدثه. لكن أيضا علينا الانتباه إن طالت الفترة قد يحتاج الطفل إلى مساعدة متخصص.
في الأخير علينا تذكر أن الطفل يعاني أوجاع الفقد بكثافة، و مسار تأقلم مختلف في كل فترة عمرية، وأنه قد لا يتمكن عن التعبير بالشكل الذي ننتظره منه، لهذا علينا التحلي ب”الرحمة” و”الإحترام” لأوجاعه.