للأبد؟
ماذا؟
ستظل تحبني للأبد؟
وحتى تحترق النجوم، وحتى…
فاكرة أول مرة اتقابلنا، ماما كانت واخداني معاها عشان نقدم في المدرسة الإعدادي، كان فيه محل خردوات عند الباب الخلفي للمدرسة، كان حاطط برة المحل ستاند فيه جرايد وكتيبات المؤسسة العربية الحديثة، أنا كنت بقرأ وقتها “ملف المستقبل” و”رجل المستحيل” بنهم غير عادي، وقفت قدام الستاند عشان أختار حاجة جديدة اقراها، وشفتهم.
“أسطورة النصف الآخر”، و”أسطورة التوءمين”.
الكتابين كل واحد فيهم كان الجزء التاني من أسطورة مقريتش جزأها الأول، قريتهم، ووقعت في غرامه فورًا وبلا أي مقدمات.
أنا فاكرة كويس “أسطورة التوءمين”، اتفاجئت إن فيه شخص قادر يوصف مشاعري بالطريقة دي، كنت كل ما أقرا جملة وتعجبني أقفل الكتاب وأبص أوي على صورة المؤلف الموجودة على الغلاف الخلفي، كنت بكلمه وأسأله إزاي؟ إزاي عرف يقول كده؟ إزاي عرف عني كل حاجة وإحنا لسه متقابلين؟!
ثم قريت “أسطورة البيت”، ووقتها عرفت إني حبيت الراجل ده، وهفضل أحبه ما تبقى لي من عمر، وعمري ما هكبر على احتياجي له ولكلامه.
امتزج حبي لرفعت إسماعيل، بطل سلسلة “ما وراء الطبيعة” بحبي لمؤلف السلسلة د. أحمد خالد توفيق، مكنتش قادرة أفرّق بين حبي للشخصية الخيالية لرفعت العجوز الأصلع عصبي المزاج الذي يدخن كمدخنة قطار قديم، وشخص د. أحمد اللي مكانش بيظهرها خالص قبل عصر الميديا. كان رفعت رفيق كل الطموحات والإخفاقات، كان رفيق الرحلة اللطيف، رفعت إسماعيل هو اللي علمني إزاي أحب نفسي بكل اللي فيها، إزاي أسخر، إزاي أفرح، إزاي أحب، علمني حتى إزاي ممكن أحزن بنبل وشياكة.
د. أحمد من خلال شخصية رفعت إسماعيل وسلسلة “ما وراء الطبيعة”، علمني نص اللي أعرفه، وشاورلي على الطريق اللي أعرف منه النص التاني، لما كبرت شوية ودخلت الجامعة وابتدا النت يدخل حياتي بسهولة، كنت مهووسة بشخص د. أحمد، لدرجة إن صوره كانت على موبايلي في الوقت اللي كان فيه كل أقراني موبايلاتهم عليها صور الفنانين والمطربين، كلامه على لسان رفعت كان مرجع كامل لكل موقف في حياتي، علمني أستمتع بكل شيء، علمني الشغف وإزاي أكون شخص قادر يستمتع بكل حاجة حتى الثمالة.
زمان، في إعدادي وثانوي، كانت منتشرة ثقافة استبدال كتيبات المؤسسة من المكتبات، تشتري الكتاب وتقراه وبعد ما تخلصه بتروح تستبدله بكتاب تاني وتدفع مبلغ بسيط، ولأني من أبناء المؤسسة ومتربية عليها كنت بعمل كده مع كل الكتيبات، إلا سلسلة “ما وراء الطبيعة”، مكنتش بقدر أستغنى عن كتيباتها، وكنت بصمم أقتنيها، كانت النواة الأولى لمكتبتي.
بفضل د. أحمد خالد توفيق وسلسلة “ما وراء الطبيعة” بقيت دودة قراية حقيقية، عرفني حاجة عن كل حاجة، وبقيت أدور ورا المواضيع اللي بيكتب عنها وأعرف أكتر، ورغم إن السلسلة كانت أدب رعب والجرعة الأكبر فيها للمغامرة مش للأدب في حد ذاته، لكنه أصقل ذائقتي الأدبية جدًا بتعبيراته ومصطلحاته، رهافة إحساسه اللي كان بيكتب بيه السلسلة علمني أتذوق الأدب صح وأميز بين الحلو والوحش ويبقى عندي ذوق، أزعم إنه ذوق رفيع.
علاقتي مع د. أحمد ورفعت إسماعيل عملت مني شخص مختلف، بيدمج مصطلحات فصحى في كلامه طول الوقت، مصطلحات حارقة بتفاجئ اللي كان بيتكلم معايا وأنا مراهقة وفي بدايات الشباب، كنت بصمم إني أستخدم مصطلح “يبتاع” أكتر من كلمة “يشتري”، وأعتقد أنا الوحيدة اللي كنت بطلق لفظة “عوينات” على النضارة.
علاقتي مع د. أحمد خالد توفيق هي اللي علمتني الكتابة، يعني د. أحمد كان له يد كبيرة أوي في مستقبلي واللي بحاول أوصله لحد النهارده.
سلسلة “ما وراء الطبيعة” بالنسبة ليّ مش مجرد ذكريات، السلسلة دي هي اللي علمتني طريقة الحياة، أنا كنت بمشي في الشوارع أدوّر على رفعت بين الناس، أنا فاكرة كويس أوي كان فيه بيت ع الترام في إسكندرية، فيلا لونها أبيض وبابها حديد مزخرف، كانت فيلا مهجورة، ولما اتهدت الفيلا دي، رجعت قلت لماما “هدوا بيت شيراز” لأني كنت مقتنعة تمامًا إني لو دققت النظر أوي هشوف شيراز اللي كانت في أسطورة “البيت” واقفة ع الباب وبتضحكلي.
قصة حب رفعت لماجي هي اللي علمتني أحب، علمتني أهمية إن الطرفين يكونوا أصحاب قبل أي شيء، رغم إنه متجوزش ماجي، لكن هي اللي كانت جنبه في أيامه الأخيرة وقبل ما يموت.
د. أحمد خالد توفيق ساهم في تربيتي بشكل حِرَفي، وسلسلة “ما وراء الطبيعة” كانت هي الملاذ الآمن من شرور العالم، ولحد النهارده، صعب أوي تدخل أوضة نومي ومتلاقيش جنب السرير عدد من السلسلة.
حتى الجملة اللي ابتديت بيها المقال واللي اقتبست منها العنوان، واللي كانت بتقولها ماجي لرفعت في كل مرة يتقابلوا فيها، كنت بحس إنها بتلخص علاقتي بيه بشكل حرفي.
“رفعت، أيها العجوز الملول، يا من يرتدي البذلة الكحلية التي تجعله فاتنًا، يا أحلى من أي زجاجة زيت تموين في العالم، أنت جعلتني سعيدة كخنزير برّي في بركة وحل، أو كطفل نسيّه أبواه في متجر للحلوى، بدونك العالم ميت كمومياء أمنمحات، وأنا وحيدة كحنكليس بائس.
رفعت.. أحببتك منذ أن كانت السراخس تنمو على ضفاف المستنقعات، كنت أمسك بكلماتك وأتكور على نفسي في صمت كأي خلد ماء يحترم نفسه، كنت أبتاع كتبك وأرتدي عويناتي وأستدعي كل شياطين جانب النجوم، فأنا بهم أسعد ولهم قلبي يطرب”.
رفعت، سأظل أحبك للأبد، وحتى تحترق النجوم.