بعد الانفصال: لماذا أرادت “هنا” و”زيزي” العودة لعلاقة مسيئة؟

1177

(1)

نقع في الحب.. حرفيًا نقع! نظن أن ذلك أفضل لنا، وأننا سننجح رغم أنف أي شيء، معًا سنتجاوز كل أخطاء الآخرين، ثم لن تلبث أن تصبح حياتنا سعيدة للأبد. “للأبد” تلك الكلمة التي عَلَّموها لنا ونسيوا إخبارنا أنها محض هراء، فما من شيء يدوم للأبد على هذه الأرض، ولا حتى نحن. مما نسوا إخبارنا عنه أيضًا، مرارة الفقد ولوعته، كسرة القلب الفعلية حين نجد أنفسنا مرة أخرى وقد عُدنا وحيدين، ضائعين، لا نعرف كيف نمضي قدمًا بعد الفراق، ولا يمكننا العودة للخلف حيث نقطة الصفر التي نسينا كيف تبدو. لهذا يظل الانفصال تجربة مجهولة لا يعرفها سوى من مَر بها، وحدهم هؤلاء يعلمون السبيل للنجاة، وتحمل أجسادهم آثار ألغام الطريق فيما يرفعون فوق رؤوسهم عاليًا شارة العائدين من الموت.

اقرأ أيضًا: لماذا لم يخبرنا أهلنا عن الطلاق؟

(2)

وفقًا لاستطلاع أُجري في إحدى الجامعات الأمريكية، فإن 90% ممن تم سؤالهم اعترفوا بانفصالهم عن شريك ما زال يُكِّن لهم حبًا عميقًا، لكن ذلك لم يمنعهم عن تنفيذ قرارهم بالرحيل. في حين أثبتت دراسة أخرى أُجربت بجامعة في كولومبيا أن هؤلاء من تعرَّضوا للانفصال القسري من قِبَل أحبائهم تتعامل أدمغتهم مع تفكيرهم بالحبيب السابق، بالطريقة نفسها التي تتعامل بها حين يتعرَّض الجسد لصدمات كهربائية خفيفة.

(3)

هل شاهدتم مسلسل “خلي بالك من زيزي” الذي يُعرض حاليًا؟ “زيزي” زوجة بأواخر العشرينيات، يتعامل معها كل من حولها باعتبارها وحشًا كاسرًا مجنونًا، فتُصدقهم، لتبدأ في التعامل مع كل موقف يواجهها بعنف غير مُبرر دون أن تحاول السيطرة على نفسها أو الاعتذار عن أفعالها متى عادت لرشدها، كما لو كانت تملك عصا سحرية تُتيح لها تحويل أي مشاعر تعتريها إلى غضب يهدم حياتها رأسًا على عقب.

أما “هشام” زوجها فدكتور جامعي مهذب، توفي والداه صغيرًا، مما اضطره للعيش في كنف أخيه الأكبر، الذي سخَّر حياته لأجله ولم يمنع عنه شيئًا، من هنا تولَّد لدى “هشام” شعور دائم بالذنب ووجوب الولاء والطاعة دون شكوى أو تفكير بما يريده هو فعلاً، لا ما يريده مَن حوله، كنوع من رد الجميل، وهو ما يُكرره كنمط في علاقته بزوجته.

كل تلك التفاصيل نُدركها بوقتٍ لاحق، إذ يبدأ العمل بـ”زيزي” التي تكتشف فشل محاولتها الرابعة للتلقيح المجهري، فما يكون منها سوى الذهاب إلى زوجها في مقر عمله لإخباره بقرارها المحاولة للمرة الخامسة، حتى ولو كاد الأمل أن يصبح مُنعدمًا. لكنها، تفاجأ به يُخبرها في لحظة شجاعة أو ربما تهور نادرة رغبته بالانفصال عنها تمامًا، فتنهار قبل أن تُهشِّم رأسه وسيارته انتقامًا لكبريائها الجريح وصدمتها الشديدة. ورغم إصرار “هشام” على الطلاق، واللجوء لأحد المحامين لتنفيذ رغبته، فإن “زيزي” تعود إلى منزلها ظنًا منها أن الحياة ستستمر بينهما وأنه لا يعني ما قاله، لكنها تُفاجأ بإصراره على موقفه، وهنا تتحطم قطعة حقيقية من روحها.

ثم مع توالي الأحداث، ووقوفهما أمام بعضهما في المحاكم، فيما يُحاولان التعامل معًا ببرود مزيف، فجأة.. ينفجر بهما لغم الحقيقة، إذ يتواجهان فيُخبر الطرف الضعيف، الآخر الذي طالما كان مُهيمنًا، ما عاش طويلاً يكتمه خوفًا من هدم علاقة بدت -كذبًا- سعيدة ومستقرة، لكنها في حقيقة الأمر هشَّة وغير مُتكافئة. وإن كان ذلك لا يمنع الألم العنيف الذي يُصيب قلبيهما عند وقوع الانفصال نهائيًا، خصوصًا الزوجة التي كانت تُمَنٍّي نفسها بتحقق احتمال مجنون بالرجوع، يُشعرها بأنها تستحق الرهان عليها ومعاودة المحاولة عوضًا عن الاستسلام لصوت العقل والمنطق.

اقرأ أيضًا: خلي بالك من زيزي: كيف يمكن للفن أن يغير العالم؟

(4)

أما مسلسل “لعبة نيوتن” فبطلاه هما “هنا” و”حازم”، الأولى: امرأة أمها لم تسمح لها يومًا بأخذ قرارات لنفسها، تارةً عن خوف وقلق وتارةً أخرى عن ديكتاتورية أبوية، باعتبارها أم تعلم الأفضل وهي الأحق بأن تُتَّبع، وإلا كان الجزاء التهميش والتجاهل والانفصال العاطفي. والثاني: رجل ظل يُخيِّب ظن والديه مرة بعد أخرى، وفشل دومًا بالمقارنة التي يعقدونها بينه وبين أخيه الأكبر، حتى بات يكره اللحظة التي يلتقيهما فيها، لما سيثقلان به كاهله من اتهامات تجعله يرى نفسه ضئيلاً وغير مرغوب به.

يلتقي الاثنان، ويتزوجان، إذ يجد “حازم” ضالته في “هَنا”، الزوجة التي لا تثق بحالها، وبدلاً عن التعاطف معها والوقوف بجانبها لمواجهة وجعهما المشترك، يُعزز شعورها بالعجز ليشعر معها برجولته المفقودة، يمنحها حبًا وحنانًا وسندًا دون أن ينسى تذكيرها دومًا بأنها ستغرق في شبر من المياه متى خطت خطوة واحدة بدونه. ما لم يحسبا حسابه، كان أن تضطر “هنا” للسفر بمفردها إلى أمريكا طمعًا بأن تلد طفلها الذي حملت به بأعجوبة هناك، من أجل الجنسية وتقديم أفضل فرصة له للنجاة من براثن أوطاننا التي تأكل ناسها.

وهناك تتعلم كيف تقول لا، كيف تضطر للمواجهة، وأمام فشلها مرارًا وتكرارًا وإهانات الزوج المستمرة لأنها لا تُطيع تعليماته، وجفاء أمها لها، تُقرر تلقين الجميع درسًا، مؤكدةً قدرتها على المرور عبر نيران المجهول والخروج منها حية، فتتصرف بعناد أحيانًا وغباء أحيانًا أخرى، كما يليق بامرأة لم تُمنَح يومًا الفرصة للتفكير وأخذ قراراتها بمفردها. فيعود للزوج الشعور بالضآلة والتلاشي بعد أن دبَّت الحياة في الدمية التي تزوجها، وبسبب عدم قدرتهما على التواصل الصحي والآمن معًا، تسوء الأمور كثيرًا جدًا ويصلان لحافة الطلاق.

ومع توالي الأحداث، ينفجر بهما لغم الحقيقة، إذ يتواجهان ويُخبر الطرف الضعيف، الآخر الذي طالما كان مُهيمنًا، ما عاش طويلاً يكتمه خوفًا من هدم علاقة بدت -كذبًا- سعيدة ومستقرة، لكنها في حقيقة الأمر هشَّة وغير مُتكافئة. وإن كان ذلك لا يمنع الألم العنيف الذي يُصيب قلبيهما عند وقوع الانفصال نهائيًا، خصوصًا الزوجة التي كانت تُمَنٍّي نفسها بتحقق احتمال مجنون بالرجوع، يُشعرها بأنها تستحق الرهان عليها ومعاودة المحاولة عوضًا عن الاستسلام لصوت العقل والمنطق.

اقرأ أيضًا: لعبة نيوتن وخدعة الحب

(5)

وفقًا لدراسة أُجريت على مجموعة أشخاص انفصلوا لتوهم عن شركائهم قسريًا، ثبت أن مشاهدتهم صور أحبائهم ينتج عنها نشاط في مناطق بالدماغ تحفز بدورها إطلاق الدوبامين، وهو هرمون السعادة نفسه الذي تضاعفه المواد والعقاقير المخدرة في الجسم، مؤديةً إلى الإدمان. الأمر الذي جعل الباحثين يُشَبِّهون الانفصال عن الحبيب بمحاولة الإقلاع عن المخدرات، وهو ما يُفسِّر بدوره لماذا يرغب الأشخاص الذين تم التخلِّي عنهم عاطفيًا بمهاتفة الطرف الآخر أو معاودة الظهور بحياته واستجدائه عاطفيًا، حتى مع علمهم بأن تلك العلاقة محكوم عليها بالإعدام ولا يجب لها أن تستمر.

جدير بالذكر أن الشعور بالافتقاد والحاجة للحبيب ليس الوحيد الذي يُصيب المنفصلين، فهناك أيضًا شعور مُستحق بالاكتئاب -وإن تفاوتت درجاته من شخص لآخر- ومع أن النساء تتألمن نفسيًا وجسديًا أكثر بعد الانفصال -تبعًا لدراسة أُجريت في جامعة بينغامتون على ما يقرب من 6000 شخص من بلدان مختلفة- إلا أنهن ينجحن بالتعافي بشكل كامل والمُضي قدمًا بحالة عاطفية جيدة.

على عكس الرجال، الذين يتجاوزون التجربة بسرعة ويتابعون حياتهم دون النظر للخلف، مما يمنعهم من تأمل ما جرى والتعامل معه بنضج يُتيح لهم التعافي الصحيح، لهذا قد يقعون بالخطأ نفسه مرارًا وتكرارًا، بخلاف النساء التي تتعلم الدرس جيدًا وتتروى قبل الوقوع بفخ الحب مرة أخرى أو أخذ القرار بالاستثمار في علاقة جديدة.

(6)

بالرجوع إلى مسلسل “خلي بالك من زيزي” سنجد أن “هشام” يبدأ علاقة جديدة بالفعل قبل حتى أن ينفصل عن زوجته رسميًا، بينما تعجز هي عن استيعاب فكرة الفراق وأن تعود وحيدة لفترة من الوقت. وحين تمنحها الحياة فرصة لبداية عاطفية أخرى، تُقاوم وتتريث ليس بالضرورة عن نضج، وإنما عن خوف من الألم. وحتى حين تسمح لنفسها بمعاودة فتح أبواب قلبها تختار شخصًا مُختلفًا شكلاً ومضمونًا، يمنحها ما عرفت أنها تحتاجه فعلاً بعد أن واجهت مخاوفها وتعلمت أكثر عن نفسها، بينما يختار “هشام” امرأة أخرى تُحاول السيطرة على حياته، ولكن بطريقة ملتوية وأكثر نعومةً هذه المرة، ومن ثَمّ يسمح لها بتغييره وفرد شباكها فوق عالمه.

(7)

أما في مسلسل “لعبة نيوتن” فيبدو أن الزوجة هي من تجاوزت التجربة أولاً، وعاودت الزواج سريعًا من آخر منحها احترامًا وتقديرًا مُبدِّيًا رغباتها وسعادتها على رغباته وسعادته، على عكس ما عاشت تختبره طويلاً وتظن أنه العادي والطبيعي في العلاقات، وإن كانت تعجز عن منحه قلبها أو جسدها، لتظل وفية لعلاقة مُسيئة أخذت منها أكثر مما منحتها.

وبالنظر إلى “حازم”، سنجد أنه سرعان ما تجاوز ألم الانفصال هو الآخر، فما أن يعلم بزواج طليقته، حتى يختار أن يكون مع امرأة لا تشبه زوجته الأولى أبدًا، امرأة لا تقبل أن يفرض عليها سطوته، والغريب أنه ينجح في التعامل معها كامرأة حرة ويغيِّر جلده وعاداته، يثور على كل شيء عاش يعتنقه ويؤمن به ولكن من على السطح، أما في صميم قلبه فهو ما زال الرجل الذي يشعر بالضآلة ويتمنى لو أن “هَنَا” قبلت معاودة تجرُّع كأس الخنوع ليظلا معًا.

(8)

وفقًا لدراسة أجريت في 2013، فإن 20% من المتزوجين وأكثر من 33% من المرتبطين سبق لهم الانفصال عن شركائهم قبل أن يعاودون استكمال العلاقة معًا من جديد. وهو ما يراه الباحثون والخبراء النفسيون أمرًا شائعًة ومتكررًا، من جهة لأن بعض العلاقات يشوبها سلوك إدماني لا يمكن التعافي منه بسهولة أو دون مساعدة متخصصة كما سبق وذكرنا، ومن جهة أخرى لأن هناك آخرين يخافون الوحدة والبحث عن شريك جديد، ويجدون أن الأسهل العودة للحبيب السابق حتى ولو كانت العلاقة سيئة.

أما غيل سالتز (أستاذ الطب النفسي) فيرى أن منصات التواصل الاجتماعي تسببت بأن يصبح الانفصال عن الشريك أكثر صعوبةً، بعد أن صار من السهل تتبعه خفية ومراقبة منشوراته لحظة بلحظة، الأمر الذي يجعل التعافي من العلاقات السابقة والبدء من جديد عملية شاقة وشبه إعجازية للأجيال المعاصرة، ويجعلهم بالتبعية أكثر عرضة للاكتئاب والشعور بالنبذ الاجتماعي.

(9)

فهل يمكن أن تعود “زيزي” لـ”هشام” و”هنا” لـ”حازم” بعد كل ما جرى؟

اقرأ أيضًا: لعبة نيوتن: تربة صالحة للابتزاز العاطفي

المقالة السابقةخلي بالك من زيزي: كسر نمطية الرجل الغاضب
المقالة القادمةالعالم يحتاج إلى أب
ياسمين عادل
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا