خلي بالك من زيزي: كسر نمطية الرجل الغاضب

1432

إن كنتم متابعين للدراما العربية عمومًا، وللمصرية خصوصًا، فبالتأكيد قد مر عليكم عشرات من مشاهد التعنيف للمرأة سواء كان جسديًا أو لفظيًا، بل إن بعض هذه المشاهد تتصدر تترات المسلسلات، وأصبح وكأنه أمر عادي أن يحتوي المسلسل على شخصية تضرب زوجتها أو ابنتها أو أختها.

تنميط صورة الرجل الغاضب

لا تقدم الدراما هذه الشخصيات كشخصيات شريرة في المطلق، بل من الممكن أن تكون الشخصية عادية أو حتى في غاية اللطف بشكل عام، ولكن المرأة أو الأنثى في حياته ارتكبت إثم الوجود حوله أثناء فورة غضبه، وسواء كان غاضبًا لكون هذه المرأة ارتكبت خطأ كبيرًا أو صغيرًا، أو ربما يكون غضبه غير متعلق بها من الأساس، حينها يتحول هذا الشخص العادي إلى وحشٍ كاسر، يسب ويشتم ويهين ويخوض في الشرف والعرض، ويضرب ويركل ويعتدي جنسيًا.

كانت هذه المشاهد معتادة للغاية، يفيق الرجل من غضبته وتكمل زوجته الحياة معه وكأن شيئًا لم يحدث، ويتابع الجميع حياتهم بشكل عادي، وكأن تحول الرجل أثناء غضبه من شخص عادي إلى شخص آخر مخيف ومؤذٍ، هو أمر اعتيادي يحدث في دورة الحياة، كالميلاد والبلوغ والموت، ولكنه هنا يحدث للرجال فقط، وحين يعرض العمل الفني رجلًا يشعر بالغضب ويدخل منزله، نتوقع بشكل تلقائي عنفًا موجهًا ضد المرأة في حياته، حتى أنه لم يعد يدهشنا.

كسر نمطية ردود أفعال النساء

عند عرض مسلسل “سجن النسا” عام 2014، أثارت البطلة “غالية/ نيللي كريم” استغراب كل المشاهدين عندما لم توافق على ضرب زوجها “صابر/ أحمد داوود” لها، واستطاعت الوقوف والدفاع عن نفسها في نفس اللحظة. علاقتهما بالتأكيد كانت خاطئة ومليئة بالمشكلات العنيفة، ولكن رفض المرأة للعنف الواقع عليها والدفاع عن نفسها هو أمر لم نعتد مشاهدته على شاشات التليفزيون، فقد اعتدنا أن تنكسر المرأة فور أن يهين الرجل إنسانيتها.

اقرأ أيضًا سجن النسا يبدأ من أسمائهن

استمر كسر نمطية ردود أفعال النساء على العنف الموجّه ضدهن، مع تقديم بعض الأعمال الفنية لرد فعل الكثير من النساء على فورة الغضب هذه ورفضهن لهذا التصرف، فبعضهن يقاومن أو يحاولن الدفاع عن أنفسهن، إلا أن تنميط شخصية وحشية الرجل الغاضب لا يزال حاضرًا بقوة في أغلب المسلسلات وصولًا إلى مسلسلات رمضان 2021.

سنجد مثلًا “عوض / محمود الليثي” في مسلسل “بين السما والأرض”، حين تطلب منه زوجته “رقية/ نجلاء بدر” الطلاق لرغبتها في الزواج من رجل آخر، فيكون رد الفعل الطبيعي للزوج هو ضربها بعنف ثم حبسها في المنزل حتى تضطر في النهاية إلى تلفيق تهمة له. وفي مسلسل “ضد الكسر” يعرف الزوج “مصطفى/ حمزة العيلي” أنه ليس الوالد الحقيقي لابنه، ورغم حقه التام في الغضب من هذا الأمر لخداع زوجته له، فإن أول رد فعل يخطر على بال هذا الرجل الوديع في حياته العادية هو إهانة زوجته “ملك/ تارا عماد” بالضرب والاعتداء الجسدي.

ورغم أن “يوسف/ باسل الخياط” في مسلسل “حرب أهلية” هو الشخصية الشريرة في العمل، فإنه لم يضرب أيًا من شخصيات المسلسل بعد تعرضه للخداع وإحساسه بالغضب، سوى زوجته “فريدة/ أروى جودة”، والتي لا تستطيع الفكاك منه لأسباب يطول شرحها. وبالطبع لا يمكن تناسي “حازم/ محمد ممدوح” الذي فور أن يغضب يصب كلماته المهينة التي تخوض في العرض والشرف وكل غرضها هو التحقير من كرامة وإنسانية “هنا/ منى زكي”، بالإضافة لاتهامات الزنا الكثيرة، فترد عليه هي الأخرى بألفاظ مسيئة وأفعال تبعدها عنه بشكل كبير. أما حين تتزوج “هنا” من “مؤنس/ محمد فراج” وترفض إقامة علاقة زوجية معه لعدة أشهر، ففي النهاية يعتدي عليها جسديًا ويحاول اغتصابها.

اقرأ أيضًا: المرأة المعنفة والقضايا النسائية في مسلسلات رمضان 2020

النماذج المذكورة هي لأربع مسلسلات تعرض في موسم رمضاني واحد، ويوجد غيرها الكثير في هذا الموسم أو المواسم السابقة، نموذج متكرر بطريقة مزعجة في الدراما المصرية، هذا النموذج موجود ومنتشر في كل الطبقات الاجتماعية المصرية، ولكنه ليس النموذج الوحيد،  خصوصًا في الطبقات الاجتماعية الوسطى وما يعلوها، وهو ما يقدمه رجال مسلسل “خلي بالك من زيزي” كاستثناء في دراما رمضان 2021.

الرجال في “خلي بالك من زيزي”

يعرض مسلسل “خلي بالك من زيزي” عدة نماذج مختلفة من الرجال، لم نعتد رؤيتها في الدراما المصرية رغم وجودها في الحياة الواقعية المصرية الحديثة. تغضب “هدي/ أسماء جلال” من زوجها “وليد/ علي الطيب” فتترك بيت الزوجية، بل والمدينة بأكملها، يسألها زوجها عن سبب هذا الأمر، يتشاجران على مر الحلقات، يغضبان عشرات المرات، ولا يهينها ولو لمرة واحدة، يجلسان ويستمع كل منهما للآخر، حتى يستطيعا في النهاية اتخاذ قرار يصب في مصلحة ابنتهما.

يغترب زوج “نيللي/ نهى عابدين” في المغرب لعدة شهور، يتفقان معًا على أن تسافر إليه، ولكونها مصابة بالرهاب من فكرة الوجود بدون رفقة في طائرة، تؤجل فكرة السفر إليه أكثر من مرة، حتى تشتري تذكرة طيران ثم تصاب بنوبة ذعر ولا تتمكن من ركوب الطائرة، يتشاجر معها زوجها عبر الإنترنت، بدون إهانة أو تجريح، وتفاجأ به قد عاد إلى مصر في مهمة سريعة ليوم واحد فقط، للاطمئنان عليها وتهدئتها.

أما “زيزي/ أمينة خليل” فتثور ثائرتها على زوجها “هشام/ علي قاسم” بسبب رغبته في الطلاق، فتضربه على رأسه بالمصباح ثم تكسر سيارته، رغم مضايقته لها وكذبه بل وخيانته أيضًا لها، إلا أنه لم يهن كرامتها على الإطلاق، سواء لفظيًا أو جسديًا، حتى عندما كان في إمكانه فعل ذلك.

تصرف هؤلاء الرجال النادر وجودهم في الدراما، ليس بطوليًا أو نادرًا في الحياة الواقعية، وحياة هؤلاء الرجال مع زوجاتهم ليست مثالية على الإطلاق بل أبعد ما تكون عن ذلك، هم فقط أشخاص عاديون، يملكون الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية والاحترام الذي يمنعهم من إهانة الآخرين.

اقرأ أيضًا: خلي بالك من زيزي: كيف يمكن للفن أن يغير العالم؟

لماذا يعد التنميط سيئًا

تطرح الكثير من الأبحاث الاجتماعية نظرية أطلقوا عليها مخاطر التنميط Stereotype threat، وهي تعني الأضرار الواقعة على الفئة المُنمّطة سلبيًا في الميديا على أرض الواقع، ووجدت الدراسات أن هذا التنميط السلبي له أثر مباشر على أفراد الفئتات المنمطة. على سبيل المثال فإن تنميط الأمريكيين من أصول إفريقية وحصرهم في قالب الفقر والعصابات والجهل، كان سببًا في زيادة نسبة الأطفال المتهربين من الدراسة في عمر صغير، فوفقًا لصورتهم التي يرونها في الأفلام، لا مستقبل لديهم ولا داع للمحاولة.

قياسًا على هذا الأمر، يمكن رصد ردود الأفعال على مسلسل “لعبة نيوتن” على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد كانت هناك الكثير من التعليقات والمنشورات المليئة بالقبول والتسامح مع إهانات “حازم” المتتالية لـ”هنا”، ولاعتداء “مؤنس” الجسدي على “هنا” ومحاولته اغتصابها، مع التبرير لهم بأنها “تستاهل”.

وهذا التنميط الدائم لصورة الرجل الغاضب، يجعل المرأة المعنّفة تفكر كثيرًا قبل أن تتخذ رد فعل بالرفض أو المقاومة، فإن كان كل الرجال يضربون زوجاتهم أو يهينهن، إذًا فزوجها ليس بمخطئ، فكل الرجال يتصرفون بهذه الطريقة عند الغضب، والمثير في الأمر أن هذه الفرضية ليست صحيحة، فالواقع به نماذج كثير لرجال يدخلون في نوبات غضب بل وشجار أيضًا، دون إهانة أو تعنيف.

اقرأ أيضًا: لعبة نيوتن: تربة صالحة للابتزاز العاطفي

عدم الحجر على الشعور بالغضب

في النهاية الشعور بالغضب هو أمر مستحق تمامًا، للرجال والنساء معًا، ولكن هناك فارقًا كبيرًا بين الشعور بالغضب، وعدم التحكم في ردود الأفعال بسبب هذا الشعور، لا يمكن الحجر على شخص ما في إحساسه بالغضب، ولكن ما يجب التحكم فيه هو التصرف أثناء فورة الغضب تلك.

والإهانة والضرب والسب هي أمور غير مقبولة تحت أي مسمى ومن أيٍ كان. والتكريس المستمر لطبيعة وأحقية الرجل في التصرف بوحشية أثناء الإحساس بالغضب، هو أمر مخز، ويجب محاولة عدل الكفة في الدراما، فالصورة الحالية للرجل الغاضب في الدراما المصرية، لا تعكس الواقع بشكل كافٍ من جهة، ومن جهة أخرى أصبحت مكررة ومهلهلة ولا تخدم الفن والدراما ولا المجتمع.

اقرأ أيضًا: لعبة نيوتن وخدعة الحب

المقالة السابقةلعبة نيوتن: ما هي مهارات اتخاذ القرار
المقالة القادمةبعد الانفصال: لماذا أرادت “هنا” و”زيزي” العودة لعلاقة مسيئة؟

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا