علاج كرب ما بعد الصدمة: نصائح وأماكن للدعم

3436

اضطراب كرب ما بعد الصدمة Post-traumatic-stress disorder هو مجموعة من الأعراض التي يعاني منها الشخص، عندما يتعرض لحدث صادم يهدد حياته أو حياة المقربين منه، أو يتسبب لهم في إصابات خطيرة. وتعد الكوارث الطبيعية والحوادث والاعتداءات الجنسية والعنف المنزلي أمثلة للأحداث الصادمة. تشمل تلك الأعراض الذكريات الاقتحامية والكوابيس، وسهولة الاستثارة، وتبلد المشاعر، وتشوُّه المعتقدات. ورغم صعوبة الأمر، تتوافر سُبُل علاج كرب ما بعد الصدمة.

اقرأ أيضًا: ما هي أعراض كرب ما بعد الصدمة

كيف يتم العلاج؟ وكم من الوقت يستغرق التعافي؟

التعافي من اضطراب كرب ما بعد الصدمة عملية طويلة ومستمرة. ويتوقف طول فترة العلاج على شدة الحالة وشخصية الضحية. وهناك مدارس وأساليب علاجية متعددة، فهناك العلاج الفردي والعلاج الجماعي. هناك العلاج المعرفي السلوكي Cognitive Behavioral Therapy، والعلاج الجدْلي Dialectical Behavior Therapy، والعلاج بالسيكودراما Psychodrama.

ويوضح د. سامح حجاج، الطبيب النفسي، أن هناك مبادئ مشتركة بين كل المدارس العلاجية، رغم اختلاف طريقتها في العلاج. تشمل هذه المبادئ دعم المريض، وتفهم مشاعره، ومساعدته على قبولها، وتخطي وقع الحدث الصادم عليه.

ويهدف العلاج إلى مساعدة الشخص على استعادة سلامه النفسي، من خلال تغيير المعتقدات الناتجة عن الصدمة، والتي تفسد حياته. فمثلاً يساعدك المعالج أن تأخذ في الاعتبار الأشياء الخارجة عن يديك، لتؤمن أنه لم يكن خطؤك، وتتوقف عن لوم نفسك. كما يهدف العلاج إلى تحسين الأعراض التي يعاني منها المريض، وتعليمه مهارات جديدة لتهدئة قلقه. كما يساعده على مواجهة الأشياء التي يتجنبها، لأنها تذكره بالحدث الصادم، دون أن تشكل خطرًا في حد ذاتها.

ويضيف د. أوسم وصفي، استشاري الطب النفسي ومؤسس مؤسسة الحياة للمساندة والتعافي، أن من أهم أهداف العلاج مساعدة المريض على الخروج من حالة الخدر العاطفي Numbness. فاختبار المشاعر المرتبطة بالحدث الصادم يساعد الشخص على هضمه. وهذا يشبه الجمل يجتر الطعام ويأكله مرة أخرى ويهضمه. كذلك الشخص الذي تعرض لصدمة، عندما يعبر عن مشاعره تجاه ما حدث يهضمه. المهم أن يتم ذلك في بيئة صحية خالية من الأذى والخوف، وتضمن السرية والبعد عن الأحكام مثل جلسات العلاج.

دور العلاج الجماعي في التعافي من الصدمات

يوضح د. أوسم وصفي أن أهم شيء في العلاج هو تشجيع المريض على الحديث عن مشاعره، وليس مجرد سرد الأحداث. الفكرة أن الناس لا يجدون التلامس مع مشاعرهم والتعبير عنها سهلاً بنفس الدرجة، وهنا يأتي دور العلاج الجماعي. فعندما يرى المريض غيره يتكلم ويبكي، فقد يساعده ذلك على التلامس مع مشاعره المكبوتة.

اقرأ أيضًا: الحكي كوسيلة للتعافي

متى يلزم تناول العلاج الدوائي؟

إلى جانب مساعدة المريض على تفريغ مشاعره ومراجعة أفكاره، فإن العلاج الدوائي قد يكون ضرورة، على حسب ما أوضح د. سامح حجاج، إذا وُجِدَ تشخيص مرضي أو أعراض مرضية مؤثرة على حياة المريض أو مهددة لها. ولا يؤخذ أي دواء إلا باستشارة الطبيب.

كيف تساعد نفسك لو كنت تمر باضطراب كرب ما بعد الصدمة؟

أهم شيء أن تراجع طبيبًا نفسيًا، لديه خبرة وعلم بالعلاج النفسي، وتشعر بالارتياح إليه. بالإضافة إلى ذلك، توصي د. شيماء مسلم، الطبيبة النفسية، ببعض الأمور التي تساعدك على تجاوز الأزمة:

– لا تشعر بالذنب أيًا كان رد فعلك تجاه ما وقع. فالإنسان عندما يتعرض لحدث صادم ويشعر بالخطر، يواجه أو يهرب أو يتجمد. وهي ردود أفعال لا إرادية، لا نفكر فيها ولا نختارها، ولا علاقة لها بمدى قرب الشخص المتعرض للخطر مننا.

– في الفترة الأولى بعد وقوع الحدث الصادم، أبطئ إيقاع حياتك، فلا ضير أن تأخذ إجازة من العمل مثلاً. هذا يساعدك على البقاء في اللحظة الحالية والتواصل بمصادر الدعم الخاصة بك. مصادر الدعم قد تشمل أشخاصًا أو حيوانًا أليفًا تربيه أو الاتصال بالطبيعة أو أي ممارسات دينية تشعرك بالراحة. ولا تتردد في طلب الدعم ممن تحب، في الوقت الذي تشعر فيه أنك مستعد للكلام دون أن تضغط على نفسك.

اقرأ أيضًا: كرب ما بعد الصدمة عند الطفال أعراضه وعلاجه

كيف تساعد شخصًا مقربًا يعاني اضطراب كرب ما بعد الصدمة؟

شجعه على التماس المساعدة من طبيب نفسي، فهذه الخطوة يمكن أن تُحدِث فارقًا حاسمًا في التعافي. كذلك يمكنك تقديم الدعم إليه عن طريق الاستماع إليه وقبول مشاعره.

كن مستمعا داعمًا، لا تدفعه للكلام، فقط دعه يعرف أنك متاح وتريد الاستماع إليه عندما يكون راغبًا في المشاركة. واسمح له بالبكاء، فهو مصدر للراحة. لا تطلب منه أنه يكف عن البكاء وينسى ما حدث، فلو كان قادرًا لفعل.

تجنب وصم صديقك والحكم عليه بأنه جبان مثلاً أو ضعيف الإيمان. فردود أفعالنا تجاه الحدث الصادم تختلف من شخص لآخر ما بين الإنكار، والغضب، والذعر، والبكاء طول الوقت، وتجنب ما يذكرنا بالحدث الصادم، وفقدان الإحساس بالأمان. وكلها مشاعر طبيعية ناتجة عما مر به، ولا تتعارض مع الإيمان بالله. وهذا يشبه عندما يصاب شخص بجرح، فليس منطقيًا أن نطلب منه ألا يتألم. فقد خلق الله المشاعر لنختبرها، لأنها تقوم بوظائف في حياتنا. وقبول المشاعر دون استعجال الشخص ليتخطاها يساعده على تجاوز الأزمة دون اضطرابات.

هل استخدام الدين يفيد في علاج اضطراب كرب ما بعد الصدمة

يرى د. سامح حجاج أن استخدام الدين ربما يفيد أو يضر، نظرًا لما قد تسببه الصدمة من تشكك في الدين. ما يفيد هو دعم واحتواء وتفهم المريض وكل مشاعره، ومساعدته من خلال أفكاره ومعتقداته هو أيًا كانت.

ماذا تفعل لو كان لدى أحد المقربين إليك أفكار انتحارية؟

إذا عرفت أن الشخص المقرب إليك يفكر في الانتحار أو حاول بالفعل، فاجعل رد فعلك هادئًا وسريعًا في نفس الوقت. أزل الأسلحة والأدوية وغيرها من الأشياء التي يمكن أن تستخدم لإيذاء النفس. وتأكد من بقاء أحد الأفراد بجواره، وتحمل أذاه ومحاولته دفع الناس بعيدًا عنه. وعند الشك في احتمالية الانتحار، قم بالتنسيق مع مستشفى نفسي لحجز المريض للعلاج، سواء كان مقتنعًا بحاجته للعلاج (علاج إرادي) أو غير مقتنع (علاج إلزامي أو قسري لحين استقرار حالته).

اقرأ أيضًا: كيف تخسر صديقك المصاب بالاكتئاب

كيف تساعد نفسك عندما يمر أحد المقربين إليك باضطراب كرب ما بعد الصدمة؟

قد يكون مؤلمًا أن يمر أحد المقربين إليك بهذه الخبرة الصعبة. ولن تستطيع أن تساعده إلا إذا كنت تعتني بنفسك. خصص وقتًا تمارس فيه أنشطة تمتعك، كأخذ حمام دافئ، أو مشاهدة التليفزيون، أو تناول مشروبك المفضل. لا يهم أن يكون النشاط بسيطًا، ولكن المهم أن تستمتع باللحظة وتعيشها من قلبك.

كذلك اهتم بتناول طعام صحي ومتوازن، وشرب الكثير من الماء، إلى جانب ممارسة رياضة خفيفة، والنوم جيدًا. فهذه كلها أمور تؤثر على مرونتك النفسية وقدرتك على التعامل مع المشاعر المؤلمة. وأخيرًا، لا تتردد في طلب المساعدة من الآخرين، ومشاركة مشاعرك مع شخص تحبه، أو التماس المساعدة من متخصص عند الحاجة.

هل يمكن الوقاية من الصدمات أو تقليل احتمال حدوثها؟

وعي الإنسان بمشاعره واحتياجاته وقدرته على التعبير عنها يساعده على تجاوز الأزمات. ولذلك ينصح د. أوسم وصفي بأن يكون المنزل بيئة آمنة للكلام عن المشاعر، فلا خطأ في المشاعر، وإنما الخطأ في الأفعال. وتؤكد د. نعمات عليّ، الطبيبة النفسية، أن الوعي ضرورة حتى لغير المتخصصين. من أمثلة ذلك معرفة الأعراض التي ربما يختبرها الشخص لو تعرض لحادث صادم، والأفكار والمشاعر السلبية التي قد تنتج عنه. فكثير من ضحايا الاعتداءات الجنسية مثلاً يشعرون بالذنب تجاه ما حدث.

أما د. سامح حجاج فيذكر أنه من الممكن اتخاذ إجراءات منهجية لتجنب حدوث بعض الكروب. فمثلاً، ينبغي توعية الأطفال بخصوصية الجسد وحرمة التعدي عليه، وضرورة الاعتراض والإبلاغ عند الإحساس بأي مشكلة أو عدم راحة. هذا بالإضافة إلى دعم الفئات المستضعفة كالأطفال والنساء والمعاقين والأيتام، وتطوير نظم توقع الكوارث الطبيعية وتوعية الناس عند قرب حدوثها.

ما هي الأماكن التي تقدم العلاج من الصدمات؟

يقدم العديد من الأطباء النفسيين الخدمة في عياداتهم الخاصة. وتقدم مؤسسات رعاية اللاجئين الخدمة للاجئين. هذا بالإضافة إلى عيادة واحة في مستشفى العباسية للصحة النفسية، وفي مستشفى حلوان للصحة النفسية.

المصادر:

bit.ly

wb.md

m.youtube.com

www.youtube.com

المقالة السابقةهل الخوف من المجهول مرض؟ كيف تتخطي الخوف؟
المقالة القادمةفي حب الروايات

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا