الخوف قد يتحول لمرض يفتك بصاحبه، ويدمر حياته وعلاقاته مع الآخرين لذلك يجب ان نتخلص منه في اسرع وقف، لكن ماذا لو لم يكن هناك شئ مادي يخيفك ما العمل! اذا فانت مصاب بالخوف من المجهول.
فوبيا الخوف من المجهول
الخوف هو مجرد كلمة من ثلاثة أحرف، ولكنها تحمل في طياتها الكثير من المشاعر المتداخلة، من القلق، التردد، الحيرة، وأحيانًا عدم الشجاعة. فهل الخوف هو مجرد شعور فطري نُولد به، أم هو شعور مٌكتسب أو دخيل على حياتنا، بحكم ما نمر به من مواقف أو حتى ما نشاهده من تجارب للآخرين؟ وهل بإمكاننا محاربة هذا الشعور والتعافي منه والسيطرة عليه، أم أنه من الأفضل الاستسلام له؟
قبل الرد على هذه الأسئلة، أو حتى قبل أن أخوض في سرد أنواع الخوف من وجهة نظري، وجدتني أستدعي في ذاكرتي مشهد ولادة أي طفل. هذه اللحظة التي يخرج فيها الطفل للدنيا باكيًا، وما هو سبب هذا البكاء أو الخوف، فهل فعلاً نولد نحن بهذا الشعور، شعور الخوف؟!
تعرفي على: الخوف من الحب (الفيلوفوبيا)، الخوف من الحب في علم النفس
الخوف من المجهول أشد أنواع الخوف
أرى أن للخوف أنواعًا ثلاثة: الخوف الطبيعي، كالخوف مثلاً من الحيوانات المفترسة، وهذا بكل تأكيد خوف مبرر. وهناك أنواع أخرى من الخوف تندرج تحت مسمى الفوبيا، كفوبيا الأماكن المغلقة أو المرتفعة، وأرى أن هذا النوع من الخوف الذي يندرج تحته العديد من أسماء الفوبيا يستطيع الإنسان التغلب عليه بالتدريج وعدم الاستسلام له وعلاجه.
أما عن النوع الثالث من الخوف الذي أرى أنه من أشد الأنواع هو “الخوف من المجهول”
يعد أعنف الأنواع، فقد يؤدي إلى التلعثم في اتخاذ قرارات مصيرية، خوفًا من العواقب أو خوفًا من عدم القدرة على تحمل النتائج، وقد يؤدي هذا إلى ارتباك حياة الشخص بالكامل، أو حتى عدم استقرارها. قد يؤدي أيضًا إلى ضياع كثير من الفرص على عتبات التردد والحيرة والقلق والتسويف النابعين من الشعور بالخوف من المجهول.
تعرفي على: مع تصاعد مخاوف الحظر: ما هو الخوف الصحي وغير الصحي؟
نظرة علم النفس في الخوف من المجهول
هذا النوع من الخوف إذا تمكن من شخص أفقده القدرة على التقدم في حياته ولو بخطوة واحدة.
والسبيل الأول لنا لكي نستطيع أن نسيطر على هذه الهواجس، هو أن نضع أيدينا على تلك الأسباب التي تتملكنا، والتي تؤدي بنا بدورها إلى دوامة الخوف من المجهول.
أسباب الخوف من المجهول
أحيانًا الخوف من المجهول يكون سببه نابعًا من خوف الشخص من الخسارة أو عدم التوفيق في مشروع ما، وهو ما يدفعه حتى إلى عدم اتخاذ أي خطوة تجاه هذا المشروع. أحيانًا يكون الخوف من المجهول نابعًا من تركيز الشخص على التجارب الفاشلة، وخوفه من تكرارها، وأحيانًا يكون الخوف من المجهول نابعًا من عدم ثقة الشخص بنفسه بالشكل الكافي، إلى الحد الذي يمكنه من اتخاذ قرار ما وتحمل عواقبه.
تعرفي على: الخوف عند الأطفال اسبابه وعلاجه، أشهر أنواع مخاوف الأطفال
علاج الخوف من المجهول
أشعر بالخوف من المجهول ماذا أفعل ؟
الثقة
وأعني هنا الثقة على كل المستويات، ثقة الشخص بنفسه وثقته بقدراته على النجاح والتغيير والوصول لأهدافه، لطالما لديه من السبل والوسائل ما يمكنه من إدراك وبلوغ ما يتمناه من نجاح مشروعه، إن كنا نتحدث عن مشروع مادي، ولكن لا يجب أن تتحول هذه الثقة إلى نوع من الغرور، الذي قد يؤدي به إلى عدم قدرته على كبح جماح هذه الثقة، ولهذا يجب أن تكون ثقة مٌغلفة بدراسة المخاطر والإلمام بعوامل النجاح والفشل.
وحتى إذا كنا نتحدث عن مشروع عاطفي ممثلاً في خطوة الزواج والتي أيضًا يخاف الكثير من الشباب في عصرنا هذا من الإقدام عليها، سواء فتيات أو شباب، فهذه الخطوة أيضًا وهي تأسيس حياة كاملة جديدة مستقلة عن الأسرة، تحتاج من كل شاب وفتاة توافر الثقة في نفسه وفي قدرته على اختياره للشريك المناسب له، اجتماعيًا وفكريًا وماديًا، الثقة أيضًا في قدرته على تحمل المسؤولية وبناء أسرة وتقديم أولاد سوية للمجتمع نفسيًا وأخلاقيًا.
الاستعداد
استعداد الشخص النفسي والمادي قبل الإقدام على أي خطوة تخص مستقبله.
الاستفادة من تجارب الآخرين
أما إذا كان خوف الشخص من المجهول سببه هو الخوف من تكرار تجارب الآخرين الفاشلة، فلمَ لا يتحول هذا الخوف إلى استفادة من تجارب الآخرين، ودراسة العوامل التي أدت إلى فشل أي مشروع، تجاريًا كان أو اجتماعيًا، لتفادي تكرار الوقوع في مثل هذه التجارب الفاشلة.
ختامًا.. لا بد أن نٌسلم بوجود هذا الشعور بداخلنا جميعًا على مختلف مراحل حياتنا، بداية من صرخات المولود مع خروجه من بطن أمه، وتلك الأصوات الغريبة التي يسمعها لأول مرة، لحين يصبح هذا المولود طفلاً ويصبح الخوف من المجهول له هو تلك الاختبارات المدرسية التي عليه أن يجتازها. وتمر سنوات أخرى ليصبح الخوف من المجهول لذلك الطفل الذي أصبح مراهقًا يتمثل في ارتباكه في اتخاذ قرار الكلية التي سوف يلتحق بها.
وبعد التخرج يصبح الخوف من المجهول هو رحلة كفاح الشاب أو الفتاة في مستقبله الوظيفي والقدرة على اختيار شريك الحياة المناسب اجتماعيًا وفكريًا، لاستكمال رحلة الحياة معًا. ويبدأ التحول في الخوف بعد ذلك على مستقبل أولادهم وكيفية توفير أفضل سبل الحياة الكريمة والوصول بهم لبر الأمان. وبعد سنوات عديدة يصبح الخوف من المجهول يتمثل في الخوف من المرض وفراق الأحباب وأشياء أخرى عديدة.
ولكن نستطيع أن نضع هذا الخوف في إطاره الطبيعي الصحي، حتى لا يتحول بنا إلى خوف مرضي، يؤدى بنا إلى مشاعر متضاربة من الحيرة والتردد والقلق. وهنا فقط وبعد أن أصبحنا قادرين على تجاوز هذا الشعور يصبح الخوف من المجهول هو مجرد شعور طبيعي.