الخوف عند الأطفال: الأسباب والعلاج

4377

من منا لم يختبر مشاعر الخوف في مرحلة الطفولة؟ الاختباء تحت الغطاء عند سماع صوت المطر أو الرعد، ومحاولة التأكد من عدم وجود وحش أسطوري في الخزانة ينتظر التهامنا فور النوم. كبرنا وربما تغيرت مخاوفنا كآباء وأمهات، ولكن ظل الخوف هناك ينتظر أطفالنا، لنبحث مجددًا عن طرق علاج الخوف عند الأطفال ، وهل حقًا إخبارنا لهم أنه لا داعي للقلق ولا وجود للوحوش الأسطورية سوى بخيالنا، أمر يساعدهم على التخلص من مخاوفهم؟ هل ما يعاني منه طفلي خوف طبيعي أم مرضي؟ وما هي أسباب الخوف المحتملة؟ لنتعرف معًا في السطور التالية.

أنواع الخوف عند الأطفال

لأن علاج الخوف عند الأطفال هو غاية كل أب وأم، فعلينا أن نعرف أولاً أن الخوف من الظلام والحيوانات والأماكن الجديدة والألعاب الصاخبة، من الأشياء المألوفة والطبيعية لدى الصغار، فالخوف عند الأطفال عادة يكون طبيعيًا ومقبولاً ما دام في الحدود الطبيعية التي لا تعوقهم عن التطور والنمو بصحة نفسية وجسدية جيدة. ومع ذلك كيف يمكننا معرفة الفرق بين الخوف الطبيعي والخوف المرضي عند الطفل؟

الخوف الطبيعي

هو مشاعر طبيعية بل وضرورية لتحمي الأطفال من الاندفاع وإيذاء أنفسهم. ويختبر الأطفال مشاعر الخوف الطبيعي منذ الولادة وتتغير معهم كلما تقدموا في السن. تقول تامار تشانسكي، دكتورة ومؤلفة كتاب “تحرير طفلك من القلق”: “بدون خوف، سنقفز بتهور إلى أشياء لا ينبغي لنا أن نفعلها”، نفس الأمر بالنسبة للأطفال، إذ يخافون من الأشياء خارج نطاق خبرتهم.

الخوف الطبيعي هو شعور بالحذر عادة، ناتج عن خبرات سابقة أو فطرة الطفل، يكون مصحوبًا بالبكاء أو الصراخ والغضب، مثل الخوف من الحيوانات أو الظلام أو الأماكن الغريبة أو زيارة الطبيب أو الخوف من وحوش أسطورية شاهدها طفلك في الكارتون، كذلك الخوف من الحشرات اللادغة والخوف من السباحة أو حتى من الذهاب للمدرسة أو الحضانة لأول مرة، ومع ذلك فهذه المشاعر ليس من المفترض أن تعوق الطفل عن ممارسة حياته الطبيعية، ومع الوقت يتأقلم معها ويتعلم كيف يواجهها ويتخلص منها تدريجيًا.

الفوبيا أو الرهاب (الخوف المرضي)

الخوف المرضي أو الفوبيا أو الرهاب الشديد هو مشاعر خوف مضطربة للغاية، تصاحبها أعراض مثل التعرق الشديد والرعشة وبرودة الأطراف وتسارع دقات القلب، وربما الشعور بالغثيان والقيء، وتكون تجاه شيء محدد وواضح وله وجود مادي ملموس، مثل الأماكن المرتفعة أو بعض أنواع الحشرات أو المصاعد أو مياه البحر وما إلى ذلك.

الخوف المرضي يكون عندما يركز طفلك على موضوع خوفه أو التفكير أو الحديث عنه كثيرًا، أو حتى عندما لايكون المحفز غير موجود ولكن تباغته نوبة هلع. وهي مخاوف تحد من قدرة طفلك على الاستمتاع بحياته أو المشاركة في الأنشطة، على سبيل المثال، رفض الذهاب في رحلة صيفية إلى المتنزه لأنه قد يكون هناك كلاب أو مرتفعات.

ومن علامات القلق الشديد نوبات الهلع أو السلوك القهري أو التخريبي، أو الانسحاب من الأنشطة أو المدرسة أو الأسرة. ولا ترتبط الفوبيا بالوحوش الأسطورية والظلال المتحركة في الظلام وخيالات الطفل، لكنها ترتبط بواقع ملموس ومباشر، وبناء على حدث ما تعرض له الطفل أدى لتفاقم هذه المشاعر، وهنا يحتاج الأمر لأكثر من مجرد تهدئة واحتواء من قبل الأسرة، بل زيارة الطبيب النفسي أو المعالج السلوكي لاتخاذ اللازم في علاج طفلك.


أسباب الخوف عند الأطفال

“الإحساس بالوحدة والتخلي هو السبب الرئيسي لمخاوف الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة”، وفقًا لهاري ستاك، عالم النفس الأمريكي ومؤلف كتاب “مخاوف الأطفال” فإن التعرف على سبب الخوف عند الأطفال أولى خطوات العلاج، وتنقسم هذه المخاوف لما يلي وفقًا للمرحلة العمرية:

1. قلق الانفصال

في وقت ما بين 10 أشهر وسنتين، يبدأ العديد من الأطفال الصغار في الخوف من الانفصال عن والديهم، لا يريدون أن يتركهم أحد الوالدين في الحضانة أو في وقت النوم، قد يبكون ويتشبثون ويحاولون البقاء بالقرب من والديهم لأطول فترة ممكنة.

2. الخوف الخيالي

يمكن للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و6 سنوات التخيل والتظاهر، لكن لا يمكنهم دائمًا معرفة ما هو حقيقي وما هو غير ذلك، فبالنسبة لهم تبدو الوحوش المخيفة التي يتخيلونها حقيقية، إنهم يخشون ما قد يكون تحت سريرهم أو في الخزانة، يخاف الكثيرون من الظلام وفي وقت النوم، والبعض يخاف من الأحلام المخيفة، وقد يخاف الأطفال الصغار أيضًا من الضوضاء العالية، مثل الرعد أو الألعاب النارية.

3. الخوف الاجتماعي

عندما يبلغ الأطفال 7 سنوات أو أكبر، غالبًا لا تستطيع الوحوش الموجودة تحت السرير تخويفهم كثيرًا، لأنهم يعرفون أنهم ليسوا حقيقيين، في هذا العمر يبدأ بعض الأطفال في الخوف من الأشياء التي يمكن أن تحدث في الحياة الواقعية، قد يكون لديهم خوف من وجود شخص سيئ في المنزل، وقد يشعرون بالخوف من الكوارث الطبيعية التي يسمعون عنها، قد يخشون التعرض للأذى أو موت أحد أفراد الأسرة، يشعر أطفال المدارس أيضًا بالقلق بشأن الواجب المدرسي أو الدرجات أو التوافق مع الأصدقاء.

 


علاج الخوف عند الأطفال

إذا كنت تريد أن تمنح طفلك درعًا واقيًا في مواجهة مخاوفه طوال مراحل حياته وليس في طفولته فقط، فعليك أن تعلمه كيفية صناعة هذا الدرع أولاً. أن نمنح أطفالنا فرصة للتدرب والتعامل مع مشاعر الخوف هو السبيل الوحيد لعلاج الخوف عند الأطفال وحتى حين يصبحون كبارًا:

1. دعي طفلك يعرف أنكِ موجودة لحمايته، اعطيه العناق والكلمات الهادئة لمساعدته على الشعور بالأمان، حدثيه أنكِ مررت بنفس هذه المشاعر من قبل وتغلبتِ عليها وأنها مشاعر طبيعية ومقبولة.

2. تحدثي واستمعي لطفلك عن مخاوفه، كوني هادئة وصبورة، ساعدي طفلك على تحويل المشاعر إلى كلمات، وأخبريه أنكِ تقدرين وتعترفين بهذه المشاعر ولا تسخرين منها مطلقًا.

3. خذي مخاوف طفلك على محمل الجد، لا تسخري أو تقللي أو تنكري على طفلك مشاعره بالخوف من أي شيء مهما بدا بسيطًا وساذجًا من وجهة نظرك، ضعي نفسك مكانه واجعليه يشعر بالثقة في نفسه ليتحدث عن سبب خوفه بسلاسة.

4. دعي طفلك يبتعد عنك لفترات قصيرة في البداية إذا كان يخشى الانفصال، عندما تحتاجين إلى الانفصال عن طفلك، أخبريه أنك ستعودين في توقيت محدد، وكوني صادقة معه.

5. لطفلك الصغير الذي يخاف من الظلام، اتبعي روتين نوم مهدئ، اقرئي أو غنّي لطفلك، أنيري إضاءة خافتة بالغرفة حتى يعتاد على النوم في سكون.

6. ساعدي طفلك على مواجهة المخاوف ببطء، على سبيل المثال تحققا معًا من وجود وحوش تحت السرير قبل النوم، دعي طفلك يرى بنفسه أنه لا يوجد ما يخشاه، ساعديه على الشعور بشجاعته، فتعريض طفلك لمواجهة مخاوفه بجرعات صغيرة تدريجية يجعله يألفها وينساها بسهولة لاحقًا.

7. قللي من الصور المخيفة أو الأفلام أو العروض التي يراها الأطفال ويمكن أن تسبب مخاوف، مثل أفلام وبرامج الكارتون أو الألعاب الإلكترونية.

8. ساعدي طفلك في سن المدرسة والمراهقة على تعلم الاستعداد للتحديات، مثل الاختبارات أو تقارير الفصل من خلال تعلم مهارات تنظيم الوقت والتحصيل، والأهم أنكِ تؤمنين بهم مهما كانت درجاتهم العلمية.

إن مساعدة الأطفال على تعلم كيفية إدارة المخاوف التي يواجهونها بشكل منتظم، مثل الخوف من الظلام أو الذهاب إلى الطبيب، أمر ضروري، ولكن ليست كل المخاوف متساوية. فالمخاوف التي لا تتدخل في عرقلة حياة الطفل لا تحتاج دائمًا إلى التغلب عليها، من ناحية أخرى، إذا كانت مخاوف طفلك مستمرة أو شديدة للغاية أو تبدأ في التدخل في حياته اليومية، فقد يكون الوقت قد حان لطلب المساعدة من المتخصصين.

كأم أذكرني وأذكرك في النهاية أنه يجب علينا أولاً أن نتغلب على مخاوفنا من ترك الصغار يواجهون مخاوفهم، فإن غريزتنا الطبيعية تدفعنا لنكون درع الحماية لعلاج الخوف عند الأطفال ، نخبرهم بيقين لا يوجد شيء تحت السرير، أعدك! سأظل بجانبك لحمايتك من أي شيء، ولكن، من الناحية الواقعية  لا نستطيع ولا ينبغي لنا الحضور دائمًا لمساعدة الأطفال على مواجهة مخاوفهم، بل كل ما توجب علينا فعله حقًا هو الاحتواء الهادئ وتعليم أطفالنا كيفية إدارة هذه المخاوف دون تدخل مباشر منا، يساعدهم ذلك لاحقًا على بناء الثقة والاستقلالية التي يحتاجونها لبناء شخصيتهم، ليصبحوا أكثر قوة واتزانًا نفسيًا وأقل خوفًا، الآن ومع تقدمهم في السن.

المصادر:

www.webmd.com

kidshealth.org

www.healthline.com

المقالة السابقةحكايات الطفولة: إن أعادوا لك الذكريات فمن يعيد الرفاق
المقالة القادمةحياة بلا كمامات
باسنت إبراهيم
كاتبة وصحفية مصرية

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا