حكايات الطفولة: إن أعادوا لك الذكريات فمن يعيد الرفاق

3112

بقلم: سلمى آدم

حين أعود للوراء.. تأتيني صور من الماضي

أطياف ذكريات قد صارت حكايات.. تأتي ثم تمضي

“آلة زمن هذا العصر” هكذا أعتبر موقع يوتيوب. كثيرًا ما تمر عليّ ساعات طويلة أشعر فيها بالضجر، أنهيت أعمالي ولا أجد ما أتابعه ومزاجي ليس جيدًا بما يكفي لأشاهد مسلسلي المفضل، فورًا أتجه إلى اليوتيوب الذي أعتبره سلاحًا لا يستهان به لقتل ملل الوقت، هناك أغرق في دوامة لا تنتهي من الذكريات، أعيد تلك الذكرى الجميلة لأعيش تفاصيلها مرة أخرى، وأتجنب تلك التي تصيبيني بالحزن.

يأتيني من بعيد صوت الجميلة رشا رزق وهي تدندن على لسان “أيروكا” بطلة المسلسل الكارتوني، صوتًا عذبًا، ملائكيًا يأتيك من عالم الأساطير والخيال، ليقتحم شرفة أحلامك ويعبث بها، حتى لو كانت أحلامًا طفولية سخيفة، كمثل أن أصبح الشخص الأغنى في العالم أو أتزوج شخصيتي الكارتونية المفضلة، ولكنها كانت بسيطة هانئة، كمثل ومضة تنير واقعنا وتدفعنا نحو الأمام.

كل كلمة من كلمات أغانيها الساحرة تحمل فصلاً جميلاً من القصة، وتأخذنا لعالم بعيد ولكنه جميل، نحو أجمل اللحظات التي ما زال لها رونق خاص في القلب، كلمات كانت قديمًا تبعث القشعريرة في جسدك، وكأنها جرس مميز يذكرك بأن السعادة الكارتونية المفضلة لك اقتربت من بدايتها، وأن أمامك وقتًا لطيفًا لتقضيه بصحبه الأهل والأخوات، أما اليوم فصارت كمثل صافرة إنذار مخيفة، تحذرك “احترس أمامك ذكرى ستبكيك”.

مرت بخاطري فكرة.. عبرت ظلت الذكرى.. نسيت الحزن شوقًا للغد الأفضل

دروب قد قطعتِها..  أفينا البعد أم فيها..  نسينا عيبنا في الأمس لم نسأل

أنقّب بين الذكريات وأتوقف عند هذا الفيديو بعنوان “دروب ريمي”، وفورًا تعود بي الذكرى، حنينٌ عظيمٌ أحبسه في داخلي، أرى الثواني تمضي وتظهر المشاهد أمامي وكأنه يُعاد تمثيلها من جديد، أشاهد نفسي جالسة أمام شاشة التليفزيون في منزلنا وبجواري إخوتي، يخيم الصمت المُطبق على أرجاء المنزل ولا يبقى سوى صوت “ريمي”، نجلس لنتابع في صمت مغامراتها مع “العم فيتالس” ورحلتها لتجد أمها الحقيقية، أتذكر كم بكينا عند وفاة “العم فيتالس”، ربما كانت صدمة طفولتنا حينها، وكيف صفقنا فرحًا عندما التقت “ريمي” بأمها، تعلمنا منها الصبر والمثابرة وعرفنا قيمة الأم والصداقة الحقيقة وشعرنا معها بألم الفقد لأول مرة.

تهدينا الحياة أضواءً في آخر النفق تدعونا كي ننسى ألمًا عشناه

نستسلم لكن لا ما دمنا أحيـاء نرزق ما دام الأمل طريقًا فسنحيا

سرت نحو محطتي القادمة، حيث المسلسل الكارتوني “عهد الأصدقاء”. من منا لا يتذكر صداقة “روميو” و”ألفريدو”؟ ما زلت أتذكر لمعان عيني في كل مشهد أراهما يتجاوزان كل المواقف والمصاعب معًا، أتذكر حزني على وفاة “ألفريدو” الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بين يدي صديقه “روميو”، والذي رغم حزنه على فراقه ظل وفيًا لذكراه، بل وحارب ليحقق له ما كان يتمنى، هذه هي الصداقة الحقيقية إذًا.

لمعت الفكرة في رأسي عندما كنت صغيرة وأملك بضع صديقات مقربات، فكرت حينها لماذا لا تكون صداقتنا وطيدة مثل صداقة “روميو” و”ألفريدو” ونظل معًا حتي تشيب رؤوسنا؟ لكن ماذا حدث بعدها؟ كبرنا وتفرقنا، وظل الأمر مجرد ذكرى جميلة لشيء لم يكن، فتلك هي الحياة يا صديقي، تفرق الأحبة وتبدد الآمال وتدفع بأحلامك في اتجاه آخر لم تخطط له يومًا.

كان حلمًا منيرًا مشرقًا كالنهار.. ليته ظل حلمًا يا زماني

أكملت رحلتي وأنا أتجول وسط سلسلة لا نهائية من الذكريات، هذا “أنا وأخي” الذي تعلمت من خلاله معنى الأخوة، من خلال قصة “سامي” و”وسيم”، حيث رحلت أمهما تاركة لهما رسالة تجلت في مقدمة المسلسل “لا تنسَ أخاك ترعاه يداك”، وهذا “مارتن مستري” أول فتى أحلام لكل الفتيات، شعره الأصفر وقميصه الناري وسلوكه السيئ أحيانًا، كانت خلطة سحرية لتجذب الفتيات آنذاك، هذه أغنية مسلسلبوكيمون” أتذكر أنني كنت أجمع بطاقات بوكيمون لكي أصبح الأفضل بين الجميع، ولكنها انتهت في النهاية في صندوق القمامة بعدما انتشرت إشاعة أنها تسبب مرض السرطان، خسرت بطاقاتي ولم أصبح الأفضل أيضًا، لمحت أيضًا “الفتيات الخارقات” و”كابتن ماجد” و”سلاحف النينجا” و”أتوبيس المدرسة السحري” و”أبطال الديجيتال” وغيرهم.

يمكن القول إنسبيستون” التي بدأ بثها في مارس عام 2000 بفقرة أطفال ضمن تليفزيون البحرين الحكومي، ثم انطلقت بعدها كقناة مستقلة عام 2002، صنعت طفولتي. ربما انتهت رحلتي مع “سبيستون” كواقع، إلا أن ذكراها بقيت محفورةً في داخلي ولا يمكن للسنين محوها، فهذه حكايات طفولتنا التي لا زالت تبعث فينا الأشواق إلى زمن كنا به سعداء، ربما نسينا تفاصيلها لكن الذكريات المرتبطة بها ظلت عالقة في أذهاننا، ذكريات نشم فيها رائحة العائلة ونشعر معها بمشاعر بالدفء والاحتواء، ونسمع رفقتها أصوات الضحكات والقهقهات ونرى من خلالها أحلام الطفولة وبراءة التخيل، كلمات تعلمنا منها دروسًا وحكمًا أكثر مما تعلمنا في مدارسنا، وأغاني حفظناها دون حتى أن ندري مَن دندنها، وأبطالاً عشنا معهم أكثر مما عشنا رفقة إخوتنا وأصدقائنا.. فالذكريات الحلوة تبقى حتى وإن حاولنا النسيان.

هل أهدتنا الحياة أضواءً في آخر النفق؟

نتساءل في كل يوم تتسلل فيه الذكريات بين جوارحنا، فتملأ قلوبنا حنينًا وألمًا، “هل الذكريات التي كانت تجعل قلوبنا ترقص فرحًا بإمكانها أن تطعنك في القلب ذاته؟”، لنتكشف بعد ذلك أن الذكريات السعيدة صارت تحزننا أكثر من تلك الحزينة التي صرنا نضحك عليها وعلى تجاوزنا إياها، نكتشف أن الحكايات التي عشنا طويلاً على أمل أن تعود من جديد انتهت، وأخذت معها الضحكات المتناثرة والأحاديث الطفولية البريئة والأحلام الساذجة، ولم تترك لنا سوى فتات ذكرى وبضع صور متهالكة تبعث في صدورنا حزنًا وألمًا، وأصدقاء رحلوا أو تغيروا أو تقطعت أواصر الحديث بيننا منذ زمن ولن تعود أبدًا.

ننظر إلى أنفسنا لنجد أننا تغيرنا مثل أبطال طفولتنا، ولم نعد هؤلاء الحالمين الذين كانت أقصى أحزانهم أن ينسى والدهم إحضار مجلة الخميس، أو تراهم والدتهم وهم يتسللون خلسة لمشاهدة مسلسل “حكايات بوسي” صباح الجمعة، أو يضطرون إلى النوم مبكرًا وعدم إكمال المسلسل الكارتوني المفضل، إنما أصبحت أحزاننا أشد قسوة وألمًا.

نكتشف أننا خُدعنا من حكايات طفولتنا لسنوات، وأعددنا أنفسنا طويلاً لعالم لم نعرف عنه شيئًا، عالم ليس ورديًا مثلما رأينا في قصص طفولتنا، فالخير لا ينتصر دومًا على الشر، والحياة قد “لا تهدينا دائمًا أضواءً في آخر النفق”، وأنمش لسة الدنيا بخير”، فالعالم ليس مليئًا بالأخيار الذين لا يتوانون عن مساعدتك، والأشرار ليسوا دائمًا وحوشًا مخيفة، إنما قد يكونوا أكثر الناس لطفًا.

علمنا في النهاية أننا لا نملك عصا سحرية لتغيير الواقع، ولن نصبح يومًا أبطالاً خارقين أو أميرات مدللات، إنما كل ما لدينا هو السعي والتشبث بالأمل وتعلّم النجاة في خضم معركة الحياة، وأحيانًا التأقلم على وضع لا نحبه، ولكنه قد يكون كل ما نملك، أحلامنا ربما قد تتلخص في أن نعيش في هدوء وسلام، ونحقق ما يجعلنا نشعر ولو بقليل من الرضا، ويكون لنا نصيب في أن نجرب شعور النجاح، حتى ولو كان وقتيًا وبسيطًا، والأمل ربما قد يكون أحيانًا دربًا من دروب الجنون، لكنه يبقى الخيار الوحيد لدينا، “فما دام الأمل طريقًا فسنحيا”.

المقالة السابقةمتلازمة ما بعد كورونا: كيف تساعد المصابين (تجربة شخصية)
المقالة القادمةالخوف عند الأطفال: الأسباب والعلاج
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا