هدى الرافعى
التربية رحلة، نتعلم طوال الوقت مع أبنائنا ومنهم، ونطور أنفسنا، حتى نهوّن على أنفسنا صعوبة الرحلة، ونجعلها أكثر متعة وإفادة لنا ولهم. وفي مقالي هذا أحكي لكم عن بعض الدروس التي تعلمتها في رحلتي -التي ما زالت في بدايتها- مع صغيرتي “شمس”:
1- سلاح الإلهاء: تعلمت عندما أرغب في صرف “شمس” عن شيء ما أن أشتتها عنه، بإعطائها بديلاً
أو أخذها إلى مكان آخر… إلخ. التشتيت من الأساليب التي تنقذني في مواقف كثيرة، وأرى فيه احترامًا للطفل. والأمر لا يتطلب سوى قليل من الذكاء ولكن كثيرًا من الصبر.
2- اقرأ لطفلك وحببه في القراءة منذ ميلاده، بل قبل ميلاده: يمكنكم أن تتعرفوا على تجربتنا مع
“شمس” والقراءة
3- التليفزيون قِلّته أحسن: دراسات عديدة تؤكد أضرار التليفزيون على الأطفال، حتى أن الجمعية الأمريكية لطب الأطفال توصي بعدم مشاهدة التليفزيون (ولا باستخدام الشاشات كالآيباد والموبايل) للأطفال دون السنتين، وبحصرها في أقل من ساعتين يوميًا للأطفال الأكبر. إن الطفل يتعلم من خلال اللعب واستكشاف البيئة والتفاعل مع الآخرين، واستخدام الشاشات يتسبب في تكاسله عن ذلك. ولقد جربنا ذلك بأنفسنا مع “شمس”، فليس لدينا تليفزيون في المنزل، والموبايل لا ندعها تستخدمه إلا في أضيق الحدود كالسيارة مثلاً.
4- تبادل الخبرات مع أمهات أخريات: ففي ذلك إفادة كبيرة على المستوى التربوي، وأيضًا ونس وسند في رحلة التربية، ولكن ليس كل الأمهات يمكن أن يكنّ لكِ شبكة دعم، فالمهم أن يكنّ متفهمات، راغبات في التعلم وتطوير أنفسهن، وأن يكون بينكن توافق في الأفكار.
5- التعلم مفيد حتى لو لم تنفذي كل ما تعلمتِه على الفور: لنطبق ما نتعلمه نحتاج بعض الوقت
لنستوعبه، ونتدرب على اكتساب المهارات اللازمة لتطبيقه، ونرى كيف سنطبقه في سياق ظروفنا. لذا لا تشعري بالإحباط لأنكِ نسيتِ ما قرأتِ أو سمعتِ، فأعتقد من واقع تجربتي أن كثيرًا منه يتم تخزينه بداخلك ليتم استدعاؤه وقت الحاجة.
6- توقفي عن التسويف: على الإنترنت كثير من أفكار الأنشطة التي يمكن أن ننفذها مع أبنائنا. من المفيد جدًا الاطّلاع على تلك الأفكار والاحتفاظ بها في مكان يسهل عليكِ الرجوع إليها، ولكن حاولي ألا تشلّك كثرة الأفكار عن التطبيق. لقد حدث معي ذلك حتى قررت البدء في تنفيذ الأفكار التي أراها سهلة عليّ ومناسبة لسن ابنتي، وخاماتها (أو بدائلها) متوفرة لديّ. وخلصني ذلك من مشاعر الارتباك والذنب.
7- تربية الطيور والحيوانات: من أجمل ما صنعته لي أمي في طفولتي شراؤها للحيوانات والطيور لنربيها في المنزل. لي ذكريات جميلة مع هؤلاء الأصدقاء، كما تعلمت من الاعتناء بهم الرحمة والمسؤولية. أردت أن أكرر الأمر مع “شمس”، فأحضرنا لها عصافير. ومن سعادتها وضعت كرسيها الصغير أمام القفص وجلست تراقبها باهتمام وشغف. هذا الشغف الذي يزداد يومًا بعد يوم، والذي أراه في حد ذاته فائدة عظيمة لها. كما أنني واثقة أنها تتعلم الكثير منها ومعها، ولكن قبل أن تقرري شراء أي حيوان أو طائر، تأكدي أنه ملائم لسن طفلك وآمن صحيًا.
8- التجديد والمشاركة: أحيانًا أشعر بعدم القدرة على إنجاز أي عمل من أعمال المنزل بسبب رغبة “شمس” في وجودي واهتمامي طوال الوقت، كما أشعر بالملل في بعض الأيام وبأنني لا أعرف كيف أمضي الوقت معها. بدأت ألاحظ كيف تلعب أمي معها، وأجمع أفكار الأنشطة من الإنترنت وأحتفظ بها على هاتفي، وأحاول الخروج بها في أماكن قريبة ولو لشراء احتياجات المنزل، والأهم أن أتبع شغفها، كما أحاول إشراكها معي فيما أفعل قدر المستطاع، فمثلاً أطلب منها أن تخرج الغسيل من الغسالة أو أدعها تشم التوابل، وهكذا. ورغم ذلك أشعر في بعض الأيام بالملل والكسل، ولكن النقطتين التاليتين ربما تساعدان.
9- أنتِ مهمة؛ اطلبي المساعدة: يجب أن أهتم بإسعاد نفسي حتى أكون قادرة على إسعاد أسرتي. لذا من الخطأ أن نضع أنفسنا -الأمهات- دائمًا في ذيل القائمة. ربما من الصعب أن نهتم بأنفسنا خصوصًا مع ثقافة المجتمع التي تشجع دور الأم الشهيدة وتراه الطبيعي، بل ترى أنكِ مقصرة ومدللة إن لم تلعبيه. ولأننا بشر فإننا بحاجة إلى المساعدة، ولا ينتقص هذا من قدرنا وقدراتنا. وحتى يتمكن الآخرون من مساعدتنا، علينا أن نتحدث عن مشاعرنا واحتياجاتنا وألا ننتظر أن يفهموا ما نريد دون أن نتكلم.
10- تنظيم الوقت: من الأشياء التي تمنعني من الاستمتاع بوقتي مع “شمس” أن يكون عليّ الكثير من أعمال المنزل. وعثرت لهذه المشكلة على بعض الحلول، كالاستعانة بمساعدة في تنظيف المنزل، والقيام بإعداد طعام يكفي يومين، والاحتفاظ في الفريزر بأطعمة منظفة ومتبلة وجاهزة للتسخين أو الطبخ، وعلى الإنترنت أفكار متنوعة في هذا الخصوص.
11- قللي قول “لا”: الطفل مبرمج على الاستكشاف، والإكثار من قول “لا” يعوق هذه النزعة ويزرع بداخله الخوف. ولتقللي من قول “لا”:
– ابعدي عن متناول يديه كل محظور (قدر المستطاع)، وهيئي بيتك لطفلك، فهذا يوفر له حرية الاستكشاف، ويجعلك مطمئنة عليه وعلى منزلك.
– علّميه الاستخدام الصحيح للشيء، فسوف يسعد بتعلم شيء جديد. مثلاً كانت “شمس” تهوى
وضع الشباشب في فمها، فتعلمت من أمي أن أجعلها تلبسنيها في قدمي… إلخ.
– فهّميه سبب طلبك في الابتعاد عن شيء معين حتى يتعلم معلومة جديدة، فمثلاً قولي له “البوتوجاز أوف”.
12- تجنبي اللوم وعلّميه إصلاح خطئه: ذات مرة قطعت “شمس” أحد كتبها، تضايقت أنا ووالدها، وأخذنا منها الكتاب وأخذنا نوبخها على قطعه حتى بكت. نظرنا إلى بعضنا ولم ندرِ ماذا نفعل. فكرنا أننا
لا بد أن نتوقف عن اللوم وأن نعلّمها كيف تصلح خطأها، فقمنا بإصلاح الكتاب وجعلناها تشاركنا بالإمساك باللصق.
13- كوني ذكية في اختيار ألعاب طفلك: اختاري الألعاب التي يمكن اللعب بها بأكثر من طريقة لأنها تحث الطفل على إعمال عقله، أما اللعب التي لا تتطلب من الطفل سوى الضغط على زر ليشاهد ما يحدث فإنها تجعله سلبيًا ولا توفر له فرصًا للتعلم. كذلك، فإن الأطفال ليسوا بحاجة إلى ألعاب مرتفعة
الثمن، فأبسط الأشياء يمكن أن تثير فضولهم وتمتعهم. قبل أن تلقي بشيء لا تريدينه فكّري إن كان من الممكن أن يلعب به طفلك. ذات مرة كنا في طريق سفر، وملّت “شمس” من الجلوس في السيارة، ثم أخذت تسلّي نفسها بعلبة العصير الفارغة والشفاط الذي ظلت تدخله في العلبة وتخرجه منها.
14- التربية مرآة لنا: من صعوبات التربية، وربما من مميزاتها أيضًا، أنها تواجهنا بنقاط ضعفنا ومشكلاتنا، وتتطلب منا إصلاحها. فقد ترين احتياجك إلى التحكم في غضبك أو تنظيم وقتك… إلخ. فنحن لا نربّي أبناءنا فحسب ولكننا نربي أنفسنا معهم.
15- المقارنة فيها سم قاتل لثقتنا بأنفسنا وحماسنا. كل أم تختلف عن غيرها في شخصيتها وظروفها، والأبناء أيضًا يختلفون بعضهم عن بعض. لنتعلم من بعضنا، ولتأخذ كل واحدة الأفكار التي تلائمها من الأخرى دون أن ترى نفسها أقل ومقصّرة. أعلم أن التوقف عن مقارنة أنفسنا بالآخرين قد يكون صعبًا لأن تربيتنا وثقافتنا تغذيان هذا الاتجاه، ولكن الأمر يستحق المحاولة.
هذه الدروس تعلمتها من تجربتي الشخصية، لذا خذي منها ما يلائمك ودعي غيره. وأخبرينا عن دروسك التي تعلمتِها أنتِ في رحلتك.
حتى نهوّن على أنفسنا صعوبة التربية