لماذا نرقص؟!

2033

 

بقلم/ ديفيد توماس مور

ترجمة/ رزان محمود

 

لماذا يرقص الناس؟

هذا هو السؤال، ببساطة.. لماذا؟ ما الذي يجعل تحريك أجسامنا وفقًا لأغنية نحبها أمرًا مبهجًا؟ لماذا نشاهد مقاطع الفيديو الراقصة، أو نصاب بالهوس حيال انعكاسنا في زجاج النافذة، أو أن نأخذ حصصًا لإتقان شيء يمكن وصفه بكل سهولة أنه تافه؟ لماذا نعرّض أنفسنا للتعب الجسماني، ولأن ينظر إلينا الناس باستغراب، فقط لمجرد أن نطلق على أنفسنا “راقصين”؟ لماذا نحب الرقص لهذه الدرجة؟

 

هناك الإجابات الواضحة: نرقص للحصول على أجسام مثالية أو ذهنٍ صافٍ، أو للوصول للثبات العاطفي، وأسباب أخرى مماثلة.

 

ومع ذلك، فكل تلك المنافع يمكن الحصول عليها بطرق أخرى، رغم اعترافي بأنني لم أجد بعد بديلاً أفضل لرقصة التشاتشا لرفع معنوياتي ومعدل ضربات قلبي. ولكننا لا نحتاج للرقص للحصول على جسم مثالي وعقل صافٍ. ولذا، يجب أن يكون هناك أسباب أخرى لاتجاهنا نحوه.

 

يجب أن يكون هناك شيء عظيم حيال الرقص، يجعله فخمًا لدرجة لا يمكن إدراكها بسهولة. لا يبدو أننا يمكننا الشرح، ومع هذا نعرف جميعًا هذا الأمر لدرجة أننا لا نتردد في الطرق بأقدامنا لمصاحبة عزف على الطبل “البيركشن”، أو التمايل مصاحبة للحن من السامبا. إذًا، لماذا نرقص؟ ربما لأن الرقص وسيلة للتعبير عن أنفسنا، حينما لا تكون الكلمات كافية.

فربما لا يمكن التعبير بطلاقة بالكلمات عن الابتهاج الذي يشعر به الواحد لدى عثوره على حبٍ جديد، أو عن التصميم الذي يعتري ملامحه في وجه الأحزان أو المِحن الكبرى، أو عن النار الشغوفة لشبابه أو السلام لسنينه الناعمة والأكبر عمرًا، بينما يمكن هذا بالتأكيد من خلال رقصة الفالس، أو التانجو، أو الجاز.

 

نريد جميعًا أن يفهمنا الآخرون، وإذا استطعنا إيجاد الكلمات التي تعبر بطلاقة عن مشاعرنا، فستكون حتمًا كلمات عميقة للغاية وقوية. لكن للأسف، فهذه الكلمات لا يبدو أنها تأتي على ألسنتنا في الوقت المناسب.

 

ربما الرقص ببساطة هو مترجم عن القلب الإنساني.

ربما الرقص هو الوسيط الذي عبره يمكن للعالم أن يرى من نحن حقًا، وماذا يمكننا أن نكون. جميعنا -لو أردنا الأمانة- نؤمن عميقًا بأننا لسنا عاديين. نعرف عن أنفسنا أننا متفردون بشكل رائع، تُكوننا طبقات عدة من الشخصية المتفردة والموهبة، محبوكة بشكل لا يستطيع أحد على هذه الأرض أن يكون مثلنا. نعرف هذا، لكننا لا نعرف دائمًا كيف نثبته.

 

فعلى سبيل المثال، في فلسطين، كانت الدبكة قبل الاحتلال مقصورة على الأفراح والمناسبات والتجمعات البهيجة، لكن بعد العام 1948 أصبحت تأخذ طابعًا نضاليًا، لأن إسرائيل سرقت هذا الشكل الاحتفالي من الرقص ووضعت اسمها عليه وصدّرته، تمامًا كما فعلت مع سلطة الحمص بالطحينة والمجدرة والفلافل. وهذا بالتحديد ما أعاد إحياء الدبكة الشعبية منذ بداية الثمانينيات، فتشكلت الفرق المختلفة، مثل فرقة “الفنون الشعبية الفلسطينية” التي تؤدي حفلاتها وعروضها حتى الآن، وفرقة “حنظلة” وغيرهما، وهي تشترك في محافل عربية ودولية، وتورثها للأجيال التالية حتى لا يموت هذا الشكل البهيج من التعبير عن النفس والحضارة.

تعرفي على: الكوفية الفلسطنية وتاريخها.. ما هي قصة الكوفية الفلسطينية

يقول مريد البرغوثي تخليدًا لرقصة الدبكة، في كتابه “رأيت رام الله”:

“غمزة

غمزة من عينها في العرس

وانجنّ الولد

وكأن الأهل والليل

وأكتاف الشباب المستعيذين من الأحزان بالدبكة

والعمات والخالات والمختار

صاروا لا أحد

وحده التلويح

في منديله يرتج كل الليل

والبنت التي خصّته بالضوء المُصفى

أصبحت كل البلد

مد يمناه على آخرها

نفض المنديل مثنى وثلاثًا 

ركب الجن على أكتافه ثم رماهم وانحنى

ركب الجن على ركبته ثم رماهم واعتدل

قدم ثبتها في الأرض لمحًا

ورمى الأخرى إلى الأعلى كشاكوش وأرساها وتد

كلما أوشك أن يهوي على سحجة كف

جاءه من سحبة الناي سند

يلقف العتمة كالشهوة من أعلى بروج الليل

حتى ضوء عينيها تمامًا

يعرق الصدر وشعر الصدر من ميلاته يمنى ويسرى

ثم يسري عرق الظهر عموديًا تمامًا

والقميص الأبيض المبتل حتى حزام الجلد

خلى فقرات الظهر تحصى بالعدد

غمزة أخرى ولو مُتّ هنا

غمزة أخرى ولو طال انتظاري للأبد”.

 

ربما يعطينا الرقص الفرصة.

وربما الرقص هو الوسيلة التي نختارها لنتذكر كيف تمسكنا بالماضي. هو الطريقة التي بها نعاود معايشة أيام شبابنا المليئة بالمرح، أو وقت أن نظرنا في عيني المحبوب وعرفنا أنه هو من نريد. إنه أيضًا طريقتنا في تكريم أبطال الأمس الذين قفزوا برشاقة حينما كانوا فتية وفتيات خاليي البال، وانضموا للصفوف عارفين بأنهم سيلوّحون للجموع المحتفلة مستقبلاً، كرجال ونساء لبوا نداء الدفاع عن الحرية.

 

إنه الفرصة لأن أكون أميرة مجددًا، بانتظار ذراع ممدودة ودعوة لقضاء وقت رومانسي لطيف وصادق ولا يُنسى، على عكس ما يدّعي الساخرون. عندما نرقص، يمكننا أن نتذكر كل ذلك بشكل أفضل، وأن نشعر بالفراشات ترفرف في بطوننا مرة أخرى، وأن نعود ولو لبرهة وجيزة لجزء من حيواتنا نقي للغاية، حينما لم يكن للوقت معنى.. لأننا كنا نرقص.

 

لماذا نرقص؟ كل إجابة مختلفة، وهذا ما ينبغي أن تكون عليه الحال. ربما السؤال الأفضل هو: لماذا لا نفعل؟

 

أفضل جزء في الموضوع هو أن كل الناس يستطيعون الرقص، بمساعدة المدرسين المناسبين، وهو ممتع وسهل التنفيذ. حرفيًا أصعب جزء هو أن تأخذ الخطوة الأولى: أن تلتقط الهاتف وتحدد ميعادًا للدروس، وأن تخطو داخل استوديو لتعليم الرقص. وبمجرد أن تأخذ هذه الخطوة الأولى، تصبح خطواتك داخل قاعة الرقص سهلة، كأنها شهيق من هواء نقي.

 

المصادر: اضغط هنا و هنا أيضا و هنا 

المقالة السابقة“ماركوس” الذي صالحني على الموت
المقالة القادمةالرقص مع الحياة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا