فستاني الملون ضحية التنمر

482

 

بقلم/ دعاء حسام الدين

 

دخلت إلى أحد المتاجر الكبرى غير عابئة بالأثمان الباهظة، المعلقة على الفساتين الملونة، التي تلفت انتباهها بمجرد عبورها كل يوم من هذا الطريق الفسيح. وعلى قدر براح الشارع الممتلئ بالمتاجر ومحال الملابس، جاء ضيق صدرها عندما بادرت قدماها بالخطوة الأولى نحو أقرب متجر واتجهت للفستان الذي خطف قلبها وعقلها، وجذبها نحوه على الرغم من سعره الغالي، لتقترب منها بائعة المحل وترمقها بنظرة أشعلت الخجل والخوف في نفسها، جعلتها تتردد في لحظات. ولكن الوقت داهمها لتقترب البائعة وبصوتها الرفيع الحاد كنظراتها:

– لأ سيبي ده عشان مفيش مقاسك منه.

ولم تكتفِ بكلامها الجارح واسترسلت: وعلى فكرة مفيش مقاسك في المحل كله.

 

حاولت أن تخبئ صدمتها خلف ابتسامة حزينة، جاءت كأبسط رد على موجات التنمر التي تحاول عبورها كل يوم دون أن تغرقها وتنال منها.

 

خرجت والعبرات تتساقط من عينيها، لا تهتم بالسيارات التي كادت تدهمها لعدم تركيزها أثناء عبورها الطريق، ولكن رغبتها وإصراراها على الحياة جعلاها تكمل المسيرة، ليظهر أمامها مكان آخر يبدو البائعات على قدر كبير من الجمال والذوق.. ولكن سرعان ما أدركت الوضع، وأنه لا يختلف كثيرًا عن مثيليه، واقتربت منها بائعة تبدو وكأنها صاحبة مكان، تفوح منها رائحة عطر غالٍ.

 

همت بالسؤال عن القطعة التي ترغب في اقتنائها، وكان الرد أقسى من تلك لتخبرها أن: ملابس الحوامل هناك في آخر المحل.

 اقرئي أيضًا: القميص الأبيض ينفع مع البنطلون الأسود

لم تكرر المحاولة للمرة الثالثة، وقررت العودة للمنزل، على أن تروي أحداث يومها الثقيل مع جارتها وصديقتها، علَّها تجد لديها ما يُطيِّب خاطرها ويعطي لها الأمل مرة أخرى في الحياة، ولكنها أخطأت عندما تخيلت أن المجتمع الخارجي المليء بالأمراض والأوجاع سيحنو عليها، وكانت كلمات صديقتها تشبه ما مرت به طوال يومها، ساخرة منها فور علمها برغبتها في الذهاب لطبيب الحمية الذي يقع على مقربة من سكنها.

 

وتكمل سلسلة الوجع ضاحكة: الحقي نفسك أحسن مش هتلاقي فستان زفاف مقاسك.

لتسكت قليلاً وتفكر كثيرًا في كلام موجع ونظرات كحد السيف من كل من تقابلهم في الحياة، وكأنها تدفع ضريبة السمنة لمجتمع متنمر، أعطى الحق لنفسه في محاسبة البشر على عيوب في بعض الأحيان لا يكون لهم اليد فيها.

 

قد لا نعي أن بعض ما نوجهه للبشر من كلام جارح سواء على الشكل أو المظهر الخارجي هو أحد أنواع التنمر، التي ينتج عنها حالات من عدم الثقة في النفس، وفقد القدرة على الحياة ومواجهة الناس، وفي أحيان أخرى يدفع التنمر للانتحار وترك الحياة بما فيها من وجع.

 

مفيش مقاسك

 

المقالة السابقةلهذه الأسباب العشرة لا أحكي لابنتي قصصًا خيالية
المقالة القادمةقميص الضفدع .. كيف نحكي للطفل
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا