قميص الضفدع .. كيف نحكي للطفل

1722

تعرفت عليها من خلال ورشة حكي حواديت للأطفال التي تقيمها، فابنتي تحب الاستماع للحواديت ولا تنام قبل أن أحكي لها قصة، قديمة كانت أو جديدة، ولكنها تفضّل دائمًا أن تكون للحدوتة كتاب حتى تستطيع متابعة الصور، لذا عند علمي بالورشة التي تقدّمها منار اصطحبت ابنتي إليها، لنستمتع سويًا بأسلوب منار المميز للحكي، لاختياراتها الدقيقة للقصة التي تحكيها، وللأنشطة المبتكرة التي تلحقها بالورشة لتكملها وتتمها.

 

درست منار هزّاع علوم الإنسان (أنثروبولوجي)  في الجامعة وحصلت على شهادة الماجستير في هذا الفرع، ولكنها آثرت التعامل مع الأطفال لحبها لهم، فهم ذوو فطرة سليمة ويملكون خيالًا كبيرًا وأفكارًا كثيرة نادرًا ما يشاركوها مع البالغين غير المهتمين، كما أنهم أنفسهم مخلوقات مثيرة للاهتمام ولديهم مقياس حسّاس ودقيق للمشاعر.

 

بدأت منار رحلة حكي القصص مع أطفالها، وعندما طلبت المدرسة من ابنتها حضور حفل بملابس عليها شخصيتها المفضّلة، ارتدى أغلب الأطفال شخصيات كارتونية عالمية معروفة مثل الأميرات للبنات والأبطال الخارقين للأولاد، ولكن ابنة منار المتعلقة بشخصية الضفدع من قصة روتها لها والدتها، قررت أن ترتدي قميص عليه هذه الشخصية.

 

من هنا قررت منار أن تبدأ مشروعها The Frog Tshirt أو قميص الضفدع، لتحكي للأطفال قصصًا مختلفة وبعيدة عن عالم ديزني والسوبر هيروز الذي أصبح يسيطر على الأطفال جميعًا، يحبب الأطفال في قراءة الكتب والقصص من جهة، ومن جهة أخرى تربط الأهل بأطفالهم عن طريق تخصيص وقت للقراءة سويًا.

 

اعتقدت في البداية أن منار لا تحب قصص ديزني المتعارف عليها، ولكنها نفت ذلك قائلة أنها على العكس تحب هذه القصص، ولكنها لا تحب ارتباط القصص بالكارتون ليكون هذا هو شكلها الأوحد، وما يستفزها فعلًا أن الأطفال أصبح لهم مصدر واحد فقط للخيال.

 

تصر منار على قراءة القصص قبل شرائها، فكما تقول هي “النص السلس هو الأهم في أدب الأطفال، وهذا لا يعني اختيار المفردات السهلة أو البسيطة وإن كان هذا أمرًا في غاية الأهمية، ولكن أن يكون النص سلسًا بمعنى أن يكون ذكيًا ومفاجئًا، ويحمل الطفل على التفكير والضحك أحيانًا والتأثر أيضًا. للرسوم كذلك أهمية كبرى في الاختيار النهائي للكتاب، فالصور هي أكثر ما تجذب الأطفال للقصة في البداية، ولكن ما يجعل الطفل يكمل القصة بنفس الانتباه هو سلاسة النص.”

وأضافت “أن للمفردات المستخدمة تأثير أيضًا على اختيار القصة، فبالرغم من أن البالغين الذين يحكون القصة يستطيعون تغيير المفردات كما يريدون، فإن على الكاتب تسهيل هذه المهمة على الأهل الذين يقرأون لأطفالهم، واختيار كلمات بسيطة منذ البداية، وأيضًا حتى يستطيع الأطفال قرائتها بسهولة عندما يستطيعون القراءة.”

 

واحدة من أهم المشاكل التي تؤرقني في أدب الأطفال، هي وجوب وجود مغزى أخلاقي من القصة بشكل أو بآخر، لذا أحببت قصص الأرنبة الصغيرة ميفي التي كتبها ورسمها دِك برونا، فالقصص بسيطة ولا تحمّل نفسها عبء الرسائل الأخلاقية للطفل، وافقتني منار أن الحدوتة ليس من المفترض دائمًا أن يكون لها مغزى أخلاقي، ولكن لابد أن يكون لها مغزى بشكل عام سواء كوميديًا كان أو حتى فلسفيًا، فلابد من حبكة ومغزى مهما كانت القصة بسيطة. واستطردت أنه بالرغم من هذا فهي لا تحب قصص ميفي تحديدًا، لا لشئ سوى أنها ترى فم ميفي متجهم، وبدلًا من رسم الشفاه بأي طريفة طفولية لطيفة توجد علامة (x) سخيفة.

 

رغم امتلاء التراث الشعبي المصري والعربي بل والعالمي بالقصص التي تصلح للأطفال، واقتناع منار أن عالم القصص الشفهية جميل وينّمي الخيال، إلا أنها لم تفكر في روايتها للأطفال، فهي ترى أن طفل اليوم أصبح مرتبطًا بالعالم المرئي أكثر من الأجيال السابقة، وهذا نتيجة لتعلقه بالشاشات المختلفة طوال الوقت، لذا فإن مهمة قراءة القصص للأطفال أمر مرهق، ويصعب عليهم متابعة قصة بدون رسوم مصاحبة.

للسبب نفسه ترفض منار مشاركة الحواديت التي تربت عليها في طفولتها مع الأطفال، فبالرغم من حبها لها ورغبتها الشديدة في ذلك، تعتقد أن التوقيت غير مناسب لهذا الأمر، وأن حكايتها قد يظلم القصص وتؤدي إلى مفعول عكسي ويزداد ابتعاد الأطفال عن هذه الحكايات.

 

تعتمد منار في ورش الحكي على مجموعة كبيرة ومختلفة من القصص، تشتريها من أكبر مكتبات مصر إلى أصغرها، وتسعى كذلك إلى شرائها من المواقع الإلكترونية الأجنبية وعندما تسافر خارج مصر، ومن خلال قراءاتها المتعددة في أدب الأطفال، فقد أصبح لديها العديد من القصص المفضلة تذكر منها، “النقطة السوداء” لوليد طاهر،”معركة كبير صغيرة” لد.عبد الوهاب المسيري، “سلمي وليلي” للملكة رانيا العبد الله. أما باللغة الإنجليزية HAPPY HIPPO, ANGRY DUCK a book of moods لساندرا بوينتون، THIS IS NOT MY HAT لجون كلاسين، SAM & DAVE DIG A HOLE لماك بارنيت.

 

كانت هذه هي الفرصة لسؤالها عن الفارق بين قصص الأطفال العربية، وتلك الأجنبية أو المترجمة، وكانت إجابتها محبطة وإن كانت غير مفاجئة، فقد أكدت أن الفارق بينهما كبير للغاية، فالكاتب العربي كثيرًا ما يتغاضي عن عناصر أساسية في القصة، وغالبًا ما تكون الحدوتة مهلهلة بلا ترابط أو بلا سرد منطقي، ولكن العكس تمامًا هو ما يحدث في قصص الأطفال الأجنبية التي تكون مدروسة العناصر بشكل جيد، وكل عنصر يكمل الآخر ليخرج العمل في النهاية متناسق وجذّاب وممتع.

 

تقول منار بخبرتها في قراءة وكتابة قصص للأطفال، أن قصص الأطفال إما تكون خيالية أو واقعية بعض الشئ، وكلاهما مناسب، ولكن الأطفال عادة ما يميلون إلى سماع القصص التي تعتمد على الخيال بشكل أكبر، ومقارنتها بالصور المرسومة، بينما إن كان الأهل هم من سيروون القصة للأطفال فهم عادة ما يقضلون القصص التي تحاكي الواقع نسبيًا.

 

في النهاية رغم أن تكلفة كتب الأطفال قد تكون مرتفعة على بعض الأسر، وهذا ما يجعلهم يلجأون لأفلام الرسوم المتحركة كبديل أرخص، إلا أنه هناك دائمًا طرق مختلفة للحصول على الكتب بسعر أرخص من المعتاد، سواء باستغلال الخصومات في معارض الكتاب أو عروض الجمعة السوداء، شرائها مستخدمة من سور الازبكية أو من خلال صفحات الفيسبوك المختلفة، أو حتى تبادل القصص مع الأهالي الآخرين، أيًا كانت الطريقة، فمن المهم أن نجعل الطفل يرتبط بالكتاب منذ الصغر حتى لا تندثر عادة القراءة ونصبح بالفعل شعبًا لا يقرأ.

 

*للتواصل مع منار ومعرفة مواعيد الورش، رجاء التواصل معها عبر صفحتها

 

المقالة السابقةفستاني الملون ضحية التنمر
المقالة القادمةوصفتي الخاصة للحياة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا