خواطر عالقة

844

 

بقلم/ وفاء مرزوق

 

أريد أن أصطحبك معي يا صديقي إلى غرفتي الداخلية. إنها قدس أقداسي وغير مسموح أن يدخلها أي شخص إلا بعد المرور على أجهزة استشعار عالية الحساسية. لكنني اليوم، واليوم فقط، قررت أن أصطحبك معي، أشاركك أسراري الصغيرة وخواطري العالقة في أنحاء تلك الغرفة.

 

وإذا رافقتني لتلك الغرفة عليك أن تعدني بألا تُخبر أحدًا عنها، ولن أضع عليك أي ثِقل لإصلاح محتوياتها أو تجميلها. كل ما أريده منك فقط هو أن تحاول ألا تراها قبيحة.

 

لا تُخبر أحدًا عن لون طلائها الذي زال رونقه وأصبح باهتًا. ولا عن البراويز الكثيرة المعلقة الخالية من الصور. ولا عن أغطية الأثاث المهترئة، والذي ستجد القليل منه هنا. ولا عن تلك الطاولة الحاملة قنينة الورود الذابلة.

 

ولا عن ذلك الكرسي الخشبي الذي في زاوية غرفتي. أتعلم أنه مقعد الذكريات؟ هنا أجلس لأجد أمامي شاشة سينمائية تعرض الكثير من الأحداث والمواقف والذكريات. عليه أجلس أبكي وأضحك بفرح وأسى. وأغلب الظن أن كثرة استخدامه هي ما جعلته عل تلك الحالة المُزرية.

 

وذلك الصندوق قديم الأيام الذي يحتضن مئات التفاصيل، هنا عُملات، وخرائط، وصور منها الكامل والآخر مبتور المشاهد والأشخاص، وزهرة ذابلة تحتضنها صفحات كتاب، وخطابات، وزجاجة عطر فارغة. لعلك لا تُدرك ما الرابط بينهم ولكني سأخبرك أثناء جلستنا معًا.

 

ما علينا الآن يا صديقي سوى تهيئة زاوية أخرى جديدة، نتجاذب بها أطراف الحديث. أأنت متشوق للحديث ي اصديقي؟

 

لنبدأ بأصل الحياة.. في البدء كان الإنسان، كنت أنا وأنت، كُنا الفاعل والمفعول به في الحياة. في تكويننا كان صراع العقل والقلب، الأخلاق والضمير والمعتقدات، الموروثات والمُسلمات، العادات والتقاليد، صراع الماضي والحاضر لولادة المستقبل.

 

في البدء كانت خبرة الألم ومخاضه الذى ترسب بعمق داخل كياننا الإنساني، والذي وجدنا من بعده صعوبة في النسيان والمُضي قُدُمًا في الحياة. وبعدها تكونت الذكريات. وعليه فلنبدأ بالصندوق، فهو مُحتضن الذكريات.. سأحدثك عنها كثيرًا، سأخبرك بتفاصيلها وما زال منها عالقًا في ممر النسيان.. سنتحدث كثيرًا دون توقف.

 

لكن يجب أن أخبرك بأمر أولاً، وهو أنني كذبت عليك حينما أخبرتك أنك لن تُجمل في تلك الغرفة شيئًا. انظر، لقد أزهرت الورود الذابلة مرة أخرى دون أي مجهود، هو فقط حضورك يا صديقي. حضورك لمشاركتي تلك الخواطر والذكريات العالقة.

 

إذا رافقتني لتلك الغرفة عدني بألا تُخبر أحدًا

 

المقالة السابقةإلى المُحلِّقين بلا أجنحة: لا تفعلوا
المقالة القادمةتحدي مومو.. كيف تتحكم التكنولوجيا في مخاوفنا؟
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا