اسأل أي طفل في هذه الأيام ما هو برنامجه التليفزيوني المفضل، وسيخبرك معظمهم اسم قناتهم المفضلة على YouTube أو عنوان صفحته المفضلة على Instagram أو غيره من التطبيقات الأخرى.
لا يشاهد الأطفال التليفزيون مثلما نشأنا. هم يشاهدون اليوتيوب ويتواصلون عبر الواتس آب. ساعات طويلة يقضيها الأطفال بصحبة التاب أو الموبايل كبديل آمن -من وجهة نظر الأهل- عن الخروج إلى الشارع، فمعظمهم لا يسمحون لأطفالهم بالسير أو اللعب في الشارع بمفردهم، لكن دون أن يعلموا أن هذه الوسائل التكنولوجية ما هي إلا شوارع افتراضية تحتوي على مضامين مخفية، تُعلِّم الأطفال أفعالاً لا أخلاقية وعنيفة، قد تصل بهم إلى حد إيذاء أنفسهم.
في يوليو من العام الماضي أفادت أنباء بانتحار فتاة أرجنتينة تبلغ من العمر 12 عامًا، سجلت لحظاتها الأخيرة قبل الانتحار، وقد اشتبهت الشرطة أنها انتحرت بعد اشتراكها في تحدي “مومو”، وانتهى الأمر عند هذا الحد، خصوصًا بعد تكثيف التحذيرات من التفاعل مع هذا التحدي وعدم ظهور أي حالات أخرى.1
بدأ التحدي بشكل أساسي في اليابان، عندما استخدمت مجموعة من الأشخاص رقمًا مجهولاً يحمل اسم Momo يطلب من الأشخاص الذين يتواصل معهم المشاركة في سلسلة من المهام الغريبة التي تنتهي بالانتحار. المثير للاهتمام أن مومو نفسها ليست حقيقية، هي تمثال يُدعى في الأصل “الطائر الأم”، ويتحذ شكل جذع امرأة بأرجل طائر. عُرِض لأول مرة في معرض بطوكيو من قِبَل فنان يابانى يُدعى “ميدوري هاياشيتحت”، ولم يُقصَد استخدامه مطلقًا في لعبة خطرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. 2
تحدي مومو هل هو حقيقة أم قصة مختلقة؟
أعلن مركز الإنترنت الآمن في المملكة المتحدة، وهو مركز مسؤول عن تعزيز الاستخدام الآمن، والمسؤول للتكنولوجيا للشباب والأطفال، على أن ما تم تداوله عن وجود تحدي مومو غير حقيقي وزائف 3، إلا أن القصة عادت إلى الأضواء من جديد، مع بداية شهر فبراير لهذا العام، عندما نشر أحد الأشخاص صورة لها على إنستجرام، يحذر منها، دون معلومات واضحة أو مؤكدة تثبت صحة تحذيراته.
انتشر المنشور كالنار في الهشيم، حتى أن كيم كارداشيان نشرت تحذيرًا حول ما يسمى بتحدي مومو، لأتباعها في إنستجرام البالغ عددهم 129 مليونًا. الأمر الذي يطرح تساؤلات أعمق من وجود مومو من عدمه4:
عن كيف تؤثر التكنولوجيا على مخاوفنا كآباء تجاه أطفالنا؟ وكيف تؤثر على سلامتهم العقلية والنفسية؟
الجانب المظلم في القصة “جنس وعنف“
اللافت للنظر في المنشورات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، أن معظمها يحتوي على مقاطع فيديو تُبَث على يوتيوب، بعضها مخترق من الدمية مومو، والكثير منها يحتوي على مشاهد إباحية وعنيفة مدمجة وسط أفلام كارتون تتمتع بشعبية كبيرة لدى الأطفال، مثل بيبا بيغ، ميكي ماوس، وفروزن.
تشكل المشاهد العنيفة والمرعبة التي يتعرض لها الأطفال على يوتيوب، ضررًا بالغًا على نمو المخ، حيث تؤثر المشاعر الناجمة عن تلك المشاهد على تطور قشرة الدماغ الأمامية والفص الجبهي في الدماغ. بالإضافة إلى الأضرار النفسية التي تسببها للأطفال من قلق وتوتر وخوف، الأمر الذي لا يقل خطورة بالنسبة للمشاهد الجنسية التي يشاهدها الأطفال ضمن محتوى يعتقد الأهل أنه آمن.
كيف نحمي أطفالنا؟
لا يوجد محتوى آمن
الحقيقة المرعبة التي يجب الانتباه لها أنه لا يوجد محتوى آمن على الإنترنت، في 2015 أطلقت google تطبيق YouTube kids، وهو تطبيق مخصص للأطفال يشاهده 11 ملايين مشاهد في محاولة منها لتقديم محتوى آمن للأطفال، بعيدًا عن يوتيوب الأصلي، وعلى الرغم من ذلك تم اختراقه، فأصبح من السهل جدًا على الطفل التعثُّر في مقاطع فيديو عنيفة ومرعبة وتحتوي على مشاهد إباحية، مثل ما حدث في فيديوهات الأغاني الشهيرة،Nursery Rhymes and Baby Songs والتي تستهدف الفئة العمرية من 2 إلى 5 سنوات. لذلك لا بد من إشراف الأهل الكامل على المحتويات التي يتعرض لها أطفالهم.5
قم بتأخير تفاعل طفلك مع العالم الافتراضي
أصبح من الصعب تجاهل كل هذا الكم من التطبيقات، خصوصًا التي تقدم محتوى خاصًا بالأطفال. لذلك من الأفضل أن تحول دون تفاعل طفلك معها، يجب على الأطفال دون سن الـ18 شهرًا تجنب استخدام أجهزة كالهواتف الذكية والتاب، في حين يسمح للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 شهرًا و24 شهرًا باستخدام تلك التطبيقات فقط في وجود إشراف من الأهل وتحديد المحتوى المناسب. أما الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين عامين وخمسة أعوام يسمح لهم باستخدام تلك التطبيقات لمدة ساعة واحدة يوميًا تحت إشراف الأهل، على أن توضع قواعد واضحة للأطفال الأكبر من 6 سنوات، متعلقة بالمحتوى والوقت، مع إعطاء الأولوية للنوم والأنشطة واللعب.6
استمع وانصت ثم تحدث
القاعدة الذهبية في التربية هي الاستماع.. استمع إلى طفلك مهما بدا الحديث غير متناسق أو غير مرتب. حاول أن تفهم ما وراء كلماته. لا تقاطعه أو تسخر منه أو تهمشه. من الممكن أن يكون هذا مؤشرًا لتعرضه لمحتوى أو سلوك مسيء، فساعده حتى لا يصبح ضحية.
ماذا إذا تعرَّض طفلك لمحتوى مسيء؟
كن معه لا ضده
تقول الدكتورة “ياسمين ناجي” المتخصصة في مجال الصحة النفسية بجامعه السويس، لـ”نون” إن أهم مصدر من مصادر الخوف عند الأطفال هو الآباء أنفسهم، بسلوكهم القلق المضطرب، وبغضبهم من الطفل في حالة تصرفه بشكل غير لائق، أو سؤاله عن شيء غير متوقع، لذلك من الأفضل التزام الأهل الهدوء ومساعدتهم للطفل في التعبير عن مشاعره دون خوف، ومناقشته في أي أسئلة تخطر بباله.
زوِّد طفلك بالمعلومات
من المهم تزويد الطفل بالمعلومات العامة والخاصة، للتعرف على العالم الخارجي، فوضع الطفل في فقاعة من القيم والمُثُل من الممكن أن تجعله غير قادر على التعامل مع العالم غير المثالي. أخبر طفلك معلومات مبسطة ومناسبة لمرحلته العمرية عن الجنس وعن جسده وعن كيفية التعامل معه.
وضَّح له الفرق بين الحقيقة والخيال
في حالة تعرض الطفل لمحتوى عنيف أو دموي، حاول أن تطمئنه وتوضح له الفرق بين الحقيقة والخيال، وأن ما قام بمشاهدته ما هو إلا مشاهد تمثيلية لا يجب عليه تصديقها أو تقليدها.
وفقًا لمسح أجرى من قبل ديزيريت نيوز وجامعة بريغهام يونغ على نحو 500 أسرة أمريكية لديهم أطفال تتراوح أعمارهم من سن 12 إلى 17 سنة، عن أكثر المخاوف التي تقلقهم بشأن تربية أبنائهم، فإن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا جاء على قائمه المخاوف المكونة من 15 اختيار، من بينها الجنس والمخدرات والتنمر بنسبة 53%.7
لهذا لا يمكن تجاهل حقيقة أن الإنترنت غيَّر من حياة الأطفال، بطرق لم يتم تفهمها بشكل واضح بعد، حتى صار الأمر هاجسًا وقلقًا حقيقيًا للآباء والأمهات.
مراجع:
https://www.cnbc.com/2018/02/13/youtube-is-causing-stress-and-sexualization-in-young-children.html
