حكاية كل parents meeting

493

 

بقلم/ سلمى شعبان

 

كل من يعملون في مجال التعليم يعلمون جيدًا معنى كلمة “اجتماع أولياء الأمور”، أو بلغتنا الحالية الـ”بيرنتس مييتنج”. فتلك الكلمة قد لا تمثل أي أهمية لأي طالب أو أي ولي أمر، ولكنها تعني الكثير والكثير لكل من يعملون في مجال التعليم. هذا اليوم مميز للغاية عند كل مدرس، لأنه ببساطة يوم المشكلات العالمي، حيث تنتهز كل الأمهات على وجه الأرض الفرصة لتحمل نفسها إلى مدرسة أطفالها لتُقدِّم شكوى عن كل صغيرة وكبيرة قد فعلها المدرس أو لم يفعلها. تلك هي المشكلة.

 

في السابق.. أذكر جيدًا أن والدَي لم يحضرا قط اجتماع الآباء هذا، فقد كانا يظنان أنني جيدة وأنه لا داعي للذهاب. كانت تلك الفترة لا تحمل أي معنى من معاني الاتصال فيما بين المعلم والآباء إلا عن طريق هذا الاجتماع السنوي. ما لا يعمله أولياء الأمور عن كواليس هذا الاجتماع أنه في كل بلدان العالم العربي يمثل هذا اليوم الحدث الأكبر في تاريخ المدرسة. فمثل هذا اليوم يحمل الكثير من الاستعدادت الإدارية، أولها اجتماع قمة طارئ للتنبيه على كل المدرسين بضرورة احتواء الأهل. لا أدري لماذا! ولكنني أيقنت مؤخرًا أنه من باب مبدأ الزبون على حق. نعم! فهذا الأب المكلوم يدفع سنويًا مبلغًا باهظًا من المال و”مش معقول” أبدًا نواجهه بالحقيقة المؤسفة أن طفله يعاني من بعض السلوكيات أو من بعض الضعف الطبيعي.

اقرئي أيضًا: أنا لا أحب أبي، لماذا؟ وماذا أفعل؟

أنا لا أدري من أقنع كل آباء العالم أن من المفترض أن يكون كل الأطفال متفوقين ومدركين كل المهارات المتعلقة بالدراسة. أنا لا أدري لِمَ لم يتفرغ أي أب أو تتفرغ أي أم ولو ساعة لتقرأ بضع الصفحات عن فكرة التعلُّم والتعليم لتدرك أن لكل طفل نمطًا خاصًا به متفردًا ومختلفًا، وأن التعليم مهما ارتفعت تكاليفه ومهما دفع الآباء من مصروفات ما زال متمركزًا حول الذكاء اللغوي ليقيس مهارات الطالب. لا زلنا في مستنقع التقييم على أساس مهارة واحدة فقط، مهما كان مستوى المدرسة عاليًا ومختلفًا. وما زالت كل أم تحلم باسم طفلها يتردد بين جنبات المدرسة بأنه الأول والأشطر. هو كذلك ولكن بشكل ما، ولكنك تجهلينه سيدتي.

 

تبدأ التجهيزات للاجتماع المزعوم بالتشديد على كل المعلمين والمعلمات بضرورة التحلي بالصبر الوفير عند التعامل مع أولياء الأمور، والحذر والحرص “لأنهم ممكن يلبسوك في أقرب حيطة” إذا ما قرروا أنك غير مؤهل بشكل أو بآخر لتكون مدرسًا لأطفالهم. وتصل ذروة خوف بعض المدارس من سطوة أولياء الأمور للدرجة التي أصبحوا معها يوفرون لكل أم وأب استمارة تقييم لكل مدرس، والتي من خلالها تستطيع بكل بساطة أن تُدوِّن أي شكوى ضد أي مدرس، لتكون في خانة تعليقاتك على أداء المعلم.. يا للهول! كيف لأب أو أم أن يقيم أداء مدرس وهو لا يفقه شيئًا عن العملية التعليمية. ولكنه كله “بزرميط”، فهذا الأب يدفع “شيء وشويات.. وكمان ميقولشي رأيه؟!”.

 

قبل الاجتماع بسويعات قليلة يُنبَّه على الجميع بضرورة الحضور بالملابس الرسمية، فهو اجتماع مهم، هو أصلاً الاجتماع الوحيد الذي يمثل أي أهمية في أي مدرسة، حيث إن كل الأمور الأخرى من الممكن حلها، ولكن كيف لأصحاب المدارس أن يتعاملوا مع فكرة أن يسحب ملف طالب من المدرسة وهو يدفع مبالغ طائلة.

 

أما في أثناء الاجتماع يحضر المديرون ورؤساء الأقسام ليستمعوا بدقة لما يقوله كل معلم عن الطالب، وكيفية إجادته للخروج من أي “مزنق” قد يوقعه فيه ولي الأمر. ليتحول الأمر برُمته لحالة من الجري خلف الأخطاء مهما صغرت أو كبرت، وليردد المعلم في نفسه “الحمد لله أنا مظبط أموري وعارف أرد”. وأتساءل: هل يدري كل أب وهل تدري كل أم الهدف الأساسي من اجتماع أولياء الأمور أم لا؟

 

هي ليست بحرب، ليست معركة ينتصر فيها المدرس مرة وينتصر ولي الأمر مرة أخرى، فكلانا نحلم بوضع أفضل للطالب، ذلك الأمر الذي لن يتحقق أبدًا إذا ما كان المعلم يعلم أن مكانته ومكانه في عمله مهدد بشكوى مهما صغرت من ولي أمر قد تقلب أموره رأسًا على عقب في عمله، أو في ولي أمر يشك في كفاءة المعلم الذي يبذل كل ما في وسعه لينقل علمه لطلابه. تحول الأمر لساحة حرب وقتال، حيث أصبح المعلم سلعة قد تُباع وقد تُشترى وقد تتلف وقد تتمكن من تبدليها بالأفضل.. فالزبون دائمًا على حق.

 

أما عن جروبات الواتس آب فحدِّث ولا حرج. تدخل “مامي حلوة كده” لا تفقه شيئًا في البطيخ، لتسأل عن واجب أو نشاط أو غيره، لتدرك أن طفلها أو طفلتها لم يحصل عليه أو لم يفهمه، فتتوجه للإدارة للشكوى أو قد تقوم بالشكوى على الواتس آب اختصارًا للوقت، ومهما كانت شكوتها تلك غير حقيقية تتحول لمصدر خطر على المدرس. هذه حقيقة مؤكدة. تحول ذلك الواتس آب اللعين إلى قناة مخصصة للتذمُّر والشكوى، فبعض الآباء يشتكون من أمور لا يحق لهم التدخل فيها من الأساس، أمور إدارية بحتة، “لكن وماله؟ مش الواتس موجود؟ يبقي لازم نقول رأينا”.

 

أيها الآباء انتبهوا.. نحن على مشارف هوة حقيقية وانهيار حقيقي، إن لم نكن قد وصلنا له بالفعل. فحتى المعاني السامية في حياتنا تتحول يومًا بعد آخر لمعانٍ أخرى تجعلنا جميعًا نفقد الثقة في الآخر وفي أنفسنا قبل أي شيء.

اجتماع مجلس آباء يعني

 

المقالة السابقة18 جملة متقولهاش لواحدة سينجل
المقالة القادمة5 خلطات تجميلية قد تُدمِّر صحتك
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا