رحلتي مع المعادي

1368

بقلم: رغدة شريف

فاكرة أول مرة نزلت منطقة المعادي من 3 سنين أتمشى في شوارعها مع أصحابي من غير عربيات، فاكرة انبهاري بكل تفصيلة في المنطقة دي وإني كنت مركزة مع طاقة المكان أكتر ما كنت مركزة مع الناس اللي أنا خارجة معاهم، ويومها أصحابي كانوا مستغربين انبهاري وإعجابي اللي كان باين عليّ جدًا، مع إني مبيعجبنيش العجب زي ما بيقولوا عني، ومن هنا بدأت رحلة الغرام بيني وبين المعادي.

بداية الرحلة: تغيير مكان السكن والمعيشة

بعد زيارتي للمعادي، قررت إني في يوم من الأيام هعيش هناك، وسط المكان اللي حسيت من أول لحظة إني بنتمي له، وفعلاً بعد وقت مش كبير انتقلت للسكن والمعيشة في منطقة المعادي، وبدأت أقرأ عن تاريخها من بداية تأسيسها، واكتشف أماكن وتفاصيل فيها كانت بتربطني بيها كل يوم أكتر من اليوم السابق له، عشت وأسست فيها حياة تخليني اقول إن ده من أجمل القرارات اللي أخدتها في حياتي، ويمكن بعد فترة المعيشة دي ينفع أتكلم عنها وعن حياة الناس فيها عاملة إزاي، وليه بيقعوا في غرامها ويرتبطوا بيها كده.

أكثر من مجرد سكن

أول حاجة بتيجي في دماغي لما حد بيتكلم معايا ويقول “المعادي” في نص كلامه، هي اللون الأخضر، واللي أقدر أقول إنه اللون الطاغي علي المكان. المكان عبارة عن لوحة فنية مرسومة، خطوطها العريضة باللون الأخضر اللي يخليك طول ما إنت ماشي مرتاح نفسيًا وعينيك مبسوطة باللي شايفاه، مش بس كده، لكن كمان بتشحنك طاقة إيجابية. متخيل مكان مجرد إنك تتمشى فيه يمدك بطاقة ايجابية وسعادة من غير ما تدفع أي مقابل ليها!

المعادي بالنسبة لي هي الحي الوحيد اللي عمل من الأشجار واللون الأخضر جزء من حياة البشر، من أول ما اتأسست لغاية الوقت الحالي، بالرغم من التغييرات التاريخية الكبيرة اللي حصلت وغيرت حاجات كتير معاها على مر الزمن. ده غير إن الجو المحيط بيها منعكس جدًا على طبيعة وسلوكيات سكانها، يعني في أغلب المناطق تلاقي الناس رايقة وهادية ومستمتعين بالحياة جدًا ومش مؤذيين لأي كائن حي حواليهم، مش بس الإنسان لكن الحيوانات والزرع كمان. نمط حياة هادئ ومريح جدًا للشخص اللي بيقرر يوقف جري ويبص حواليه عشان يشوف الجمال في التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة.

تخيل بقى لو للحظة صحيت من نومك ولقيت كل ده هيتغير للأبد! ومكان سكنك اللي سكن جواك ملامحه هتتمحي ببساطة.. هتحس بإيه؟

اقرأ أيضًا: افكار تزيين البلكونة وزراعتها وما يمكن أن تفعله في نفسيتك

حكاية شارع 250: شارع الزهور

من أجمل الشوارع اللي اتعلقت بيها هنا هو شارع 250 المشهور جدًا إنه ماشي في نص المعادي وبيقسمها نصين بالضبط، ومشهور كمان بكمية المشاتل الموجودة على جانبيه، والأشجار الكبيرة المختلفة المزروعة فيه، واللي عرفت بعد فترة من وجودي في المعادي إن فيه منها كتير أشجار نادرة، لأن من زمان لما اتأسست جمعية محبي الأشجار، جابوا أشجار نادرة من أماكن مختلفة في العالم وزرعوها في المعادي، بحيث كل شارع يكون مزروع فيه نوع شجر معين ملوش مثيل في مكان تاني.. شايفين الجمال!

بقي روتين أسبوعي عندي لازم أروح المشاتل في شارع 250 وأشتري أنواع مختلفة من الزرع، لغاية ما بقى بيتي عبارة عن مشتل كبير زيهم، واتعرفت على ناس من أصحاب المشاتل اللي حفظوا شكلي، ولو انقطعت فترة عن إني أروح بيسألوني المرة اللي بعدها “فينك؟ موحشكيش الزرع؟”. الناس دي لما بتبيع لي زرع قبل ما بمشي بيدوني تعليمات إزاي أحافظ على كل زرعة واحتياجات كل زرعة زي ما يكونوا بيستأمنوني على حد غالي عندهم، بيعاملوا الزرع كأنه طفل من أطفالهم بالظبط.

لكن للأسف صحيت من يومين على خبر إن الشارع ده بالكامل من أشجار ومشاتل هيتشال، عشان محور ما هيتعمل مكانه في هذا الحي السكني الجميل الهادي. أول حاجة عملتها كلمت واحدة من أصحاب المشاتل اللي أعرفهم في الشارع، وسألتها عن صحة الخبر وأكدت لي إنه صح، وفضلت توصف لي إحساسها كأن حد قرر فجأه يطلعها من بيتها مش مكان شغلها.

وبعدها بيوم كان سُكان المعادي واقفين في الشارع بعربياتهم بيدعموا أصحاب المشاتل بإنهم يشتروا منهم الزرع اللي عندهم، منعًا للخسارة المادية ليهم، وحزنًا على الزرع اللي هيموت ده. وقفت من بعيد أشوف المشهد قدامي، وافتكرت السبب الأصلي اللي خلاني أقع في غرام المعادي وأنقل سكني ليها، الطابع الجمالي والفني المريح للحي، واللي انعكس على معظم سكانه، خصوصًا المعمرين له، وخلاهم يحتفظوا بإنسانيتهم وتقديرهم للجمال بكل أشكاله وللفن والتراث، وآه أنا أقدر أقول عن المعادي إنه حي مليان تراث فني مبهر.

امتزجت سعادتي لموقف الناس الإنساني تجاه أصحاب مشاتل الزهور، مع إحساسي العميق بالحزن والإنكار لإدراكي زوال مكان جميل اتعلقت بيه كده ومعنديش الفرصة الكافية أودعه ولا الحيلة إني أحافظ عليه زي ما هو. أتمني من كل قلبي -رغم اللي هيحصل- إن تفضل الناس محتفظة بعينين تميز الجمال وقلب يحب يحافظ عليه وعقل يقدَر أهمية التراث وتأثيره على حياتنا.

اقرأ أيضًا: نوستالجيا: عندما غلبني الحنين للماضي

المعادي
شوارع المعادي
المقالة السابقة5 خطوات لإنهاء الخلاف مع شريكتك بسرعة ومحبة
المقالة القادمةأن تولد متمردًا: ضريبة الاختلاف
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا