أفلام للكبار فقط: السينما والثقافة الجنسية والمشاكل المجتمعية

عندما كنت طفلة أشاهد فيلمًا ما وسط عائلتي، بينما كان يهم البطل بتقبيل البطلة، تطالبني أمي بتغطية عيني حتى لا أرى هذا المشهد أو ما شابه من تعبيرات لا تصلح لمن هم بسني

بينما تُذيِّل طلبها قائلة: “هذا موضوع يخص الكبار وأنتِ لا زلتِ صغيرة لفهم ذلك، ولكن عندما تكبرين ستفهمين كل شيء فقط في الوقت الصحيح”.

بالطبع لم أكن حينها بذكاء الفنان عبد المنعم مدبولي بمسرحية “ريا وسكينة”، فلربما كنت أجبتها “وهم هيفضلوا يبوسوا بعض لغاية ما أكبر؟!”.

ونتذكر بالطبع التدليل البسيط الذي لجأت إليه السينما المصرية القديمة للإشارة إلى وقوع الاغتصاب أو لحظات الضعف التي يمر بها الأبطال فيقعون بالخطيئة، بأن يُشار للأمر بفتح ضلفتي الشباك بقوة في مشهد مخيف للطبيعة، تعلن به عن غضبها لما يمر به الأبطال، فتراها ترعد وتمطر.

أو مشهد القهوة الفايرة على السبرتاية، أو ربما مشهد سحق الوردة المتفتحة بقدم مجهول لا يظهر وجهه للكاميرا مدللاً عن الظلم والقهر.

هذا يدل على الحذر العالي في السينما العربية في تناول أي محتوى يشوبه الجنس، بينما لا يخفي علينا كون الثقافة الجنسية لهي من المواضيع الشائكة للتناول بمجتمعاتنا العربية بشكل عام، لكونها تندرج في محتواها الأوَّلي للعامة على كونها عيبًا، ولا يصح التحدث عنها دون الخوض في أمور خاصة جدًا لا يجوز الإفصاح عنها

لذا يعد تناولها في أفلامنا العربية أمرًا في غاية الصعوبة والندرة، وعادة ما يصاحب إعلان الفيلم علامة جلية تبروز كونه +18.

وهذا التذييل لا يدل بالضرورة على كونه يتناول محتوى جنسيًا، أي بطريقة عادل إمام في فيلمه “المنسي”.

هذا لا يدلل على الإطلاق كون الفيلم “مناظر”، ولكن قد تكون عبارة تحذيرية من عنف أو قتل أو أي شيء آخر لا يستحب مشاهدته لمن هم أدنى من السن القانونية.

أفلام للكبار فقط في السينما المصرية

هنا سيتم عرض بعض الأفلام العربية التي تناقش هذا الموضوع الشائك بوجهة نظر تثقيفية:

فيلم ثقافي

يتحدث الفيلم عن مجموعة شباب تقدمت بهم السن ولم يتزوجوا بسبب للظروف الاقتصادية، فيقررون تعويضًا لفراغهم العاطفي اللجوء إلى مشاهدة الأفلام الجنسية في مجموعات، فهم يعتبرونها النافذة الوحيدة لحياة طبيعية يعيشونها فقط لساعة أو أقل، بينما يشاهدون الفيلم.

يرصد الفيلم في إطار كوميدي مخفف لوطأة كارثة كبت الرغبات الجنسية محاولاتهم لتحقيق هذا الهدف السامي، ألا وهو مشاهدة الفيلم الثقافي، مهما كانت الصعوبات، ويدور الفيلم حول تحايلاتهم الذهنية الكثيرة لتذليل هذه الصعوبات القدرية التي تُلقى في طريقهم.

يعتبر الفيلم من الأفلام الجيدة جدًا في طرح موضوع شائك كهذا، بينما لا يكتفي بتسليط الضوء على المشكلة، ولكن يوضح الأسباب الاقتصادية التي لمت بالطبقة المتوسطة على خلاف زواياها، فنرى مثالاً للطبيب والموظف وغيرهما، مما يؤكد أن الكبت الجنسي والنفسي ليس له علاقة بالتعليم أو مجال العمل، فهو انعكاس لوضع اقتصادي خانق يعيشه شبابنا لا أكثر ولا أقل.

تعرفي على: كيف للمطلقة أن تتغلب عن احتياجاتها الجنسية؟!

النوم في العسل

يتناول الفيلم فكرة العجز الجنسي كمردود لشعور الفرد بالعجز أمام حال البلاد بظروفها السياسية والاقتصادية الخانقة، بينما يعرض الفيلم العملية الجنسية بين الأزواج كونها التنفيس والفسحة النفسية الوحيدة المتاحة لكل فئات الشعب، غنيًا كان أو فقيرًا، وما أن تعطلت هذه العملية حتى خربت البلاد حرفيًا، فترى الشباب ينتحرون ليلة الزفاف خوفًا من مواجهة فكرة العجز، والأزواج يتشاجرون ويصل الأمر للذهاب لقسم الشرطة، بينما لا يستطيعون التصريح بالسبب الحقيقي لخلافهم. ترى الفئات الأقل تعليمًا تتجه طوابير نحو الدجل والشعوذة والوعود الخاوية من أي علم، حالمين بخروج آمن من هذه اللعنة التي حلت بهم.

ينتهى الفيلم بمشهد ملحمي يتصدره النجم عادل إمام، كونه يقود مجموعة كبيرة جدًا من فئات مختلفة من الشعب، يصرخون معلنين “آه” كإعلان رسمي أنهم لم يعد بمقدورهم السكات على هذا الوضع، وكأنه إقرار منهم أن أول خطوات العلاج التصريح كوننا مرضى من الأساس دون غوص أعمق ببئر الإنكار.

تعرفي على: الثقة الجنسية.. مَن تتمتع بها؟ وكيف تحصلين عليها؟

النعامة والطاووس

يتناول الفيلم قصة زوجين بمقتبل العمر عاشا حياة أصدق ما توصف به كونها عادية ومكررة، حيث تزوجا بمعرفة عائلتيهما كونهما مناسبين لبعضهما، مع شعور طفيف بالمحبة المتبادلة، فيرزقان بطفلة صغيرة ليتما بذلك الصورة المجتمعية التقليدية عن حياة يغلب عليها السعادة. تُعرَض صور متفرقة من حياتهما اليومية يغلب عليها التوتر والأعصاب المشدودة، ويتضح فيما بعد أن كل هذا التوتر والحنق على موضوعات يغلب عليها السطحية ما هو إلا نتاج للقنبلة المسكوت عنها من ليلة الزفاف، كون كل من الزوجين لم يحظَ بعلاقة جنسية مرضية لتوقعات كليهما.

البطلة مثال حي عن فتاة مصرية من منزل متوسط، لم توجه لها أي تعاليم جنسية من قِبَل والدتها، ولكن كأمهات كثر حرجت من مجرد التطرق لموضوع مشابه، فدخلت التجربة محملة بأطنان من الجهل والخوف من العملية ككل، بينما هو كشاب تلقى معلوماته من مجموعة من التجارب السطحية الفاشلة مع مومسات، ومن كتب رخيصة تحكي عن الجنس بفنتازيا لا تمت للواقع بصلة، فيصيبه الإحباط من زوجته باردة المشاعر التي لا تغدقه بما سمع عنه مما يستمتع به الأزواج.

يلقي الضوء كذلك عن تبعيات هذه القنبلة بأن تزل قدم الزوجة في علاقة غرامية يغلب عليها الرومانسية التي تفتقدها مع زوجها، بينما يساق الزوج لاجترار تجاربه الجنسية الخارجة عن المألوف مع مومسات يجددن لديه شعوره بكونه قويًا وفعالاً. يوجه الفيلم رسالة واضحة وصريحة عن ضرورة مراجعة الأطباء المختصين، ومدى كونهم مفيدين بهذا المنوال، وكون هذه العملية لا تمت للخروج عن المألوف في شيء، فالموضوع يناقش بأسلوب علمي أبعد ما يكون عن العيب.

تعرفي على: فيلم “شوكة وسكينة”: هو إحنا بنتجوز ليه؟

بحب السينما

يتناول الفيلم حياة أسرة مسيحية مكونة من زوج أرثوذكسي قبطي متعصب دينيًا، وزوجة بروتستانتية، ولديهما ولد وبنت، يعرض المشكلات الاجتماعية والأسرية التي تواجه هذه الأسرة بسبب الرؤية المتعصبة وغير الصحيحة للدين، التي يتبناها الزوج، حيث يهديه عقله كون علاقته الجسدية مع زوجته تعد تحت بند الخطايا، وأنها ستجازى لكونها تحفزه لممارسة هذه العلاقة، وعليهما أن ينتهيا عن فعل هذا لكونهما قد أتما الغرض منه بعد أن رزقا بالبنت والولد. يعرض الفيلم بوضوح النتيجة الأولية للفهم الخاطئ لتعاليم الدين، وكيف يتحول التدين من نعمة لنقمة عندما يُفهَم بالشكل الخاطئ.

كان هذا عرضًا لبعض الأفلام المصرية التي كان لصناعها شجاعة ملحوظة ووعي عالٍ أهَّلهم للتخلص من حرج الحديث عن الثقافة الجنسية بالعموم، رافضين لتكبيل أيديهم وتقليص حدود خيالهم بوجهات النظر المجتمعية السائدة عن هذا النوع بالتحديد من الثقافة، متناسين قوانين المجتمع الأوليي، كون هذا الموضوع غير قابل للنقاش العلني وغير مستحب النقاش عنه على الإطلاق، فكان لهم أسلوبهم غير المباشر وغير الصادم لعرض الفكرة بين يدي المشاهد، واثقين من ذكائه لفهم المقصود مما بين السطور.