السيدة كونان.. زوجة برتبة محقق

1233

 

بقلم/ مي عباس

شعرَت بضيق مفاجئ، هاجمها الشك من جديد، فاتصلت به على الفور:

– إنت فين؟

– أنا فين؟! ما إنتي عارفة إني هتفرج على الماتش مع أصحابي.

– ابعتلي صورة.

– نعم؟!

– لو إنت فعلاً مع أصحابك وهتتفرجوا على الماتش صور نفسك وابعتلي.

– إنتي اتجننتي.. عايزاني أقولهم يلا نتصور عشان مراتي تطمن إني مش بلعب بديلي؟! اقفلي دلوقت الماتش هيبتدي.

 

شعرت بغليان في قلبها، صاعد ردُّه من شكوكها، فقالت بلهجة تهديدية: لو مبعتليش الصورة دلوقتي مش هتتفرج على الماتش، هفضل أكلمك، ولو قفلت التليفون هجيلك.

– لا حول ولا قوة إلا بالله.. حاضر.

أرسل لها صورة سيلفي مع أصدقائه، شعرت ببعض الارتياح الذي سرعان ما نغَّصه احتمال هجم على عقلها، بأن يكون من بين الصحبة بنات، واستسلمت للخيال الذي شكَّل لها صورة مفزعة لفتاة تحاول التقرب من زوجها، ويخرجان معًا بعد الماتش.

 

يتكرر هذا الموقف بصور مختلفة بينهما، أحيانًا تتعقبه بنفسها، وأحيانًا تطلب منه ألا يغلق المكالمة لتستمع لمحادثاته وتتأكد من كونه في العمل أو عند صديق، وتتفحص هاتفه عدة مرات في اليوم. أصبح بإمكانها تفتيش المكالمات ورسائل الواتس في دقائق تقتنصها أثناء وجوده في الحمام، أو بعد نومه، أما حسابه على فيسبوك فقد تمكنت من اختراقه دون علمه لتطلع أولاً بأول على محادثاته ونشاطاته، ولا يمنع هذا من أن تقوم بعمل فخ له بين الحين والآخر بمراسلته من حساب أنثوي وهمي للتأكد من إخلاصه!

 

شغفها على وسائل التواصل التفاعل مع مشكلات الخيانة، وقصص الصدمات الزوجية للنساء، أما مقالاتها المفضلة فمن نوعية:

كيف تكشف الكذاب؟

علامات خيانة الزوج.

أحدث طرق التتبع.

 

غول الشك

لم تبدأ علاقتهما هكذا، سبق هذا المشهد أعوام لم تخلُ من منغصات، آلمها بنظرات وتعليقات، ورسائل بين حين وآخر، يتبادلها مع أخريات، فاشتعلت نار غيرتها، واحتل هاجس الخيانة تفكيرها، اكتسبت مهارات أصبحت روتينًا يوميًا، مثل: تفتيش هاتفه، وتفسير لغة جسده، وربط الأحداث والكلمات للوصول إلى الحقيقة، ببراعة لا يكاد يضاهيها إلا المحقق كونان ذاته.

 

أما هو فكان في النهاية حذرًا من الاسترسال مع ما يُعرِّض بيته للخراب، ولكنه رغم إبداء غضبه من غيرتها، كانت تشعره بلذة داخلية، وانتفاخ في “الإيجو” جعله يحس بنفسه كنجم هوليوودي يسحر ملايين المعجبات، مما جعله حريصًا على أن يشعل نارها كلما هدأت.

 

الشك هو خليط بين اشتباه في الآخر، وضعف الثقة بالنفس، والكثير من الاعتياد. نعم الشك عادة، كلما أسلمت له زمام قلبك تضخم حتى يصبح غولاً ينهش مشاعرك، وينغص كل لحظة في حياتك، ويخرجك تمامًا عن المنطقية.

 

لم يوصل الشك يومًا إلى يقين، بل هو أقصر طريق للجنون، تظل هناك دومًا احتمالات لن ينهيها التحقيق والمراقبة والتفتيش، لا ينهيها إلا التسليم لله، وأخذ قرار حاسم ونهائي بالانشغال بالنفس والتركيز على سعادتها وتطويرها، بدلاً من الغرق في الزوج.

 

ما نركز عليه يزداد ويكثر، وما نبحث عنه نجده، وما يسيطر على عقولنا يظهر لنا في أحلام النوم واليقظة، وتطاردنا تفاصيله، ونربط كل الأمور به.

لا تفتشي هاتفه، ولا تتعقبي خطواته، ليس من أجله، بل من أجلك أنت أولاً، فلا شيء يضيع العمر، وينهك النفس مثل القلق المستمر، وتوقع السوء.

 

تأكدي أن تفتيشك وتركيزك عليه لن يمنعه من السفول، بل ربما يدفعه إليه، فكثيرًا ما نلبي توقعات الآخرين منا، فيعز علينا أن نحطم ثقتهم، بينما نستهين بمشاعرهم إذا كانوا يحكمون علينا مسبقًا بأننا خطاة.

 

لا يحتاج كشف الخائن إلى براعة كونان ويقظته، يسقط الخائن دومًا، يفضح نفسه بنفسه، تكشفه مئات العثرات، وتوقعه يد القدر، فلا تتعجلي كسرًا الله قادر على أن يحمي قلبك منه.

ولا تقبلي أن تتحولي أمام نفسك، وأمامه من أميرة أحلام، وشريكة عمر معشوقة، إلى مفتش ثقيل الظل كثير الإلحاح.

 

شغفها على وسائل التواصل التفاعل مع مشكلات الخيانة

 

المقالة السابقةأفلام للكبار فقط: السينما والثقافة الجنسية والمشاكل المجتمعية
المقالة القادمةالنصف حالة.. أسطورة البين بين
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا