فكرة زيارة الطبيب النفسي لم تعُد غريبة أو مدهشة اليوم، على العكس، عيادة الطبيب النفسي باتت مزدحمة مثلها مثل عيادة طبيب الأطفال، أجلس اليوم في أي تجمُّع، مع أشخاص من مختلف التوجهات والطبقات والأيدولوجيات والأعمار، لأجد أن الفكرة مطروقة وطبيعية، الأمر لم يحدث بين ليلة وضحاها بالتأكيد، بل هو ناتج عن تداعيات مجتمعية هائلة، ضغوطات لم يعد يكفيها تمشية بسيطة ولا فضفضة في الهاتف، لم يعد يكفيها نزهة ولا رحلة تسوق، بالإضافة طبعًا إلى حملات توعية ضخمة خاضها نشطاء على الفيسبوك للتعريف بأهمية العلاج النفسي، وتجارب جادة خاضها مقربون ذهبوا بأنفسهم إلى جلسات فعلية وعادوا منها ليؤكدوا أن الذهاب للطبيب النفسي لا يعني أنك “مجنونة” كما كان يقال سابقًا، أو حتى مريضة، بل يعني أنك صحيحة عقليًا، لكنك في حاجة لفحص نفسي دوري كما تفعلين مع جسدك بالضبط.
لكن حتى مع كل هذا، هناك أمور يجب أن تعرفينها قبل الذهاب إلى الطبيب النفسي، وهي نتيجة خبرة شخصية مستمرة منذ ما يقارب العامين إلى اليوم:
1- الطبيب النفسي ليس ساحرًا
ذهابِك إلى جلسة واحدة لا يعني أنكِ ستعودين في أفضل حال، فالطبيب النفسي ليس ساحرًا، وهو لن يُدخلك في جهاز خاص تخرجين منه شخصًا آخر. لا تتوقعي الكثير من الجلسة الأولى بالذات، فهي أقرب إلى جلسة تعارف مع أيّ شخص جديد يدخل حياتك. العديد من الصديقات يعُدن من أول جلسة ليخبرنني أنهن لم يشعرن بشيء، أو يسألنني إن كن يستطعن الذهاب لطبيبي الخاص جلسة واحدة فقط ليشعرن بالتحسن! هذه ليست جلسة علاج للبشرة أو الشعر، هذه عملية معقدة للتعافي تستغرق وقتًا طويلاً.
2- الذهاب إلى الطبيب النفسي ليس مدعاة للتفاخر ولا يستوجب الإخفاء
ذهابِك إلى الطبيب النفسي ليس مدعاة للتفاخر، أو شيء يجب إقحامه في حديثك مع كل شخص كل دقيقتين، لكنه في نفس الوقت ليس شيئًا يجب إخفاؤه. يجب أن تتعاملي مع الأمر على أنه طبيعي تمامًا، مثل ذهابِك لطبيب الأسنان. بالذات لو كنتِ تعانين من الاكتئاب أو نوبات الهلع أو الحزن، عليكِ أن تتعاملي مع ذهابك إلى الطبيب النفسي على أنه شيء يمكن أن يفيد شخصًا آخر من حولِك لا يملك الجرأة الكافية لفعل نفس الشيء خوفًا من المجتمع، ربما تشجعينه على اتخاذ هذه الخطوة التي ستحسن حتمًا من حياته.
3- لا تبالغي ولا تخفي تفاصيل على طبيبك
المبالغة ضعف بشري، أحيانًا ستشعرين أنك بحاجة إلى ذلك بالذات مع طبيبك النفسي، لكن لا شيء يستدعي ذلك، فإلى جانب أنه غالبًا سيعلم أنك تبالغين، هذا لن يساعده على وضع خطة جيدة معك لتشعري بالتحسُّن.
نفس الشيء ينطبق على إخفائك لبعض التفاصيل، والحقيقة أنك غير مضطرة إلى إخفاء أي شيء، فهو لن يحكم عليكِ، ولن يعارضك ولن يُلقِّنك دروسًا أخلاقية؛ مهمته هي الاستماع إليك ومحاولة مساعدتك.
4- الأدوية ليست شيئًا سيئًا
إن القاعدة الأزلية التي تنص على أن الأدوية التي تعالج الأمراض النفسية تتلف الدماغ وتسبب الجنون، وأن أي طبيب نفسي يصف الأدوية لمرضاه هو بالتأكيد طبيب فاشل يستسهل عمله، لا يريد أن يستمع لمرضاه ويفضل اللعب في كيمياء مخهم على ذلك. هذه القاعدة بالتأكيد غير حقيقية. هناك حالات تستدعي وصف بعض الأدوية ومضادات الاكتئاب بجرعات محددة دون مشكلة.
5- أكليشيهات السينما ليست حقيقية
الجلسات النفسية مع الطبيب لا تعني الاسترخاء على شيزلونج مع موسيقى كلاسيكية في الخلفية مع إضاءة خافتة، لا يوجد أحد يصوِّرك أو يسجل لكِ ما تقولينه، إنها مجرد جلسة عادية في عيادة جيدة الإضاءة، الطبيب يأخذ بعض الملحوظات في ملفك الخاص ويناقشك في جلسة ودية، ربما يمكننا أن نقول بأن أفضل تجسيد للطبيب النفسي في الدراما المصرية كان في مسلسل “خاص جدًا” للمؤلف تامر حبيب.
6- التحسُّن لا يعني الشفاء
بعد عدة جلسات، ربما تشعرين بأنك أفضل حالاً، وبأنك اكتفيتِ من جلسات العلاج النفسي، وهذا شائع لمرضى الاكتئاب بالذات. نصيحتي لكِ بعدم التوقف، لأنه في الغالب ستعاودك النوبات بشكل أكثر شراسة بعد فترة، عليكِ بالمواظبة لفترة أطول، ولو على فترات متباعدة. الاكتئاب مرض خادع، يهاجمنا في أكثر اللحظات طمأنينة، وعلينا الاستعداد له جيدًا.
7- لا يجب أن تملكي تفاصيل مهمة لمناقشتها في كل جلسة
هذه جلسة مع طبيبك وليست ميعادًا عاطفيًا، هو لا يبالي إن كان هناك تفاصيل جديدة ومثيرة في حياتك أم لا، يمكنك حتى إعادة الحديث في تفاصيل قديمة سبق لكِ التحدث فيها معه، يمكنك الجلوس صامتة أو الحديث عن آخر كتاب قرأتِه أو تركه هو ليتحدث، أحيانًا عندما تشعرين أنكِ لا تملكين شيئًا للحديث عنه، فإن هذا يؤدي للكشف عن تفاصيل أخرى أكثر حساسية ودقة في حياتِك قد تُشعِرك بالتحسُّن.
8- توقعي أن تشعري بعدم الراحة في بعض الأوقات
يحرص الطبيب على إراحتك بكل ما في وسعه، لكن هناك بعض اللحظات التي ستشعرين فيها بكل تأكيد بعدم الراحة، هذا طبيعي ولا يجب أن يسبب لك القلق، أحيانًا ستشعرين بأنك لا تملكين شيئًا لتقولينه، وأحيانًا إن كنتِ مريضة اكتئاب ستشعرين بأنك لا تريدين الحديث، وأحيانًا ستشعرين بأن لا جدوى من كل ذلك، أرجوكِ لا تتوقفي عن الذهاب إلى جلساتك، لأن المواظبة هي السبيل الوحيد للتحسن. وهذه المشاعر لا تعني شيئًا، لأنها ستتغير في الجلسة التي تليها.
9- يجب أن تخبري طبيبك أنك لا تتفقين مع رأيه
خلال الجلسة لن تتحدثي وحدك، سيتخللها نقاشات مع طبيبك أيضًا، سيُبدي لكِ بعض الملحوظات والنصائح، وربما تضعا معًا خطوات لتسيري عليها حتى ميعاد الجلسة القادمة، إن شعرتِ أنك لا تتفقين مع آراء الطبيب عليكِ أن تعلني عن رأيك بكل صراحة، تناقشي معه ولا توافقيه الرأي بسلبية ودون اقتناع، أنتِ من ترين الصورة كاملة، والطبيب كما ذكرنا ليس ساحرًا ليعرف حياتك أكثر منك، هو يجتهد معك ليعرف أكثر، وهذه النقاشات هي الخطوات الأولى لتصلا معًا إلى خطة جيدة تصلح لكِ.
10- الطبيب النفسي يرى الكثير
فعمله لا يتوقف عند الجلسات فقط، الطبيب النفسي يتعامل مع مرضى خطرين، ومصابين بأمراض مستعصية ومزمنة، ومن المفترض أنه ينحّي مشاعره جانبًا عند التعامل مع أي حالة.
الطبيب لن يحكم عليكِ في أي شيء، فمن المفترض أن تكون هذه الجلسة هي مكان راحتك، الـComfort Zone كما يجب أن تكون، فإن شعرتِ ولو للحظات أن هذا غير متحقق، عليكِ أن تتوقفي فورًا. في هذه الجلسات على الروح أن تتعرى تمامًا كما يفعل الجسد أمام الطبيب المتخصص، فإن شعرتِ بالخجل أو عدم الاطمئنان فهذا مؤشر سيئ وغير صحي، وعليكِ أن تغيري الطبيب أو تبحثي عن بدائل أخرى.
تذكري أنك لا يجب أن تكوني مُصنَّفة “مريضة نفسية” لتزوري “العيادة النفسية”، أحب أن أستعير شعار عيادة طبيبي الخاص الذي أداوم على زيارته منذ عامين إلى اليوم، والتي تطالعني أول شيء عند دخولي إلى العيادة لتشعرني بالطمأنينة والهدوء: للأصحاء وقت الضغوط.