يتزايد عدد المترددين على طلب العلاج النفسي خلال الفترات الأخيرة، ولم يعد الذهاب لطبيب أو معالج نفسي شيئًا يدعو للخجل، بل سنجد العديد من المقربين يرشحون لنا طبيبًا ما أو معالجًا، وقد نجد من يحكي خبرته مع العلاج النفسي، سواء كانت خبرة جيدة أو سيئة، ولكن -في كل الأحوال- يعد ذلك تطورًا صحيًا يعود بالفائدة بشكل عام، ولهذا سنعرض بعض الاضطرابات النفسية الأكثر انتشارًا في مجتمعنا، والتي قد يساهم التعرف عليها في فهم البعض لما يعاني أو تقدير معاناة الآخرين.
الاضطراب النفسي
هو مجموعة من الأعراض المحددة، والتي تستمر لمدة زمنية لا تقل عن ستة أشهر، تلك الأعراض التي تظهر على المريض وتسبب تغييرًا واضحًا في حياته وتفاعلاته مع الآخرين، وأيضًا عدم القدرة على التكيف مع محيطه، وقد كان قبل ظهورها يمارس حياته بشكل طبيعي، ومن أهم ما يميز المرض النفسي هو استبصار المريض بمرضه، أي أنه يعي تمامًا أنه يعاني من مشكلة ما ومعترف بوجودها.
أسباب الأمراض النفسية
1- الأسباب الوراثية: وهي انتقال الجينات المسببة للمرض للأبناء، ولكن تظل الجينات هي مجرد محفزات للمرض في حين وجود بيئة مناسبة لنمو المرض.
2- الأسباب البيئية: وتعد البيئة الأولى للإنسان، وهي الأسرة، هي نواة الأمراض النفسية، وفيها تنشأ الاستعدادات المرضية، والتي تنتظر بعد ذلك أحداثًا حياتية تفجر المرض النفسي.
3- الخلل الوظيفي في المخ: وذلك بسبب تغير نسبة المواد الكيميائية مثل “الدوبامين” و”السيروتونين” الموصلة بين الأعصاب.
متى يتحول الشخص العادي إلى مصاب باضطراب نفسي؟
عند مرور الشخص بظروف ما، تسمى في المجتمع النفسي بـ”الحدث المفجر”، أي حدوث شيء ما، بمثابة محفز قوي لما لدى المريض من استعداد لمرض بعينه، مما يجعل الأعراض تظهر بشدة على المريض، لدرجة تعوقه عن حياته.
الأمراض النفسية
1- الاكتئاب
أ– الاكتئاب الأساسي:
يعتبر من أكثر أنواع الاكتئاب شيوعًا، ويعاني فيه المريض من الحزن الشديد لفترة لا تقل عن ستة أشهر، ويكون من أكثر الأعراض ظهورًا على المريض هو المزاج المتعكر وعدم القدرة على الاستمتاع، لذلك يحقق العلاج المعرفي السلوكي نسب نجاح عالية، نظرًا لإكساب المريض مهارات حياتية جديدة وتعليمه طرق تفكير صحيحة.
ب- الاكتئاب المزمن:
وتعتبر أعراضه أقل حدة من الاكتئاب الأساسي، وفي معظم الحالات متشابهة، ولكنه يستمر لفترات طويلة من عُمر المريض لا تقل عن عامين، وقد تصل لعشرين عامًا، ولذلك يسبب تشوهًا كبيرًا في الصورة الذاتية لدى الفرد عن نفسه مع خبرات حياتية أكدت تلك الصورة في معتقداته المعرفية، ومن أشهر العلاجات الجديدة المستخدمة في علاجه هو علاج المخططات المعرفية أو السكيما.
ج- الاكتئاب الموسمي:
ويرتبط هذا النوع بتتابع الفصول، فهناك من يشعر بالكآبة في فصل الشتاء أو الصيف، وتعتبر النساء الأكثر تعرضًا لهذا الاضطراب، ولكننا ما زلنا لا نعرف الأسباب الحقيقية لهذا النوع، وتكون من أعراضه اضطرابات ملحوظة في النوم والطعام، وصعوبة في التركيز ونوبات متتالية من الشعور بالكآبة.
د- اكتئاب ثنائي القطب:
أيضًا يُدعَى بالاضطراب ذي الاتجاهين، نظرًا لأنه غير مستقر في حالة واحدة لفترة طويلة، فيكون فيه المريض في شدة الابتهاج لدرجة القيام ببعض الاعمال الطائشة، ثم ينتقل سريعًا للشعور بالكآبة الشديدة، وهناك حالات تشعر بالابتهاج والكآبة في نفس الوقت، مما يقلل التركيز بشكل كبير لدى المريض، ولكنه اضطراب ذهاني عقلي، وعلاجه دوائي وتحت إشراف طبيب وليس معالجًا.
2- القلق:
أ- القلق المعمم:
هو لمحة من مجموعة اضطرابات القلق، فهو يجمع في أعراضه معظم أعراض اضطرابات القلق، ولذلك يعتبر الأصعب في تشخيصه، ولكنه الأكثر انتشارًا.
ب- القلق الاجتماعي:
وهو اضطراب يتعلق بعلاقة الفرد والآخرين، فهو عبارة عن مخاوف لدى الفرد أثناء وجوده مع مجموعة أو فرد واحد، ويصاحب هذا الاضطراب أعراضًا اكتئابية، لأنه يدفع الفرد للعزلة نتيجة هذا القلق.
ج– الفوبيا:
وهو خوف الفرد من شيء لدرجة الرعب، مع علمه بأن هذا الخوف غير منطقي، وأيضًا يُصاب أحيانًا المريض بأعراض اكتئابية لزيادة صورته الذاتية السيئة بسبب تعرضه لمواقف محرجة.
د- الهلع:
وهو اضطراب يصف الجسم أكثر من أي شيء، وفيه يستجيب الجسم لمشكلة صغيرة أو إحساس سلبي صغير بشكل فيه هلع كبير، ويصاحبه شعور المريض بكل التغيرات الجسمية التي تحدث وقت تعرضه للموقف الذي يسبب القلق.
هـ- الوسواس القهري:
هو عبارة عن صور وخيالات تزيد من الأفكار المتتابعة، مما يؤدي لزيادة التوتر، فيقوم الفرد بسلوك قهري للتقليل من حدة الأفكار والتوتر، حتى مع اقتناع الشخص بتفاهة الفكرة، وقد يظهر في ثلاث صور “النظافة والعدوى، الدين وسب الذات الإلهية، الأفكار الجنسية”.
و- كرب ما بعد الصدمة:
ويظهر نتيجة لتعرض الفرد لصدمة عنيفة، وعدم وجود استجابة صحية لتلك الصدمة، كالحديث عن وقعها عليه وتأثره بها، مما يؤدي إلى حالة إنكار وزيادة الأفكار السلبية، لدرجة تعوق الفرد عن فهم ردود أفعاله وممارسة حياته بشكل طبيعي. ومن أكثر الأعراض ظهورًا على المريض هو تغير واضح في شخصيته بعد الصدمة، وتأثير الصدمات من الممكن أن يظل في حالة الإنكار لفترة من 6 أشهر لعشرين عامًا.
3- الإدمان:
هو سلوك يقوم به الفرد في البداية ويشعره براحة، ثم يكرر ذلك السلوك حتى يصبح سلوكًا اعتماديًا لا يستطيع التخلص منه، ومع استمرار العادة لا يحصل على الراحة التي كان يشعر بها في بداية ممارسة السلوك، ويزيد الاستعداد المرضي للإدمان مع الأفراد المنسحبين الذين يفتقدون الأنشطة المتعددة التي تساعدهم على التنفيس الانفعالي، ومن أنواع الإدمان “المخدرات، الكحوليات، العلاقات الجنسية، العادة السرية، التسوق، العمل”.
تتعدد نسب انتشار هذه الاضطرابات بين البلدان، نظرًا لتأثير الثقافات على الأفراد وكيفية تعايشهم وقبولهم لبعض الأمور عن الآخرين في بلدان أخرى، ولكن يظل الاكتئاب والقلق هما الأكثر انتشارًا في العالم، يليه الإدمان، وذلك لأن الضغوط اليومية وأيضًا التقدم التكنولوجي الذي أصبح يحل محل الوجود البشري الملموس والضروري لصحة نفسية سليمة، لذلك زاد عدد المترددين على طلب المساعدات النفسية، تحت تأثير شكل الحياة السريع الذي نعيشه، فأصبح من الصعب أن نتعامل بشكل صحي على الدوام.