فلتر للحب

1158

 

بقلم/ رضوى سمير

 

يقول دانتي “إن أعظم الجرائم في تاريخ البشرية قد ارتُكِبَت باسم الحب”، لم أعِ تمامًا ما يعنيه بهذه الجملة ولكن بعد النظر قليلاً إلى تعريف الناس للحب تلك الأيام، وسماع الكثير من القصص، عرفت ولو قليلاً ما كان يقصده، وسأشرح لكم كيف في المشاهد القادمة:

 

منذ ٤ أعوام كنت أتحدث مع صديقة لي على علاقة بشاب، علاقة استمرت لمدة تزيد عن ٥ سنوات ربما، كنت أراها دومًا تبذل كل ما في وسعها ليكلل ذلك الحب بالزواج، أما هو فلم يكن يتحمل عبء حتى إقناع أمه بفكرة الزواج منها.

 

عندما تحدثت لي بصراحة عن كل ما يجول في عقلها قلت لها إن الإنسان يظل يتنازل عن كل شيء بداخله حتى لا يتبقى منه شيء، فيبدأ بكُره نفسه، ومن ثم مَن حوله، وهو ما حدث بالفعل، لم يتبقَ منها شيء تعطيه له، فاستسلمت وتركت كلتا يديها بعد أن فرغت من كل شيء.

تعرفي على: قصة مسلسل سمرا والحب المستحيل

الفتيات في بلادي دومًا ما يقدمن كل شيء وأي شيء، فقط لكي تنتهي الحكاية النهاية السعيدة وتحصل على قلب الأمير، لا يهم ما قد يحدث فيما بعد، هم لا يهتمون بالعلامات أبدًا، المهم أنها لم تنتهِ كالأخريات دون زواج. نوع من الانتصار المزيف الذي قد تدفع ثمنه غاليًا فيما بعد. ولكن هل علينا أن نتنازل لكي نحصل على الحب؟ هل علينا أن نفقد أنفسنا ونفنيها في شخوص آخرين كي أشعر بسعادة أني الآن في قصة حب، وأن ثمة شخصًا ما على هذا الكوكب يحبني؟!

 

***

صديقتي تحكي لي عن نشأتها وأن صديقة طفولتها انفصلت عنها عندما زاد الأمر عن حده، في مقارنة أمها لها بصديقتها تلك، كانت تطلب منها أن تصير مثلها في تفوقها الدراسي وأدبها وأخلاقها، حتى أن الأمر وصل أحيانًا أن أمها كانت تنهرها أمام صديقتها وتصفها بالفاشلة، ظنًا منها أن ذلك سوف يجعلها تشعر بالغيرة وتصبح أفضل مثل صديقتها، وكل ذلك كان بدافع الحب.

 

الآباء والأمهات دومًا ما يبررون تصرفاتهم تلك بالحب. بالطبع قد رأيت من قبل أمًا تنهر ابنها أمام الآخرين بكل عنف وتقول له “أنا بعمل كده عشان بحبك وخايفة عليك”، ألا يوجد طريقة أخرى لتعبري بها عن حبك هذا؟!

 

***

الزواج الثاني، أكثر الظواهر انتشارًا حاليًا من ناحية الداعين له والمؤيدين أيضًا، ولست ضد الفكرة ولا معها؛ في النهاية هو اختيار حر، ولكن ما تعلمناه أن حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، يذهب الزوج الآن للزواج من أخرى دون علم الزوجة الأولى، ومعظم الحالات حين تسألهم عن الأسباب تنحصر الإجابة عادة في أن الزوجة الأولى أم مثالية تملؤها الطيبة والحنان ووقفت بجانبه كثيرًا في بداية طريقه، وأنه حقًا يحبها، لذلك هو لا يريد أن يجرح مشاعرها أو يهدم البيت، حقًا؟! أتحبها؟!

 

***

أقرأ وأسمع عن الكثير من الأزواج الذين فرضوا على زوجاتهم ألا يعملوا بعد الزواج، وأنها يجب أن تكتفي بتربية الأبناء والعناية بالبيت، لأن ذلك سيكون عبئًا عليها وأنه يحبها كثيرًا ويغار عليها أيضًا، لذلك هو لا يريد لها أن تعمل، ومن ناحية أخرى هناك الكثير من الزوجات اللاتي تفرضن على أزواجهن عدم الخروج مع أصدقائهم كثيرًا أو المكوث معها طوال الوقت لأنها تحبه ولا تريد له الابتعاد.

 

***

بعد كل تلك الحكايات وحكايات أخرى كثيرة، يتنامى إلى عقلي سؤال واحد فقط، وهو: لماذا نسمي كل تلك الأشياء بالحب؟! الكل يرتدي قناع الحب ليخفي أنانيته وتسلطه وانعدام مسؤوليته، وكذلك استغلاله للطرف الآخر، لمَ لا نسمي الأشياء بأسمائها ونكف عن إدراج الحب في كل أخطائنا البشرية الحمقاء لنتخفى ورائه.

 

لذلك لمَ لا يكون هناك فلتر للحب؟ قبل أن تدخل في علاقة مع أي شخص مرر قلبك وعقلك على فلتر الحب، اسأل نفسك: ماذا تريد من هذا الشخص؟ هل تقبله كما هو أم تريد تغيير شيء به؟ هل تدفعك أنانيتك أن تسلبه حريته؟ هل تريد أن تراه سعيدًا حقًا أم تريد سعادتك من خلاله؟ هل ستكون في حياته سوءًا آخر أم ستقف لتدفع أنت عنه السوء؟

 

تخلص من أنانيتك وحبك المفرط لذاتك، تخلص من تسلطك وغرورك، تقبل ذاتك كما هي ومن حولك ولا تحاول تعديل أحد، التقبُّل والحرية وتحمل المسؤولية والعطاء والبذل والمودة والرحمة والسكن، هي الحب ذاته، هي دعائم بناء بيت لا يُهدَم وعلاقة هادئة لا ينغصها سوء ولا ينهيها خلاف.

 

أعظم الجرائم في تاريخ البشرية قد ارتُكِبَت باسم الحب

 

المقالة السابقةماذا تعرف عن أسباب الاضطراب النفسي؟
المقالة القادمةما بعد الانفصال
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا