كل ما كنت بسمع “اقبلي مشاعرك” كنت بسمع صوت غسان مطر بيقولي “اعمل الصح”، وأتساءل “أيوة يعني أعمل إيه؟”، وكانت الإجابة “يعني اقبليها!”. لحد ما سمعت قصة واحد كان بيروح شغله كل يوم سايق في ساعتين، الشخص ده كان بيحاول يعمل أي حاجة تخليه ميزهقش من الطريق، يسمع راديو، يسمع كتب صوتية، يتكلم في التليفون، لحد ما قرر إنه هيبطل يعمل كده، زهق واتضايق جدًا من الوقت الضايع، وقرر إنه هيسيب الشغل ده، ويبتدي شغل تاني خاص بيه. وفعلاً نجح في شغله الجديد وكانت نقلة في حياته عمره ما كان هيعملها لولا إنه سمح لنفسه يعيش الزهق وبطل يتجنبه.
مشاعرنا السلبية دي أحيانًا بتكون الدافع اللي بيخلينا نعمل حاجات مهمة في حياتنا، وعشان أنا بخاف أواجه مشاعر سلبية كتير، زي الألم، الوحدة، الغضب، الزهق، الخوف، التوتر، الخواء، الضعف، الإهانة، الذنب، لقيت إني بهرب من إني أعيش تجارب كتير عشان أتجنب مواجهة المشاعر دي. فقررت أعرف يعني إيه أقبل مشاعري، وإزاي أقبلها.
يعني إيه أقبل مشاعري؟
أقبل مشاعري يعني أعترف بوجودها، أسمحلها إنها تكون موجودة وأكون واعية بحجمها الحقيقي، من غير ما أرفضها ولا أحكم عليها ولا أخجل من وجودها جوايا، ولا أقاوم وجودها أو أتجاهلها أو أشتت نفسي عنها أو أحاول تغييرها.
يعني أحاول افهم مشاعري و أعرف إن مشاعري دي حاجة مؤقتة، وأحاول أفهم أنا حسيت بكده ليه، وأحتوي المشاعر دي وأقبل إني بمر بوقت مش مريح دلوقتي. وإن ده التمن اللي هيخليني أتعافى وأكبر وجدانيًا، وأعيش بشكل حقيقي وأقدر آخد قرارات وردود أفعال مناسبة ومريحة ليَّ.
إزاي أقبل مشاعري؟
قبول المشاعر ومقاومة غريزة الوجود في منطقة الراحة مش حاجة سهلة، لكن بالتمرين قدرتنا على قبول مشاعرنا بتتحسن. وده نقدر نعمله عن طريق التالي:
1- التأمل
التأمل -على عكس المعروف- مش معناه إنك توقف أفكارك ومشاعرك، التأمل هو إنك تتعلم تلاحظ أفكارك ومشاعرك من غير أحكام ولا مقاومة.
اقعد في مكان لوحدك هادي ومريح، أو استخدم سماعات الرأس بموسيقى تأمل، من 5-15 دقيقة يوميًا، ممكن تنام على ظهرك، أو تقعد الرجل مربعة، الظهر مفرود والإيد ساندة على الركب، غمض عينك واسمح لنفسك إنك تسترخي وتستمتع، وإنك تنسى أي شيء تاني، حاول تتصور إن الحياة محيط والأفكار والمشاعر هما الموج اللي بيتحرك على السطح، وإنك بتحاول تغوص تحت السطح في مكان المية فيه هادية. اتنفس من أنفك ببطء وركز عقلك على التنفس وعلى شعور جسمك أثناء حركة الهوا جواه.
متحاولش توقف الأفكار والمشاعر اللي هيتحركوا جواك. ممكن تكون حاسس بقلة حيلة بسبب كلام الناس في الاجتماع اللي فات وإنك معرفتش ترد عليهم، ويلح في دماغك ردود مختلفة كان ممكن تقولها. سيب المشاعر والأفكار دي تطوف في عقلك واتفرج عليها بهدوء وسلام ومن غير أحكام، اتأملهم لحد ما يمروا في سلام، وبعدين حاول تركز تاني في التنفس.
2- التعاطف الذاتي
التعاطف الذاتي أو احتواء الذات، يعني تحس إنك سامح لنفسك تمر بالمشاعر السلبية، وإنك تركز في اللغة اللي بتكلم بيها نفسك وتبعد عن ألفاظ اللوم والتوبيخ لنفسك، وتستبدلها بلغة التعاطف والحب والمودة والقبول، يعني تفكر لو اللي حصل معاك كان حصل لطفل 4 سنين بتحبه جدًا، وجري عليك يحكيلك عن غلطه أو فشله أو ضعفه. فكر الطفل ده هيكون محتاج حب إزاي وكلام عامل إزاي، واديه لنفسك.
قول لنفسك إنك بتعيش لحظة معاناة دلوقتي، وإنك عارف إن دي حاجة صعبة ومؤلمة، بس المعاناة جزء من الحياة وجزء من إنسانيتك، والناس كلها بتعيش معاناة. طبطب على نفسك وقولها إنك بتحبها وإنك موجود عشانها وإن ده وقت صعب وهيعدي.
3- تجسيد المشاعر
حدد الشعور اللي حاسس بيه، غمض عينك وتخيل إنك خرجت الشعور ده برة عقلك وبقيت شايفه قدامك، هيكون شكله إيه؟ حجمه إيه؟ لونه إيه؟ طويل؟ ضخم؟ اسود؟ بعد ما بقيت شايف شكله وحجمه، اتأمل واسأل نفسك، يا ترى أنا حاسس بالشعور ده ليه؟ أثر على جسمي إزاي؟ ويا ترى الشعور ده جاي عشان يقولي إيه؟ يا ترى عايز يحميني من إيه؟ وأسمعه. ممكن تكون حاسس بغضب شايفه ضخم، وتكون حاسس بيه كأنه وجع أو تقل متركز في رقبتك أو بطنك، غضبك ده ممكن يبقى جاي عشان يقولك إنت ليه خاضع وساكت وسامح لمديرك إنه يأخر ترقيتك؟ ما تطور نفسك وتروح تشتغل في مكان تاني في منصب أفضل! ممكن يكون عايز يحميك من الاستسلام لوضع مش مناسبك.
في النهاية بفكر نفسي قبلكم، إن الشعور بالوحدة ممكن يكون السبب اللي يخلينا ندور على شريك لحياتنا، الشعور بالغضب ممكن يكون السبب إننا ننهي علاقة مسيئة أو نتعلم نحط حدود، الشعور بالخوف ممكن يكون السبب إننا ناخد حذرنا ونتأنى.
وإن قبول مشاعرنا وأفكارنا بيأثر على صحتنا النفسية وقبولنا لنفسنا، وبيخلينا نشوف نفسنا ومشاكلنا بشكل أوضح. ودي أهم خطوة في سكة التعافي، عشان نقدر نعرف ونفهم ونعيش نفسنا الحقيقية.
