كيف أحمي طفلي من التحرش

3619

في كل مرّة أتخيل أنني شحذت كل أسلحتي لأصنع درعًا يحمي صغاري من وحوش الإنس، يصدمني الواقع بمستوى جديد من الوحشية لم أكن لأتخيله أنا وكل الأمهات، يعاود الهلع لينهشني مئات المرات مع قراءة تفاصيل وقائع التحرش الجديدة، الأمر أصبح يتخطى كل محاولات الحماية ويضعني بين مطرقة القلق وسندان المسؤولية كأم.

كأم فأنا ملاذ طفلي وحصنه الآمن، كيف أطمئن صغيري وأحميه دون أن أصيبه بالهلع والخوف، وأنا أحملهما معي كهالة تضغط فوق عقلي مرّة وتعصر قلبي في اللحظة مئات المرات؟!

الوعي نصف الحماية

لن أحمي طفلي من شرور العالم.. سأعلمه كيف يحاربها

هكذا قطعت عهدًا على نفسي منذ رزقني الله بأطفالي “فريدة” و”يونس”، لم أحدثهما عن العالم كمكان آمن مليء بالملائكة والجنيات الطيبات، بل حدثتهما في حواديتي، وما زلت، عن الأشرار أيضًا، وأنهم أحيانًا ينتصرون، أخبرهم في كل حكاية أن العالم ليس عادلاً وأن الشر يرافق الخير في كل لحظة، ونحن ربما لا ننجو كل مرّة وإنما علينا ألا نكف عن المحاولة. اخترت -بمنتهى الألم- أن أمد صغيرَي بالوعي حتى لو أفقدهما ذلك جزءًا من براءة الطفولة، فربما يحميهما من بعض وحشية العالم خارج جنّة المنزل.

لم يكن الأمر سهلاً ولا مستحيلاً أيضًا.. طفلتي عنيدة وصغيري “يونس” لا زال في عمر العامين، لكن الوعي كالبذرة التي عليك غرسها منذ سنوات طفلك الأولى، ورعايتها جيدًا حتى يكبر ويملك ظلّه الخاص منها.

بدأ الأمر عندما كبرت طفلتي وأصبح عليها الذهاب للحضانة ثم المدرسة، ولن أكن لأمدها بالوعي دون أن أحصل عليه لنفسي أولاً، في هذه السن، سن ما دون المدرسة حتى ٤ أو ٥ سنوات عليكِ أن تعلمي طفلك الآتي:

1. خصوصية جسمه

لا ينبغي لأحد أن يلمس أو يرى أعضاءه الحساسة مهما كان قريبًا من الطفل. نرشح لكِ هنا كتاب “أنا غالي” الذي يُحدِّث الطفل خلال حكاية مصورة شيقة، ويعلمه حدود جسمه وخصوصيته. يجب أن يعلم طفلك دائرته المغلقة الآمنة وهي أبوه وأمه وأخواته فقط.

2. احترام رغباته

لا تجبري طفلك أبدًا على حضن أو قبله أو لمسة أو الاقتراب من شخص لا يرحب به طفلك، إذا رفض احترمي رفضه وأخبريه بلغة بسيطة أن ذلك مقبول ومفهوم ولا ينقص من محبته شيئًا، توقعي ألا يقابل ذلك بترحاب من الآخرين خصوصًا المقربين، ولكن طفلك دائمًا الأهم والأولوية.

3. احترمي خصوصية طفلك

بداية من عدم تغيير الحفاض أمام أحد، وحتى مرحلة دخول الحمام وتغيير الملابس، وكل فعل يتطلب خصوصية، وكوني قدوته في ذلك.

4. استمعي لصغيرك

حين يخبرك عن انزعاجه من أحد الأشخاص، استمعي له باهتمام، احفظي أسراره الصغيرة وتقبلي مخاوفه، وخذيها على محمل الجد دائمًا وتحري دقتها.

5. صادقي طفلك وصدقيه

نعلم جميعًا أن الأطفال خياليون، خصوصًا في أحاديث ما قبل النوم، ولكن دائمًا هناك خيطًا من الحقيقة في خيالهم، ستميزينه إذا كنتِ صديقة لطفلك.

6. لا تضربي أو تهيني أو تقارني

الضرب والإهانة يخلقان طفلاً مهزوزًا ضعيفًا، لا يشعر بالاستحقاق، مستسلمًا لتقبل الإهانة من الآخرين، وربما يشعر أنه يستحقها أيضًا.

في هذه المرحلة تتشكل علاقة طفلك الأولى بالعالم، مرري له كل ما ترغبين عن التحرش واللمسة السيئة والحذر في التعامل، والحكي بدون خوف عما يحدث له، من خلال اللعب والمحاكاة وحواديت ما قبل النوم.

كلما شعر الطفل أن الأم والأب هما ملاذه الآمن، داعمه وخط دفاعه الأول، سيتشكل وعيه بما حوله بصورة صحيحة، وسينشأ طفل واثق بذاته، جريء، يعلم أنه مرئي ومسموع ممن حوله، الطفل الواعي قوي في وجه متحرش ضعيف، سيخشاه مهما كان قوي البنيان، حتى وإن تعرض طفلك للإساءة فإما سيواجهها وإما سيتحدث عنها ويتخطاها.


كيف أحمي طفلي من التحرش ؟

المتحرش يمكن أن يكون شخصًا مقربًا للطفل ومحبوبًا وذا صفات ملائكية للآخرين، ويمكن أن يكون غريبًا عنه، لذلك علمي طفلك ألا يسمح لأي شخص بلمسه أو إجباره على فعل ما، مهما كان مقربًا ومحبوبًا من الطفل

حتى وأنا أكتب العبارة السابقة، يخترق القلق قلبي، لكن عزيزتي الأم، يجب أن ندرك أن أول خطوة لحماية أطفالنا من التحرش هي أن نتخلص من القلق المرضي. نعم، رغم صعوبتها، يجب الآن أن ننحي مشاعر القلق جانبًا، أن نستغلها لصالح صغارنا هذه المرة، لن نتجاهلها، سنواجهها ونكتبها بخط عريض وواضح.

أنا أخشى على طفلي من التحرش والاغتصاب والإساءة والعنف الجسدي واللفظي، في الحضانة والمدرسة ومنطقة الألعاب المنفصلة، أو مع المربيّة وبعض الأشخاص المقربين، أو حتى مع الأغراب في المواقف المختلفة. هكذا بوضوح حددي مخاوفك كالعبارة السابقة.

وعي طفلك بهذه الطرق التي تصلح للأطفال من سن الحضانة ثم المدرسة، وحتى سن المراهقة الأولى:

1. عرض المواد التوعوية

مثل أفلام الكارتون والأنيميشن المصورة، مثل هذا الفيديو التوعوي.

2. وعِّي طفلك بأعضائه الحساسة

الحديث عن الأعضاء والأماكن الحساسة بأسمائها ليس عيبًا، بل على الطفل أن يعرفها جيدًا، خصوصًا في سن المدرسة، ويعرف كيف يتعامل معها ويلمسها.

3. كيفية استخدام الحمام بمفرده

من المتوقع أن طفلك في هذه السن يعلم كيف يستخدم الحمام بمفرده، كيف ينظف نفسه، وكيف أن المنطقة الحساسة خاصة جدًا ولا يسمح لأي شخص غريب بلمسها، وإن حدث بالإجبار أو بصورة مزعجة عليه أن يتحدث فورًا.

4. كيف يفرق بين اللمسة العادية والسيئة

أخبري طفلك أن اللمسات السيئة تستهدف المناطق الحساسة بجسده، أو إجباره على لمس الأماكن الحساسة لدى الآخرين.

5. عرفي طفلك كيف يتصرف

إذا تعرض طفلك لموقف مزعج علميه أن يصرخ بصوت عالٍ، يجري، يخبر شخصًا ذا ثقة بالنسبة إليه ويتحدث إليكِ أنتِ وأبيه فورًا.

6. عوِّدي طفلك على الحكي

أن يحكي لكِ أحداث يومه بالتفاصيل، وانشري ذلك في المحيط الخاص بكما، أن طفلك يحدثك عن كل ما يمر به دون خوف.

من هو المتحرش؟

المتحرش يمكن أن يكون شخصًا مقربًا للطفل ومحبوبًا وذا صفات ملائكية للآخرين، ويمكن أن يكون غريبًا عنه، لذلك علمي طفلك ألا يسمح لأي شخص بلمسه أو إجباره على فعل ما، مهما كان مقربًا ومحبوبًا من الطفل.

7. راقبي ما يشاهده طفلك

سواء كارتون أو فيديوهات إنترنت، راقبي وناقشي ووعي طفلك دائمًا تجاه أي مفاهيم خاطئة تمرر له.

8. دائرة الأمان

في السنوات الأولى عليكِ إحاطة طفلك بدائرة أمان من الأصدقاء والأشخاص المحيطين الذين يشبهونكم تمامًا، حتى يعتاد طفلك على السلوكيات الواعية، ويصبح قادرًا على اتباعها حتى لو أحيط بأشخاص مختلفين عنه، في هذه السن الطفل يتعلم بالمحاكاة، وعندما يرى من حوله يتصرفون بوعي وخصوصية سيتصرف مثلهم تلقائيًا.

9. اتبعي حدسك

حدس الأم لا يخطئ أبدًا، لذلك راقبي تغيرات طفلك ومشاعره وتصرفاته. راقبي تصرفات المحيطين معه، في النادي والتمرين ومنطقة الألعاب والتجمعات العائلية، وإذا شعرتِ بحدسك يخبرك أن هناك شيئًا ما فاتبعيه.

10. البنت زي الولد

التوعية الجنسية والتربية والوعي والحماية يجب تقديمها للاطفال بالتساوي بين وبنات، حتى يخرج للحياة جيل واعٍ متزن نفسيًا.

وأخيرًا عزيزتي..

تأكدي أن الأم القوية تربي أطفالاً قادرين على مواجهة العالم بشره ووحشيته، قادرين على حماية أنفسهم والآخرين. تذكري ذلكفي كل مرة يتربص بك القلق والرعب على صغارك، إنك تفعلين كل ما بوسعك لتمهيد الحياة لهم، ومع ذلك ستقابلهم العثرات ولن يمنعهم تمهيدك عن السقوط، ولكنه حتمًا سيعينهم على النهوض مرة أخرى أكثر قوة.

اقرأ أيضًا: ادِّي بوسة لعمو

المقالة السابقةمدرسة الحياة
المقالة القادمةما علمني إياه أبي
باسنت إبراهيم
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا