العلاقات المتفجرة والعزل وكورونا: دليلك لعلاقات صحية

1872

أتممنا شهرًا من العزل الصحي في بيوتنا محاولين الاحتماء من فيروس كورونا. نقضي أوقاتًا طويلة مع أسرنا في مساحة ضيقة نسبيًا. وهي عملة ذات وجهين. فمن ناحية، قد تكون بيئة خصبة لظهور الخلافات الكامنة التي كنا نهرب من مواجهتها في العلاقات. فقد كنا نمارس أنشطة خارج المنزل، وكنا نلتقي أشخاصًا آخرين، ونلتمس المساعدة من المتخصصين. والآن نجد أنفسنا في مواجهة صراعاتنا مع أفراد الأسرة سواء كانوا أزواجًا أو أبناء أو آباء أو إخوة.

أضف إلى ذلك، التحديات والمشاعر المختلطة التي نختبرها، كالمخاوف الصحية والمادية، وارتباك الروتين اليومي، ومشكلات النوم والشهية، والشعور بالانعزال. يشعر الكثيرون بأنهم يعيشون على الحافة. يشعر البعض بالإنهاك وبفقدان القدرة على العطاء والتحمل. وهي أمور تساهم في جعل العلاقات متوترة. كلها مشاعر طبيعية وتحديات متوقعة. العبرة بالطريقة التي سنتعامل بها مع مشاعرنا وندير بها علاقاتنا.

الوجه الآخر للعملة هو أنه بأيدينا تحويل تلك الصراعات إلى فرصة للفهم المتبادل، وإزالة الجليد المتراكم، وتقريب المسافات. بأيدينا أن نستغل تلك الصراعات في الاقتراب من أنفسنا، ووضع الحدود، والحد من العلاقات السامة. 

ما هي مظاهر المشكلات في العلاقات ؟

عندما نهرب من مشكلاتنا ونكبت مشاعرنا، تجد تلك المشاعر طريقًا للتنفيس، ولكنه للأسف طريق غير ملائم. ويظهر ذلك في عدة أشكال مدمرة للعلاقة:

السلوك العدواني السلبي: كالتجاهل، والعبوس، والإهانات الخفية، والعناد وعدم إنهاء المهام المطلوبة بدون أسباب واضحة، وتصيد الأخطاء، والشجار لأسباب لا تستحق. 

– الانسحاب: بتجنب التعبير عن مشاعرنا واحتياجاتنا للطرف الآخر، وكأننا فقدنا الأمل في تلك العلاقة، ونعتبر التواصل غير مجدٍ. كما نتجنب ممارسة أنشطة مشتركة أو قضاء الوقت معًا.

– الاعتمادية: يرغب أحد الأطراف في البقاء مع الآخر طوال الوقت، يعتمد عليه في حل مشكلاته والقيام بمهامه والترويح عنه. كما يحمله مسؤولية مشاعره فرحًا كانت أو حزنًا.

– السيطرة: بتهديد الطرف الآخر، أو إشعاره بالذنب، أو بالمدح المبالغ فيه والتفاني في العطاء. 


كيف نحل الصراعات في العلاقات ونجعلها فرصة للتقارب؟

كل علاقة فريدة لها خصوصية. وبالتالي لا يوجد حل يناسب الجميع، ولكن هناك مبادئ عامة يمكن أن تساعد في حل مختلف الصراعات.

النفاذ إلى جذور المشاعر

يمكننا أن نستغل المشاعر الظاهرة على السطح كطرف الخيط الذي نبدأ من عنده استكشاف المشاعر والاحتياجات الأعمق. لذلك، لا تتجاهل مشاعرك التي تشعر أنها مبالغ فيها. استغل الفرصة لتفهم المزيد عن نفسك. 

فمثلًا، قد ينسى الزوج إلقاء القمامة، فتصيح الزوجة وتتشاجر، وتغضب غضبًا لا يتناسب مع الموقف. ربما يكون سبب هذا الغضب هو شعور الزوجة بالتجاهل من قبل زوجها، أو نظرتها له بأنه عديم المسؤولية إلخ. هذه المشاعر وهذه النظرة ربما يكون سببها مواقف عديدة متراكمة لم يتم حلها والنقاش حولها عندما حدثت. قد تكون الزوجة محقة أو ظالمة، قد تكون محقة بنسبة وظالمة بنسبة. وقد يكون السبب أن لديها صراعات غير محلولة في العمل. وربما تكون قاسية مع نفسها، وتفعل الشيء نفسه مع الآخرين. كل هذا لن يتضح إلا بمصارحة النفس والآخر.

أحيانًا تكون المشكلات معقدة أو ذات جذور قديمة. تجد صعوبة في إظهار مشاعرك وتحديد المشكلة والتواصل بفاعلية مع الطرف الآخر. في هذه الحالة يمكن اللجوء إلى طبيب أو معالج نفسي. وكثير منهم الآن يقدمون الخدمة عبر الإنترنت.

فهمك لمشاعرك ودوافعك واحتياجاتك سيساعدك على فهم ما وراء تصرفات الطرف الآخر. وبناء عليه، تتخذ الموقف المناسب سواء كان التغاضي، أو توكيد الحدود، أو القرب، أو التجاهل إلخ.

الحدود: ما زاد عن حده انقلب إلى ضده

يحكى أن مجموعة من القنافذ كانت تعاني البرد الشديد. تلاصقت القنافذ طمعًا في الدفء، لكن أشواكها آذتها. عندئذ، ابتعدت عن بعضها، فأوجعها البرد القارس. فاحتارت ما بين التلاصق ووخز الأشواك، والتباعد وعذاب البرد. وأخيرًا وجدوا أن الوضع الأمثل هو التوسط بين التقارب والتباعد، بحيث يستمتعون بالدفء دون أن تؤذيهم الأشواك. كذلك هي الحدود في علاقاتنا. 

كن واضحًا بشأن ما يمكنك وما لا يمكنك عمله، متى يمكنك التواصل ومتى تحتاج للاختلاء بنفسك. اختر معاركك. حدد ما لا تقبله وما يمكنك التغاضي عنه. خذ قرارًا واعيًا بشأن الموقف الذي لن تدعه يمر، وذلك الذي ستمرره بإرادتك حتى تصير جاهزًا للمواجهة. 

على الجانب الآخر، احترم حدود الطرف الآخر واحتياجاته ومشاعره. اقبل اختلافه، وتجنب محاولة تغييره ليصير الشخص الذي في مخيلتك. ابحث عن وسائل للتكيف، ولا تنتظر الحل أو التغيير من الطرف الآخر. 

على سبيل المثال، يهدئ كل واحد قلقه بطريقة مختلفة عن الآخر. فواحد يرتاح في القرب، وآخر يفضل العزلة. وهذا قد يترك أحدهما شاعرًا بالتجاهل والوحدة، والآخر شاعرًا بالاختناق. ليس المطلوب أن تجعل الآخر مثلك، ولكن أن تجد طرقًا للتكيف. فإذا كنت من النوع الأول، حاول أن تجد عدة أشخاص يمكنك التحدث إليهم. وإذا كنت من النوع الثاني، فيمكنك أن تشرح للطرف الآخر أن احتياجك للعزلة مهم لشحن طاقتك وليس لموقف شخصي منه. 

في كتاب “الحدود” لمؤلفيه د. هنري كلود ود. جون تاونسند: 

الحدود تتعلق بك أنت، وليس الآخرين. فأنت لا تطلب من الآخر أن يفعل شيئًا ليحترم حدودك. أنت تضع الحدود حتى تعبر عما تريد أن تفعله أو لا تريد.

وهذا النوع فقط هو المؤثر لأنك تمتلك السيطرة على نفسك. فلا تخلط بين الحدود والطرق الأخرى التي قد تبتدعها للسيطرة على الطرف الآخر. الحدود عكس السيطرة. فأنت تتخلى عن محاولة السيطرة على الطرف الآخر وتعطيه الفرصة ليتحمل مسؤولياته تجاه سلوكه.

التوازن بين القرب والبعد

يتصل بمسألة الحدود أن يتاح لكل فرد فرصة للخلوة. كل إنسان يحتاج إلى قضاء بعض الوقت منفردًا يلملم شتات نفسه ويشحن طاقته. ربما تختلف درجة هذا الاحتياج من واحد لآخر. فمنا من يحتاج إلى وقت أطول من غيره. 

نحن ندعم أنفسنا أيضًا عندما ندعم الآخر، نأخذ ونعطي. ولكن ادعم عندما يكون بك طاقة للعطاء حتى لا تنهار أو يتراكم بداخلك الغضب

كن واعيًا باحتياجك إلى الخلوة، ونظم وقتك بالطريقة التي تحققه له. وضح للآخرين كيف يمكنهم مساعدتك على ذلك. تقومين كأم مثلًا ببعض المهام المنزلية ورعاية الأبناء، ثم تقومين إلى عملك. تخبرين أبناءك وزوجكِ أنك لن تستطيعي إجابة طلباتهم خلال الساعتين القادمتين، وتنفذين ذلك. فعندما نضع الحدود يختبرها الآخرون. وحماية حدودنا مسؤوليتنا.

يساعد أيضًا أن نحاول إيجاد مكان بالمنزل نكون فيه وحدنا، سواء في الشرفة، أو غرفة النوم. كل حسب ظروف بيته. تتمثل أهمية الوقت الخاص أيضًا في أنه يتيح للواحد الشعور باحتياجه للآخرين.

على الجانب الآخر، فإن ممارسة أنشطة مشتركة يساهم بدرجة كبيرة في التقريب بيننا. نلعب، نتكلم، نطبخ، نتمشى في مكان هادئ بعيدًا عن الازدحام، نشاهد فيلمًا أو مسلسلًا، نرتب البيت. هذا يصنع لدى كل منا رصيد للآخر من الحب والاهتمام والدعم. وهو ما يساعد جدًا في تقليل الخلافات والتعامل معها لأنه يخلق لدينا الدافع للحفاظ على العلاقة.

ليست مهمتك أن توفر المصدر الدائم للصحبة لأحد مهما كانت درجة الحب والدعم بينكما. ادعم الآخر، فنحن ندعم أنفسنا أيضًا عندما ندعم الآخر، نأخذ ونعطي. ولكن ادعم عندما يكون بك طاقة للعطاء حتى لا تنهار أو يتراكم بداخلك الغضب. اعترف بمحدوديتك، فمن الطبيعي ألا تكون قادرًا على العطاء في كل الأوقات. 

التواصل لنفهم أنفسنا والآخرين

ليكن هدفك من التواصل فهم نفسك والآخر ومحاولة الوصول إلى حل وسط.

كل ما سبق لن يتم إلا من خلال التواصل. وهنا يوجد بعض المبادئ الهامة. أول تلك المبادئ أن نتكلم عن مشاعرنا واحتياجاتنا، ونتجنب إصدار الأحكام على الطرف الآخر. فمثلًا، يمكنك أن تقول: “أشعر بالوحدة، أحتاج إلى قضاء وقت معك” بدلًا من “لستُ في حساباتك”. تجنب استدعاء مشكلات قديمة وأنت تتحدث عن الموقف الحالي. يساعدك على ذلك أن تتحدث عن مشاعرك أولًا بأول حتى لا تتفاقم الصراعات. 

وليكن هدفك من التواصل فهم نفسك والآخر ومحاولة الوصول إلى حل وسط. تجنب الدفاع عن النفس ومحاولة إلقاء اللوم على الآخر بأي شكل لتبدو بريئًا. لا تنظر للنقاش كساحة للحرب يخرج طرف منتصرًا والآخر خاسرًا. 

قد يخبرك الطرف الآخر أن البيض نفد أو أنه لم ينم جيدًا الليلة الماضية. لا تتجاهل تلك الإشارات البسيطة للرغبة في التواصل، خصوصًا في تلك الظروف، فهذا قد يترك الآخر شاعرًا بالعزلة. ليس المطلوب أيضًا أن تدخل في نقاش مطول حول هذه الأمور، ولا أن تخبره أنه السبب، تكفي ردود بسيطة تجعل الآخر يشعر بالتعاطف والاهتمام.

نمر بظروف استثنائية وضاغطة، ولكن الذهب يمتحن بالنار لينقى من الشوائب. الوعي بالنفس، والتواصل، واحترام الاختلاف، والمرونة هي الكلمات المفتاحية لتحقيق سلامنا النفسي والحفاظ على العلاقات وتنميتها.

اقرأ أيضًا: ليه الست بترضى بـ العلاقات المسيئة؟

المقالة السابقةأكثر تطبيقات غريبة في العالم لم تجربها من قبل
المقالة القادمةالحياة تستاهل نحارب علشانها

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا