لماذا أصبحنا النساء التي لا يحبها الرجال؟
لقد أصبحنا هكذا لأننا في رحلة الحياة لم نلق إلا خذلانًا دفعنا أن نكون أشخاصًا غيرنا.. أشخاصًا توقعنا أنهم سيكونون سندًا لنا فخذلونا فسندنا أنفسنا بعيدًا عن التذلل والخزي الذي ألحقوه بنا.
في الرحلة لم نجد من يرد أسئلتنا بوضوح وصبر، فسارعنا للبحث عن الإجابات وتعلمنا كيف نخفف مرار المجهول، ومع الوقت لم يعد للرجال نصيب من أحاديثنا المبهمة.. ولأنهم سبقونا في الاتهام بكثرة اللغو فاستغنينا عنهم وعن اتهاماتهم، واستبدلناهم بمن هم أكثر ثقافة منهم.. وباتت لنا لغتنا الخاصة التي نتبادلها، فصرنا أكثر غموضًا، فاستبعدونا.
سألت يومًا سيدة مرموقة لها وضعها في المجتمع، -وأحسبها لي قدوة ولكثير من الشباب- عن سر نحاجها. فأخبرتني أنها دفعت ضريبة لهذا النجاح، ولما سألتها ما هي تلك الضريبة، أخبرتني بابتسامة: الطلاق. لم يتحمل طليقي عدد ساعات عملي، أو الساعات الإضافية التي أقضيها في المطالعة، فاضطررت للتخلي عنه كي أنجح، ورغم أن لي ثلاث بنات، ولكنهن لم يشعرن يومًا بتقصيري معهن، هو فقط الذي شعر بذلك.
لذا لا يدرك الكثيرون كمّ الصعوبات والعقبات التي تتجاوزها المرأة قبل أن تصبح قوية.. ولهذا فالرجال يعتبرون المرأة القوية خليلة جيدة ولكنها لا تصلح أن تكون زوجة جيدة.. إلا من رحم ربي. لم تخلُ الرحلة من كثير من التخلي في الأزمات.. واعتدنا المرور بالتجارب الصعبة وحدنا.. فأصبحنا أكثر استبعادًا لأننا لا نحتاج إليهم. في الحقيقة المرأة القوية تستطيع إنجاز الكثير وحدها ولا تمل المحاولة، إن فشلت ستجد حلاً آخر وبسرعة، وبالتالي لم يعد الرجل هو بطل حياتها، وهذا بالتأكيد هو عين الإهانة بالنسبة له.
لا أفهم ما الذي يضير الرجل في امرأة قوية تستطيع أن تملك زمام أمورها بقبضة يدها! أليس هذا أكثر أمنًا وأمانًا لحياتهما معًا؟ تذكرت الآن مشهدًا من فيلم serious moonlight ، حاولت فيه البطلة التي اكتشفت بالصدفة أن زوجها ينوي هجرها مع حبيبته والسفر إلى باريس، فقامت بربطه في المرحاض وتقييده عن الخروج من المنزل.. ورغم أن ذلك تم في إطار كوميدي فإنه ناقش القضية بمنتهى الجدية، فقد كانت البطلة “لويز” محامية مرموقة ودخلها أكبر من دخل زوجها “إيان”، بالإضافة لكونها رياضية وصاحبة جسد ممشوق، تستطيع حل المشكلات بنفسها وتدير أمور البيت، باختصار هي بطلة حياتها، وهذا لم يمنعها عن حبه وتقديره.
ولأن ذلك تحديدًا ما كرهه فيها.. أخبرها أثناء مناقشتهما الحادة أنه أحب غيرها، أحب شخصية هادئة ومتزنة وذكية جدًا، وتدرس لكي تصبح طبيبة، ولكنها تحتاج إليه.. هي ليست تحتاج إلى أي رجل، ولكنها تحتاج إليه هو شخصيًا. مرعب أن يهجر رجل زوجته لأنها لا تحتاجه، وينكر الحقيقة التي دفعته لذلك.. حين يقصر الرجل في مسؤولياته لا تتردد المرأة القوية في احتلال الفراغ وسد الخانة ومتابعة حياتها.. فلماذا يتخلى عنها الرجل؟ ألأنها تحلت بالصفات التي كانت تتمنى أن تراها في شريك حياتها؟
استمعت للكثير من حكاوي الهجر، وأغلبها كان بسبب طموح العنصر الأنثوي في العلاقة. حكت لي طبيبة أنها أحبت يومًا زميلاً لها في السنة النهائية من دراستهما، وتمت خطبتهما، وبعد التخرج جاءتها فرصة لاستكمال دراستها بالخارج، في حين كلف خطيبها بأداء الخدمة العسكرية.. فوافقت على السفر لحين انتهاء هذه الفترة، لكنه فاجأها بفسخ الخطبة معلنًا لها كيف تسبقه في الدراسة وتتخلى عنه في هذه الفترة؟
كانت صدمتها عنيفة.. ولكنها كانت أكثر ذكاء من أن تخضع لرغابته المريضة، أو أن ترضي غروره وتستكين منتظرة والله أعلم إلى متى. عزيزتي الأنثى.. إن لم يكن شريكك يدرك أن قوتك وطموحك هما استكمالاً لحياة متزنة وسوية فاستغني عنه، لأنه بالتأكيد ليس إضافة. وحين أقول إضافة فأنا أعني إضافة في كل جوانب حياتك، سواء العملية أو العلمية أو العاطفية أو حتى المادية.. لا تتشبثي برجل يستنزفك وينتظر منك العطاء قبل أن يعطي هو أولاً.
عزيزي الرجل.. إن كنت تبحث عن رجولتك في ضعف امرأة تحتاج إليك في أكثر الأمور تفاهة فاعلم أنه ليس إلا نقص في ثقتك بنفسك، وما أكثرهن في الحياة.. وعندها ستدرك الفرق بين تلك التي تعدل ميزان حياتكما معًا، وتلك التي تعدل ميزان حياتها أولاً كي تستقيم حياتك.