ولا عمرك هتنسى الدندو

438

 

مع بداية الشهر الكريم، حيث “الأنتخة” من الفطار حتى السحور والمسمرة أمام التليفزيون، لا أتابع المسلسلات والست كوم لا سمح الله، فأنا صاحبة ذاكرة سمكة، لا أتذكر مواعيد عرض المسلسلات، ولا القنوات التي تذيعها، وإن حدث وتابعت فلما أصل للحلقة العشرين مثلاً أكون نسيت بداية الأحداث ودوافع الشخصيات، وبالتالي لا يمكنني الحكم على مدى منطقية النهايات، لذا تكفيني الإعلانات وترضي شغفي.

 

ما زال في أذني ذكريات الطفولة ورمضانات التسعينيات مع صوت “الراجل بتاع إعلانات رمضان”، الذي عرفنا لما كبرنا أنه طارق نور بذات نفسه، وما زلت كلما سمعت صوته شممت رائحة رمضانات الطفولة.

 

ثم توالت الإحباطات لما انحدر المستوى الإعلاني وصار إعلان واحد أو اثنان فقط هما ما يعلقان في الذهن ويزولان في نهاية رمضان، لكن هذا العام لاحظت تصاعدًا لا بأس به في جودة الإعلان المصري من جديد، وشيء من الارتفاع في مستوى الإبداع، أو على الأقل لم ألحظ إعلانًا يوصف بالسوء أو بـ”البواخة”.

 

لكن قرأت تعليقات كثير من الأصدقاء على فيسبوك بمنع بعض الإعلانات لأنها تخدش الحياء العام. ثم لاحظت في اليوم التالي بتغيير في بعض الإعلانات وقص بعض المشاهد.. خير يا جماعة إن شاء الله؟!

 

لست مع ولا ضد المنع، ففي النهاية سأشتري المنتج الأفضل والأوفر بغض النظر عن إعلانه، وستسير حياتي على نفس رتمها، فلن أصاب بالأرق مثلاً أو أؤجل مشوارًا حتى عرض الإعلان الفلاني.

لكن إعلان “الدندو” تحديدًا، ماله؟! “مزعلكم ف إيه”؟!

 

في المشاهدة الأولى للإعلان انتزع ابتسامتي بسلاسة وتلقائية، خصوصًا أن لديّ رضيعة اضطرتني أن أراجع قاموس الكلمات المشفّرة التي لا يصح تسميتها أمام الغرباء، كما أني أذاكر طرق الفطام لأكون مستعدة لمّا يحين وقت إلهاء صغيرتي عن “الدندو”، فالإعلان لفت انتباهي بشكل شخصي، وأيضًا لفت انتباه طفلتي التي لم تتم بعد ثمانية أشهر، لكنها تبتسم لزملائها الذين اجتمعوا على حب “الدندو”.

 

عرفت أن من أسباب منع الإعلان أنه يساعد على التحرش ويثري قاموس المتحرشين لفظيًا.. يا سلام!

هذا طبعًا على أساس أن المتحرش “بيتكسف” ولا يستطيع أن يسمي الأشياء بمسمياتها! فالرقابة التي فوتت بدلات الرقص الفاضحة وسب الدين والإيحاءات الجنسية والأغاني المسيئة والنكات المبتذلة، وقريبًا جدًا ستهل علينا أفلام العيد أو بتعبير أدق “أفلام السبكي”.. تلك الرقابة انخدش حياؤها من “الدندو” ووقفت عنده، وحلفت والله ما يعدي.

 

أذكر وأنا في أولى ثانوي كان لي صديقة جميلة الملامح وجميلة القوام، وفي عز سن لفت الانتباه، سمكة تتكالب عليها صنانير المتحرشين، جاءت المدرسة تبكي وطلبت مني أن أسلفها 25 جنيهًا تردها لي جنيه يوميًا، حيث كانت تأخذ مصروفها باليوم وأنا بالشهر، وستبقى على مدار 25 يومًا تعود البيت مشيًا لتسد الدين. المهم أن السُلفة التي كانت تشتري وقتها كيلو فراخ بانيه، أخذتها لشراء حمالة صدر قطنية بدلاً عن المبطنة التي تزيد حجم الصدر، لأن أحدهم في الشارع صبّحها بتعليق فاضح عن حجمها الملفت، ومع الأسف الشديد كان ذلك قبل اختراع كلمة “دندو”، فاضطر المتحرش آسفًا -يا حرام- لتسمية أجزائها بفجاجة.

 

الحقيقة فكرت كثيرًا في حال هذا الشاب الآن، أكيد اطمأن قلبه بعدما اخترع له الإعلان المشين كلمة يمكنه التحرش بها بضمير مرتاح، فهو حتمًا -يا عيني- كان يتحرش وهو محرج مطأطئ الرأس، والآن سَهُل عليه التحرش أخيرًا. لكن الحكومة الحازمة الصارمة كيف تسمح بهذا التسيب والانحلال؟! هل سنت قانونًا محترمًا لحماية بنت في عمر الزهور من التحرش اللفظي؟ هل شرعت في حملات توعية بمخاطر التحرش على نفسية بناتكم وزوجاتكم؟ هل نفّذت أي حاجة ذات قيمة تحقق إنجازًا ملموسًا على الأرض؟ لا؟! أي حاجة؟! إذًا ماذا فعلت حكومتنا المبجلة؟! منعت إعلان الدندو! هاللويا! أنا حسيت بالأمان! خرجوا بناتكم يا جماعة فإعلان الدندو اتلغى.

 

الإعلانات الممنوعة من العرض مُنِعت بحجة عدم توافقها مع العادات والتقاليد المصرية.. ألم تعلم الجهة صاحبة القرار أن العادات المصرية متسامحة جدًا مع التحرش وتخاف دائمًا على مستقبل المتحرش من السجن؟! تشهد على ذلك كل المعارك والشجارات اللي خضناها في شبابنا ضد المتحرشين، فالعادات المصرية نادرًا ما تفكر في نفسية الضحية وسنين عمرها القادمة أصلاً، وغالبًا ضحية التحرش في العادات المصرية مذنبة بشكل ما.

 

أما الإعلان الشهير صاحب شعار “استرجل”، فالرقابة لم تنتبه لمسلسل طويل من الإعلانات العنصرية الذكورية المُحِطّة للجنس الأنثوي، أبسطها وأكثرها تكرارًا تشبيه الرجل المُهزأ أو الرجل الضعيف أو الرجل التافه بالأنثى، ولم تنتبه للشعار نفسه ولا لعنصرية جملة مبتذلة كجملة “ولسه فيه واحد زي ده”. سلسلة إعلانات علقت في ذاكرة سمكة مثل ذاكرتي ولم تثِر مرة حمية الجهات الرقابية، لكنها عدّلت فقط علامة الذكورة المعوجّة في آخر الإعلان.. صحيح.. تلاتين سنة حسرة.

 

المقالة السابقةنساء لا يحبهن الرجال
المقالة القادمةالأدوات المنزلية غير السحرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا