اتق خذلان النساء
في قلوب الزوجات بقع بعيدة لا يصلها نور العفو، فلا تُنسى ما طال الدهر، ربما تقبع في ركن خفي لا تراه إلا صاحبته، ويخرج أحيانًا كشوك قنفذ استشعر الخطر.
حينما تخذل امرأتك فإن لها قدرة غريبة على الانتقام بالصمت، الانتقام دون عتاب، دون عراك، دون تخلٍّ. وحده الصمت يخبرك بمكانتك الجديدة في قلبها. وحده الصمت يخبرك بامتلاكها لقلب جديد خالٍ من كل ما يستحق العتاب. خالٍ منك.
حينما تخذل امرأتك فإنها تستمر في بيتك لصعوبة الانفصال عن بيت دبّت فيه جذورها، لكنها لن تعود مُورقة كما كانت، هي مستمرة هنا فقط من أجل الأطفال، كلام الناس، استسلام للأمر الواقع.. أي شيء، أمور كلها هشّة قد تنحلّ بحبة شجاعة.
خذل يخذل خذلاً وخذلانًا، فهو خاذل والمفعول مخذول.
يقال: كان يعتمد على نصرته فخذله.
كن واقعيًا
كثير من أبناء الجيل المقبل على الزواج، يرفضون زواج الصالونات أملاً في تحقيق “بوستات الفيسبوك”، و”لأن الحلال أجمل سأنتظر”. لكن كل أبطال صور الفيسبوك لا نعرف إلى أين وصلت بهم الدنيا، لا نرى مؤشر الملل في دواخلهم، لم نر يومًا مواجهتهم لأول خلاف بينهم في تربية طفلهم، “هيخش أزهر.. لأ هيخش راهبات.. مفيش غير الإنترناشونال زي ولاد خالته. أجيبلكم منين؟!”.
لم يحكِ أحد هؤلاء الأبطال مشكلاته فوق السرير، في الشوبينج، في ترتيب أولويات الميزانية. كل الأفلام التي انتهت بقبلة والعروس مرتدية الفستان الأبيض، لم تذكر ما حدث بعد الزفة، فتركت لنا انطباعًا أن القبلة لا نهائية. أن الحياة عبارة عن قبلة طويلة.
لن يخبرك أحد أن صورة العاشقَيْن النائمَيْن على حضن لن تحدث، لأن ليس معقولاً أن تنام ف حضن حبيبك وكلما كحّ أحدكما أيقظ الآخر، كلما هرش أحدكما تاخر الآخر، كلما تقلّب أحدكما استأذن الآخر. “مش عيشة!”، فتخذلك الحياة بسرقة أحلامك البسيطة دون سبب مفهوم أمامك.
صور من الخذلان
خذل: بَعُد وانقطع. خذلان الرجل: أي ترك معونته. خذله أو خذل عنه: تخلى عن مساعدته ونصرته.
خذلت الحيوانات: تخلفت عن صواحبها وانفردت. خذلته قدماه: لم يقدر على المشي.
والخذلان أن تفقد دنياك وتتماهى في روح حبيب ثم لا يرى يدك الممدودة تطلب العون، لا يرى في دمعاتك إلا نكدًا ورغبة في كيل الغم، ولا يسمع من لومك الشكوى الحقيقية، لا يعرف أن اللوم طلب لزيادة في الحضن والاحتواء، وإنما يراه هجومًا يستوجب الدفاع والغضب، فتطلب الحضن فيرد بدفاع فتعيد طلب الحضن فيبدأ العراك.. حتى يتبخر الحب، فلا أنت تطلب ولا هو يقدم.
– الولاد واخدين كل وقتي.
– مش قد الخلفة خلفتي ليه؟
صمت (خذلان).
وكما أن الخذلان يكون بانتظار معروف لا يأتي، فهو أيضًا بأخذ معروف لن ترده. ألّا تصير على مستوى الحب، على مستوى التوقعات، أن تترك حبيبك وحده في معترك النجاة بحبكما من آلام الواقع، أن يتساءل حبيبك طول الوقت عما يرضيك وأنت تضلله ولا تفكر في إرضائه يومًا، ألا تبذل شيئًا لاستمرار ما بينكما بينما طوال الوقت تنتظر منه البذل والاستمرار.. فتكون بهذا خاذلاً لنفسك، للآخر، للحب.
– أنا محتاج أجازة.
– مفيش فلوس.
صمت (خذلان).
وعلى ذكر التوقعات، فهي لعنة الحب، تقتات على الإقبال، تقف بك دائمًا في خانة الانتظار، تقدم خطوة وتنتظر رد فعلها، فلما لا تجد لا تُقبِل على أخرى ولا تلتمس عذرًا، وحين ينتبه الآخر فيُقْدِم متوقعًا استقبالاً حافلاً فيجدك محبطًا صامتًا عير عابئ بما قدّم، فيعود خطوته التي أقبلها، فيكون خذلان الدنيا لكما على السواء.. فتخلّص من توقعاتك مبكرًا ودع للآخر حرية التعبير.
– جبتلك ورد.
– حطه عندك ف الصالون.
صمت (خذلان).
لا تتزوج امرأة مخذولة حديثًا
خذّل عنه أصحابه: حملهم ودعاهم لخذلانه.
ستقف دومًا في دور المستقبِل ولا تتوقع لها قريبًا دورَ المُرسِل، ستنتظر منك دومًا ردّات فعل واضحة لأمور قد تكون عادية، فتنتظر مثلاً قبلة ورسالة حب واحتفاء بصورة مع كل كوب شاي لتوثيق الحدث، تضعك دائمًا في جداول المقارنات مع الأزواج الآخرين.. “لماذا لا تكتب لي على الفيسبوك مثل زوج فلانة؟”، “لماذا لم تنتبه لما أخبرتك أني أحب الورد البلدي أكثر من الياسمين؟”.
ستنتظر مداواتك لجروح لا تراها واعتذارات عن أخطاء لم تقع فيها، ستأمل في قبلة أمير يعيدها إلى الحياة، ولا أنت أمير ولا هي جمال نائم ولا حياة تنتظرها، فترى فيك خذلانًا جديدًا لا يد لك فيه.. ودائمًا لا مجال لمعاتبة امرأة مجروحة.
ستنسى كل ذكرياتكما مع أول ملمح لخطأ صغير وستعمل من كل حبة قبة، ستلبس درع الحرية وكياني وشخصيتي وكرامتي مع أي احتمال لشجار عابر يحدث في كل بيت وينتهي بكوب نسكافيه.
لا تتزوج امرأة مخذولة حديثًا إلا إن كنت قادرًا على بث الثقة في روح اعتادت الموت، إلا إن كنت قادرًا على التعامل بعاطفية مفرطة واكتشاف كسور مخفية حتى عن صاحبتها.
لا تتزوجها إلا إن امتلكت أدوات المُداواة.
متخذلنيش
خذل عنه: تخلى عنه، وترك نصرته.
إن أقبَلَت عليك فلا يكفي ألا تدبُر. ومع كل سبتٍ قدم أحدًا.
إن انحشر الكلام في حلقها فلا تنهرها لصمتها غير المبرر وتشكو عدم منطقيتها، فقط امنحها الأمان بحضن أو قبلة لتنساب الشكوى من بين شفتيها وتتخلص من عبئها وتغدو خفيفة باسمة.
إن جُنَّت وحاولتْ الانصراف فربما تريد منك فقط أن تذكرها باحتياجك لها ولوجودها لتعود، فلا تبخل عليها به.
إن فرّقتكما ماديات الحياة لبعض الوقت بسفر أو عمل أو… أو… فلا تنسَ أنها ملاذك، طمئنها بأن مكانها المفصّل لها خصوصًا ينتظرها ولن يستطيع أحد شَغْله.
إن رأيتها تخاف أمورًا فلا تلوّح بها أوقات الغضب.
إن علِمت بأوجاع في ماضيها فلا تنكأ جروحها، وحاول تضميدها.
أكبر الخيانات الخذلان
أن تقع في شراك الحب وتهب نفسك للآخر ثم…
ثم لا يخون ولا ينفصل ولا يهين.. ليس أي كارثة من تلك المتوقعة والمتعارف عليها، ليس أي كارثة يمكنك اختصامه بها، بل يخذل.. يخذل أي لا يكون، أي يصبح عاملاً محايدًا، غير إيجابي فتفرح ولا سلبي فتقاومه، أن يكون حبيبك صِفرًا.
لا أخطاء لتلومه عليها، ولا مبادرات تجدد حبك له، كبطل رواية “طريد الفردوس” الذي عاش لا يفعل خيرًا ولا شرًا ثم مات فرفضته ملائكة الجنة وملائكة النار.
تعيش تائهًا وحيدًا ولا شيء لشريكك تعاتبه عليه أو تحبه به. يموت حبكما موتًا بطيئًا صامتًا وتعيشان حياة صورية وتلتقطان صورًا كصور الفيسبوك.. مجرد صور.
فلا تخذل.
[…] الخذلان المستمر سيتنهي بالطبع إلى الجنون العارم، وأحد العوامل […]